في مؤتمر صحفي مشترك عقد في البيت الأبيض، يوم الإثنين، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موافقته الرسمية على "خطة السلام الأمريكية" التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، إن تعاطي حركة حماس بمرونة مع المقترح المطروح لوقف الحرب في غزة يظهر درجة عالية من الذكاء السياسي والحكمة في إدارة الأزمة.
وأضاف الرقب- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الحركة، التي خاضت مواجهة طويلة مع الاحتلال الإسرائيلي، تدرك الآن أن الاستمرار في التصعيد العسكري لم يعد يصب في مصلحة القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها خلال الشهور الماضية، سواء على مستوى البنية التحتية أو القدرات القتالية.
وأشار الرقب، إلى أن الموقف الذي أبدته حماس، بقبولها البنود المطروحة في الاتفاق، يأتي في وقت قد يتوقع فيه كثيرون، ومن بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن ترفض الحركة أي تسوية لا تنسجم تماما مع رؤيتها.
وتابع: "ما قامت به حماس هو نقل ذكي للكرة إلى ملعب الحكومة الإسرائيلية، ووضعها في موقف محرج أمام المجتمع الدولي، فقد باتت إسرائيل، بعد هذا القبول، هي الطرف الذي يتعين عليه تقديم رد واضح، وإلا فإنها ستحمل مسؤولية استمرار العدوان وإجهاض الجهود الدولية لإنهاء الحرب".
وأردف: "من الواضح أن حماس تدرك تماما التغير في توازن القوى على الأرض، بعد أن استنزفت قدراتها العسكرية بفعل الحرب الطويلة والمستمرة، وهذا الواقع الجديد فرض على الحركة ضرورة التفكير بخيارات سياسية أكثر واقعية، لا تعني التنازل عن الثوابت الوطنية، بل إعادة تموضع سياسي وتكتيكي يعزز من فرصها في الحفاظ على ما تبقى من أوراق قوة، ويؤمن للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من الأمان والحقوق".
وأكمل: "إن ما تفعله حماس اليوم هو ممارسة للمرونة التكتيكية، وهي مرونة مدروسة لا تعني تغيير المبادئ، بل إعادة ترتيب الأولويات بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وهذه الخطوة قد تفتح المجال أمام كسب دعم دولي أوسع، وتظهر الوجه السياسي العقلاني للحركة، في مقابل تعنت إسرائيل ورفضها لأي مبادرة تفضي إلى تهدئة حقيقية".
واختتم: "اللحظة الراهنة تستدعي من جميع الأطراف فلسطينيين وإسرائيليين وداعمين دوليين، إدراك خطورة استمرار الحرب وتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، الحلول الواقعية لم تعد ترفا، بل ضرورة عاجلة لوقف نزيف الدم، وتوفير أرضية لتسوية تضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وتمنح الشعب الفلسطيني أملا في مستقبل أكثر استقرارا".
وخلال المؤتمر، وجه نتنياهو تهديدا مباشرا لحركة حماس، قائلا: "إن الحركة إن لم تقبل بالخطة، أو قبلتها ثم تصرّفت بما يخالف بنودها، فإن إسرائيل ستنهي المهمة بنفسها".
وأضاف:"يمكن تحقيق ذلك بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة، لكن في النهاية سيتحقق، ونحن نفضل الطريقة السهلة، ولكن يجب أن يتحقق ذلك".
من جانبه، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديدا مماثلا لحماس، مؤكدا أنه في حال رفضت الحركة الفلسطينية الخطة، فإن الولايات المتحدة ستمنح إسرائيل دعما كاملا لمواصلة عملياتها العسكرية.
وقال ترامب:" آمل أن نصل إلى اتفاق سلام. وإذا رفضت حماس الاتفاق، وهو احتمال دائم، فهم الطرف الوحيد المتبقي، فقد قبله الجميع.. لدي شعور أننا سنحصل على رد إيجابي، ولكن إن لم يحدث، فكما تعلم يا نتنياهو، ستحصل على دعمنا الكامل لفعل ما يجب عليك فعله".
وفي تعليقه على هذه التطورات، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع، إن الخطة التي طرحها البيت الأبيض صيغت بطريقة تجعل من حماس خاسرة مهما كان موقفها.
وأوضح مطاوع- خلال تصريحات له، أنه إذا رفضت حماس الخطة، فإنها "ستحمل كامل المسؤولية"، وستمنح إسرائيل غطاءا دوليا وأمريكيا وعربيا وإسلاميا لتنفيذ خططها.. أما إذا وافقت، فستكون مكاسبها محدودة للغاية، وربما لا تتعدى بعض التنازلات الرمزية تتعلق ببقاء بعض قياداتها أو منحها دورا صغيرا في المرحلة المقبلة.
مخاوف من تهجير سكان غزة
وتابع مطاوع أن رفض حماس للخطة سيفتح الباب أمام إسرائيل لتنفيذ مخططات أكثر خطورة، على رأسها احتلال غزة وتهجير سكانها، وأشار إلى أن "شبح التهجير" سيعود بقوة في حال تم تحميل الحركة مسؤولية تعطيل الحل السياسي.
وأكد أن هذا الرفض أيضا سيستغل من قبل اليمين الإسرائيلي المتطرف لتحقيق أهدافه، بل وربما ينظر إليه على أنه انتصار لهذا التيار، الذي يدفع باتجاه سياسات أكثر تشددا تجاه الفلسطينيين.
تناقض في تصريحات نتنياهو
وفي سياق متصل، أشار مطاوع إلى التناقض بين تصريحات نتنياهو خلال المؤتمر الصحفي مع ترامب، وتصريحاته التي تلت المؤتمر، والتي كانت موجهة للرأي العام الإسرائيلي الداخلي.
فبينما تضمنت الخطة الأمريكية بندا واضحا ينص على أن إسرائيل لن تحتل غزة أو تضمها، صرح نتنياهو لاحقا بأن "الجيش الإسرائيلي سيبقى في الجزء الأكبر من غزة".
كما أوضح أن الجيش سيسلم الأراضي المحتلة في غزة تدريجيا إلى قوات الأمن الإسرائيلية، بموجب اتفاقية مع "السلطة الانتقالية"، على أن ينسحب لاحقا بشكل كامل، مع الإبقاء على محيط أمني خاص إلى حين التأكد من زوال أي تهديد إرهابي محتمل.
دور قوة الاستقرار الدولي
وعن هذه النقطة، أوضح مطاوع أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة سيكون مشروطا بدخول "قوة الاستقرار الدولي"، وهي قوة دولية من المقرر أن تتولى السيطرة على المناطق التي سينسحب منها الجيش.
وأشار إلى أن هناك مفاوضات ستجرى لتحديد جدول زمني لعملية الانسحاب، والتي يتوقع أن تكون تدريجية. ووفقا لرؤيته، ستبدأ إسرائيل بالانسحاب إلى مسافة آمنة خارج المناطق السكنية، مع التمهيد لصفقة تبادل أسرى، بحيث لا يتم الانسحاب الكامل إلا بعد تنفيذها بنجاح.
ليست مسرحية سياسية
واختتم: "ما جرى ليس مجرد استعراض سياسي أو "مسرحية إعلامية"، كما قد يعتقد البعض، بل إن توقيع ست دول عربية وإسلامية على الخطة، وإعلانها خلال مؤتمر كبير في البيت الأبيض بحضور ترامب ونتنياهو، يدل على أن الأمور قد دخلت في مرحلة تنفيذ حقيقية، تتجاوز بكثير أي خطوات شكلية أو دعائية".