في ليلة جماهيرية كبيرة، شهد الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، أمسية غنائية مميزة ضمن فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، الذي تنظمه وزارة الثقافة عبر دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام، ويديره المايسترو تامر غنيم ونائبه المايسترو الدكتور محمد الموجي، بإشراف أماني السعيد، مستشار رئيس الأوبرا، وتحمل الأمسية اسم "كوكب الشرق أم كلثوم" بمناسبة مرور 50 عامًا على رحيلها.
وخلال الأمسية، كتب النجم اللبناني وائل جسار فصلاً جديدًا في صفحات دفتر العشق العربي المسمى مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية 33، ووسط عدد ضخم من جماهيره احتشدوا في مسرح النافورة، فتح جسار نوافذ الرومانسية التي تطل على القلب، وأخذ الجمهور في رحلة إلى عالم العذوبة والحنين، مزج خلالها الإحساس بالكلمة واللحن، وبمصاحبة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو عادل عايش، قدّم باقة من أعماله الشهيرة، منها: "غريبة الناس"، "كل وعد"، "بتوحشيني"، "ألف ليلة وليلة"، "مليون مرة أحبك"، "موجوع"، "خسرت كل الناس"، "نخبّي إيه"، وغيرها.
وفي لفتة تقديرية بمناسبة شهر انتصارات أكتوبر، وجّه وائل جسار التحية لرجال الجيش المصري، مثمنًا بطولاتهم وتضحياتهم، كما أعرب عن شكره لوزارة الثقافة ودار الأوبرا على الأنشطة والفعاليات الثرية التي تُضيء الساحة الفنية العربية.
وقبلها، تجدد العهد مع رسالة المهرجان الموقعة بالنغم، والتي تخلد التراث وتصون الهوية، حيث تغنى نجوم الموسيقى العربية بالأوبرا: آيات فاروق، محمد حسن، مؤمن خليل، رحاب مصاوع، بأعمال مثل: "عدوية"، "عيون بهية"، "سألوني الناس"، "مرسال الهوى"، "أما براوه"، "معقول أنساك"، "بتلوموني ليه"، "صحاك الشوق"، "بيقولولي توبى"، "أمل حياتي".
وفي أمسية مغربية الطابع، أطلّ النجم فؤاد زبادي على الجمهور ليضيء مسرح الجمهورية بمصاحبة فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية بقيادة المايسترو صلاح غباشي، وقدم مختارات من روائع الطرب، منها: "ساكن في حي السيدة"، "يا صلاة الزين"، "شفت حبيبي"، "ما بيِسألش عليا"، "في قلبي غرام"، "الناس المغرمين"، "يا عيني على الصبر"، "ودع هواك"، وذلك بعد فاصل لنجوم الأوبرا: عبير أمين، عصام محمود، داليا عبد الوهاب، محمود عبد الحميد، تضمن أعمالًا مثل: "الطير المسافر"، "يا ورد مين يشتريك"، "حكايتي مع الزمان"، "نعم يا حبيبي نعم".
أما مسرح سيد درويش "أوبرا الإسكندرية"، فقد شهد سهرة مع النجم محمد الحلو، بمصاحبة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو الدكتور محمد الموجي، حيث استعاد ذكريات باقة من أعماله وأغاني الزمن الجميل، منها: "زيزينيا"، "الوسية"، "ليالي الحلمية"، "عراف"، "يا حبيبي"، "جت من الغريب"، "أه واه"، "لا مش أنا اللي أبكي"، "سوق بينا يا سطا"، "أهيم شوقًا"، "أي والله"، "سواح".
وسبقه فاصل لنجوم فرقة الموسيقى العربية للتراث: أحمد محسن، رضوى سعيد، ومحمد متولي، تضمن أعمالًا مثل: "قلبي بيقولي كلام"، "على بالي يا ناسيني"، "يا دنيا يا غرامي"، "سلام على الناس الحلوين"، "حبيتك بالصيف"، "أنت عمري"، "استعراض الزهور"، "جواب"، "جانا الهوى".
