في سجل الذاكرة الثقافية المصرية، ثمة لحظات تتجاوز حدود الحلم، وتتحول إلى رموز خالدة في تاريخ الأمة، من بين تلك اللحظات، يقف المتحف المصري الكبير شاهدًا على رؤية فنان حمل في داخله غيرة وطنية، وغضبًا مقدسًا على الفوضى، فتحولت مشاعره إلى مشروع هو الأكبر في العالم لحضارة واحدة. تلك كانت شرارة البداية كما يرويها فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق والفنان التشكيلي الكبير، الذي كان صاحب الفكرة وبذرة الحلم.
يقول فاروق حسني في تصريحات خاصة لـ صدى البلد : "بدأت الفكرة من شعور بالإحباط. كنت أزور المتحف المصري في ميدان التحرير وأخرج مصابًا بالصداع من شدة الفوضى والزحام البصري. كمبدع، لم أحتمل أن تُعرض روائعنا بهذا الشكل. ومن هذا الإحباط، وُلدت فكرة بناء متحف جديد يليق بعظمة الحضارة المصرية".
لكن الشرارة الحقيقية جاءت من استفزاز في باريس، كما يروي الوزير الأسبق: "خلال لقاء مع أحد الأصدقاء هناك، سألني ساخراً: (أنتم بتعملوا إيه في المخزن الكبير بتاعكم؟) وكان يقصد المتحف المصري. غضبت، ورددت فورًا: (إحنا بنبني أكبر متحف في العالم بجوار الأهرامات!)، رغم أن الفكرة لم تكن مطروحة بعد. لكنها كانت الكلمة التي غيرت التاريخ".
عند عودته إلى القاهرة، عرض حسني الفكرة على الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي سأله: "وهتعمله إزاي يا فاروق؟ وتجيبه فلوس منين؟"، فكان الرد واثقًا: "الأعمال العظيمة تجد تمويلاً يا ريس." وبعد أيام، اصطحبه مبارك والمشير حسين طنطاوي إلى منطقة الأهرامات، وهناك قال فاروق حسني: "هي دي يا ريس.. هنا لازم يكون المتحف".
بدأت بعدها مرحلة الدراسات، إذ أجرت إيطاليا دراسة جدوى استغرقت أربع سنوات بتكلفة خمسة ملايين دولار، ثم جاءت اليابان لتمنح مصر قرضًا قيمته 300 مليون دولار دعماً للمشروع، إدراكًا منها لأهمية هذا الصرح الإنساني. يعلق حسني قائلاً: "الحضارات العظيمة تتفاهم وتتقاطع، واليابانيون شعروا أن دعمهم لمصر هو دعم للإنسانية كلها".
ويتابع قائلاً: "لم أرد أن يكون المتحف مجرد مبنى لعرض القطع الأثرية، بل مدينة ثقافية متكاملة تضم مراكز بحثية، قاعات تعليمية، مكتبة، سينما، ومسرح. كنت أريده رسالة حضارية للعالم كله".
ويضيف الوزير الأسبق بفخر: "عندما رأيت المتحف بعد اكتماله، شعرت أن الواقع تجاوز الحلم. وقفت أمام الأهرامات من داخل بهوه الزجاجي وقلت لنفسي: ده مش مبنى.. دي مصر وهي بتتنفس من جديد".
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود من انطلاق الفكرة، يرى فاروق حسني أن المتحف المصري الكبير لم يعد مشروع شخص، بل مشروع كرامة حضارية لمصر كلها.
يختم قائلاً: "هو ليس مجرد متحف.. بل حوار بين الماضي والمستقبل، ورسالة تقول للعالم: مصر مازالت هنا، تقود الذاكرة الإنسانية من جديد".
 
         
         
         
         
         
                         
                         
                     
                                             
                                         
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                         
                         
                         
                                 
                                 
                                 
                                 
                             
                     
                     
                     
                    