لعل أضعف ما يكون حالك على الإطلاق هو إذا كانت ذنوبك من الأرض إلى السماء ، فحينئذ يشعر العبد بكثير من الضغط والضعف بل واليأس، وهنا في تلك اللحظة يصبح فريسة سهلة تتلاعب بها الشياطين، لذا ينبغي الانتباه على نفسك إذا كانت ذنوبك من الأرض إلى السماء ، فلا تجعل اليأس من رحمة الله تعالى يضلك، وتظن أن أبواب الرحمن قد أغلقت في وجهك ، فمادمت حيًا لايزال لديك فرصة ورجاء في الله تعالى ، وهنا ينبغي أن تعرف طريقة النجاة إذا كانت ذنوبك من الأرض إلى السماء وكيفية تكفيرها.
إذا كانت ذنوبك من الأرض إلى السماء
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه إذا كانت ذنوبك من الأرض إلى السماء ، فالله سبحانه وتعالى غَفَّار، مهما كثرت الذنوب، ومهما عظم شأنها، فإننا لا نيأس من روح الله، ولا من فضل الله، ولا من رحمة الله، ولا يمكن أن نغلق الباب على أنفسنا، ولا على الخلق مع الله سبحانه وتعالى.
أوضح «جمعة» عن الكفارة إذا كانت ذنوبك من الأرض إلى السماء ، أنه ورد عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ : « يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى فَإِنِّى سَأَغْفِرُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ ؛وَلَوْ لَقِيتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَلَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ،وَلَو عَمِلْتَ مِنَ الْخَطَايَا حَتَّى تَبْلُغَ عَنَانَ السَّمَاءِ مَا لَمْ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى لَغَفَرْتُ لَكَ ثُمَّ لاَ أُبَالِى ».
أضاف أن بعض مَنْ يَمُنُّ الله سبحانه وتعالى عليه بشيء من الطاعة، يقول: كيف نسمح للناس أن تذنب، وأن تتوب إلى الله؟ ليس نحن الذين سمحنا، رب العالمين هو الذي خلق الخلق، وهو الذي وسعهم، وهو الذي رحمهم، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «كل ابن آدم خَطَّاء ... » وكلمة: (خَطَّاء) صيغة مبالغة، (خاطئ) من الخطأ ... من الخطيئة، والخطأ: يتم عن غير قصد، والخطيئة: تتم عن قصد للإثم.
وتابع: فـ"كل ابن آدم خَطَّاء" كثير الخطأ، يتكرر منه الخطأ ، «وخير الخطاءين التَّوَّابون» التَّوَّاب: تَوَّاب يعنى: كثير التوبة، إذن، فالله سبحانه وتعالى، ينادي ابن آدم، ويقول له: «يا ابن آدم، لو جئتني بتراب الأرض ذنوبًا، ثم جئتني تائبًا، لغفرت لك».
وأردف: هل يمكن للإنسان أن يأتي بتراب الأرض ذنوبًا؟!، فلنحسب عدد ذرات تراب الأرض، ولنحسب عدد لحظات حياة الإنسان، الإنسان كم يعيش في هذه الأرض ؟ مائة سنة، ليكن ذلك. السنة بها ثلاثمائة وخمس وستين يوم، اليوم فيه أربع وعشرون ساعة، الساعة فيها ستون دقيقة، والدقيقة فيها ستون ثانية، اضرب كل هذا، وانظر كم ثانية في حياة الإنسان؟.
وواصل: هذا العدد الذي ستحصل عليه، ستراه أنه في متر مربع، أو مكعب من التراب، يزيد كثير جدًّا على هذا العدد، فما بالك بالكرة الأرضية، كم فيها من ذرات للتراب؟ لو جئت ربك، وأنت مرتكب لهذا العدد من الذنوب، ثم جئته تائبًا، لغفر لك، هل تستطيع أن تذنب، وأن تعصي ربك كل لحظة بشتى أنواع الذنوب؟! افعل هذا، إذا استطعت، ثم عد إلى الله؛ تائبًا نادمًا، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر لك الذنوب ، هذا الحقيقة جمال ما بعده جمال، وسعة، وفتح لأبواب الرحمة، ورجاء في وجه الله سبحانه وتعالى، ليس بعده سعة، ولا بعده رحمة.
ونوه بأنه ينبغي علينا أمام هذه الرحمة وهذا الفضل، أن نستحي من الله، وأن نعود إليه سريعًا، وأن نستغل فضل الله ورحمته علينا بالعودة، والمغفرة، والاستغفار، وطلب الغفران من رب العالمين، فهو الغفار، فلا تيأس؛ إنما ارْجُ وجه الله.