وفي الإطار البحثي، تواصلت أعمال المؤتمر العلمي المصاحب للمهرجان على المسرح الصغير، حيث عُقدت جلستان ناقشتا محور "مستقبل الموسيقى العربية في عصر الذكاء الاصطناعي"، وشارك في الجلسة الأولى كل من: الدكتور محمد شبانة (مصر) مقرراً، والدكتور عصام الجودر (البحرين)، الدكتور هاني زين العابدين (مصر)، الدكتورة ثناء الحلوة (لبنان)، الدكتور رجاء موسى (السودان)، والدكتور صبحي الشرقاوي (الأردن).
وتناولت الجلسة الثانية المحور ذاته بمشاركة: الدكتور يوسف طنوس (لبنان) مقرراً، والدكتور كفاح فاخوري (لبنان – الأردن)، الدكتور جاسم حيدر (العراق)، منى زريق الصائغ (لبنان)، والدكتورة أحلام أكبر بن الشيخ محمد صالح (الكويت).
كما نظمت اللجنة العلمية للمؤتمر برئاسة الدكتورة شيرين عبد اللطيف ندوة بعنوان «أم كلثوم.. صوت الماضي والحاضر والمستقبل»، شارك فيها كل من: الدكتور مدحت العدل، الكاتب والسيناريست والشاعر؛ الدكتور عمرو ناجي، عميد المعهد العالي للموسيقى العربية سابقًا؛ الشاعر السيد حسن، نائب رئيس اتحاد الكتاب؛ والباحث صلاح علام في تراث الموسيقى العربية، وأدارتها الدكتورة إيناس جلال الدين. تناولت الندوة مسيرة سيدة الغناء العربي من عدة زوايا فنية وثقافية، وسلطت الضوء على حقوق الأداء لأعمال أم كلثوم، وناقشت طرق توظيف الذكاء الاصطناعي والهولوجرام في إعادة تقديم تراثها للأجيال الجديدة، إلى جانب استثمار الابتكارات الحديثة للجمهور الراغب في سماع أعمالها.
وتطرقت المناقشات إلى رحلتها نحو العالمية وإصرارها على النجاح، مشيرة إلى دور الشيخ أبو العلا محمد في صقل موهبتها وفتح الطريق أمامها إلى القاهرة، حيث بدأت ملامح الأسطورة تتشكل، كما تناولت الندوة أثر الشعر في حياتها الفنية وعلاقتها العميقة بشعرائها الكبار، وفي مقدمتهم أحمد رامي، الذي شكل معها ثنائيًا استثنائيًا في وجدان الطرب العربي، وقدراتها الصوتية التي سمحت لها بالتنقل بين ثلاث طبقات نسائية ضمت الحاد والمتوسط والغليظ. كما استُعرضت أولى محطات تعاونها مع الموسيقار رياض السنباطي عام 1936، والتي أرست دعائم مدرسة فنية خالدة.
وأكد المتحدثون أن أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة، بل جامعة حقيقية للشعوب العربية وسيدة القصيدة العربية التي وحدت الوجدان العربي عبر صوتها حتى أصبحت رمزًا يتجاوز الزمان والمكان. كما أُشير إلى ترجمة رواية فرنسية تناولت حياتها ومسيرتها الفنية إلى اللغة العربية، تأكيدًا لمكانتها العالمية.
تخللت الندوة فقرات موسيقية لأغنيات كوكب الشرق أم كلثوم، عزفتها الدكتورة مايسة عبد الغني، القائم بأعمال عميد المعهد العالي للموسيقى العربية سابقًا، والدكتور هاني زين، عازف الإيقاع.
واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن أم كلثوم ما زالت حاضرة في الوجدان، وأن صوتها سيبقى جسرًا بين الماضي والحاضر والمستقبل، تتجدد رسالتها مع كل جيل ومع كل تطور تكنولوجي يسعى لإحياء تراثها الخالد.

