كيفية تكفير الذنوب
ورد أن تكفير الذنوب له أسباب كثيرة يأخذ بها العبد المُذنِب؛ حتى ينال عَفو الله -تعالى-، ورضاه، ومنها:
- التوحيد وهو أعظم الأسباب وأجلّها، وقد جعله الله -تعالى- شرطاً لمغفرة الذنوب والمعاصي؛ فلا يغفر الله -تعالى- الشِّرك، ولا يغفر لِمَن أشركَ به؛ ولا يُخلَّد في النار مُوحِّدٌ لله -تعالى- مهما بلغت ذنوبه، والتوحيد الذي يعمُر قلب المؤمن تعظيماً وإجلالاً لله -سبحانه- سببٌ في مغفرة الذنوب وإنْ كثُرت، وربّما بدّل الله -تعالى- سيئاته حسنات.
- الطاعات المُختلفة التي يُكفّر الله -تعالى- بها الذنوب، والمعاصي، ومن هذه الطاعات:
- الصلاة؛ فقد جعل الله -تعالى- محافظة المسلم على أداء الصلوات الخمس سبباً في مَحو الذنوب والخطايا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فيه كُلَّ يَومٍ خَمْسًا، ما تَقُولُ: ذلكَ يُبْقِي مِن دَرَنِهِ قالوا: لا يُبْقِي مِن دَرَنِهِ شيئًا، قالَ: فَذلكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا).
- الصيام؛ وهو باب لتكفير الذنوب والمعاصي؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ.).
- الحجّ المبرور، والعمرة طريق لتطهير المسلم من الذنوب؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ). كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ).
- الوضوء؛ وهو سبب من أسباب تكفير الذنوب؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِن وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بعَيْنَيْهِ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ).
- الرحمة الواسعة من الله -تعالى- لعباده المسلمين من غير سبب مُوجِبٍ لها، وإنّما تكون بكرم الله -تعالى-، وفَضله. شفاعة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للمسلمين؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيِّرْتُ بين الشفاعةِ وبين أن يَدخلَ نِصفُ أمتي الجنةَ فاخترْتُ الشفاعةَ لأنَّها أعمُّ وأكفأُ).
- المُداوَمة على الاستغفار؛ فالاستغفار يمحو الذنوب والخطايا مهما بلغت؛ قال -عليه الصلاة والسلام- أنّ العبد المُذنِب: (قال ربِّ أذنبتُ آخرَ، فاغفِرْ لي، قال : أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنبَ ويأخذُ به ؟ قد غفرتُ لعبدي فلْيعمَلْ ما شاء).
- ذِكر الله -تعالى- في كلّ حالٍ يُكفّر الله -تعالى- به الذنوب والخطايا، ومن هذه الأذكار ما يأتي:
- التأمين خلف الإمام في الصلاة عند قراءة الفاتحة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا أمَّنَ الإمَامُ، فأمِّنُوا، فإنَّه مَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- الحَمد بعد الانتهاء من أكل الطعام؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ أكلَ طعامًا ثُم قال: الحمدُ للهِ الّذي أطعمَنِي هذا الطعامَ، ورزَقَنِيهِ من غيرِ حولٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ، غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِهِ).
- التسبيح والتحميد؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، في يَومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ ولو كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ).
- القيام في شهر رمضان إيماناً واحتساباً لله -تعالى-؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- التوبة النصوح، وقد اتّفق المسلمون على أنّها من أسباب تكفير الذنوب والمعاصي، ولا بُدّ لقبول التوبة من توفُّر خمسة شروط، وبيان هذه الشروط فيما يأتي: الإخلاص لله -تعالى- في التوبة؛ بأن تكون خالية من الرِّياء، والخوف من الناس. النَّدَم والانكسار بين يدَي الله -تعالى-؛ لِما اقترفه من ذنوب ومَعاصٍ. الابتعاد عن المعصية التي تاب منها، وعدم العودة إليها، ورَدّ الحقوق إلى أصحابها. الحرص على عدم العودة إلى الذنوب، وعَقد العزم على اجتنابها. الإقبال على التوبة في الوقت الذي تُقبَل فيه؛ فلا تنفع التوبة عند موت الإنسان وحضور مَنيّته، ولا تنفعه كذلك عند إغلاق باب التوبة؛ أي عند طلوع الشمس من مَغربها. الأعمال الصالحة التي يُؤدّيها المسلم في حياته أو التي تُؤدّى عنه بعد مَماته؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ).
- الابتلاءات التي تُصيب المسلم وتكون سبباً في تكفير خطاياه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن وصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ حتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ، إلَّا كُفِّرَ به مِن سَيِّئاتِهِ).
- الدعاء الخالص من المؤمنين بالمَغفرة والرحمة كدعاء المُصلّين للميّت بالمغفرة عند أداء صلاة الجنازة عليه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ علَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لا يُشْرِكُونَ باللَّهِ شيئًا، إلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ).
- الفِتَن التي تُصيب المسلم في قَبره كضمّة القَبر، والخوف الذي يُصيبه من هول ما يراه من عالم الغَيب، بالإضافة إلى الأهوال التي تكون في يوم القيامة، والمصائب، والشدائد التي تحدث فيه، وقد ذهب إلى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية؛ استدلالاً بحديث: (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ).