قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

“يانتار” سفينة روسية غامضة تهدد البنية التحتية البحرية البريطانية.. تفاصيل

“يانتار” سفينة روسية الغامضة تهدد البنية التحتية البحرية البريطانية
“يانتار” سفينة روسية الغامضة تهدد البنية التحتية البحرية البريطانية

في مياه ضخمة وظلال لا تُرى بسهولة، تحركت سفينة روسية تقوم بدور أكثر من مجرد سفينة بحث علمي

“يانتار” ليست مجرد اسم، بل رمز لاستراتيجية استخباراتية بحرية تحت السطح، تسعى من خلالها روسيا إلى تأمين نفوذها في محيط حساس جيوسياسي. 

لندرة المعلومات العامة حول قدراتها الحقيقية، تثار أسئلة كثيرة: ما هي مهمتها بالضبط؟ وما هي الأهداف التي تسعى إليها؟ ولماذا تثير هذه السفينة قلقًا صدرًا من بريطانيا؟

أصول السفينة ووظيفتها المزدوجة

تنتمي “يانتار” إلى وحدة متخصصة تُركّز على البحوث تحت سطح البحر، لكنها ليست مختبرًا عاديًا. هي مزوَّدة بأجهزة رسم الخرائط المتقدمة التي تسمح لها بمسح قاع المحيط، وأساسًا لاستكشاف وتحديد مواقع البنية التحتية الهامة تحت الماء، مثل كابلات الاتصالات والكهرباء. 

هذا النوع من السفن يمكنه نشر مركبات روبوتية تحت الماء، مما يعطيه ميزة في التنقل والبحث في أعماق البحار.

من جهة رسمية، تُصنّف “يانتار” كمركب بحثي علمي؛ لكن من منظور استخباراتي، تُعد قطعة أساسية في استراتيجية روسية أوسع لاكتساب معلومات بحرية استراتيجية وربما استعداد لسيناريوهات تتراوح بين الضغط الاستخباري والتخريب.

القدرات التقنية والاستخباراتية

تملك السفينة حساسات متطورة لرصد التغيرات في قاع البحر، مما يمكنها من تحديد مواضع الكابلات بدقة كبيرة. 

كما تستخدم مركبات روبوتية تحت الماء لتنفيذ مهام دقيقة على أعماق كبيرة، وتستطيع هذه المركبات العمل لساعات طويلة دون تدخل بشري مباشر. تعتمد السفينة على تقنيات رسم خرائط ثلاثية الأبعاد لقاع البحر، وهو ما يساعدها على معرفة تكوينات القاع والبنية التحتية فيه بدقة عالية. تجمع “يانتار” بياناتها الاستخباراتية بشكل آمن، وترسل التقارير عبر أنظمة مشفرة، لتفادي اعتراض محتمل من أطراف ثالثة.

 رغم أنها ليست سفينة حربية تقليدية، فإنها تمتلك قدرات دعم استخباراتي يمكن الاستفادة منها في الدفاع أو الهجوم في أوقات التصعيد.

دوافع موسكو وراء تحرك “يانتار”

تكمن دوافع روسيا في عدة طبقات استراتيجية. 

أولًا، مراقبة البنية التحتية الحيوية للكابلات الموصولة بقاع البحر، والتي تعتبر شرايين الاتصال العالمي، مما يسمح لروسيا بمراقبة أو التخطيط لعمليات تؤثر على هذه الأوعية الحيوية في حالة نزاع أو كجزء من استراتيجية ضغط. 

ثانيًا، وجود السفينة قرب المياه البريطانية هو رسالة واضحة لقدرة روسيا على العمل تحت الماء، وأنها مستعدة لاحتلال الفضاء البحري الاستخباراتي حتى بدون حرب مفتوحة. 

ثالثًا، تمثل السفينة مرحلة ما قبل نشوء نزاع محتمل، إذ توفر معلومات حول مدى ضعف البنية التحتية البحرية للخصم، وهو ما يمنح روسيا أفضلية تحليلية. 

رابعًا، تعمل السفينة كأداة دبلوماسية غامضة، تجمع المعلومات وتراقب دون أن تهاجم، وتكون وسيلة ضغط غير تقليدية في العلاقات الدولية.

رد الفعل البريطاني والاستراتيجية المضادة

أدركت لندن سريعًا أن التهديد لا يقتصر على السطح، فرفعت حالة التأهب البحري وأرسلت دوريات بحرية وطائرات استطلاع لمراقبة حركة “يانتار” عن قرب. 

كما تمركزت الغواصات البريطانية في مواقع استراتيجية للردع والمراقبة. 

وصف وزير الدفاع البريطاني التصرف بأنه أكثر من مجرد مراقبة عابرة، مؤكدًا أن هناك استعدادًا لرد صارم إذا تجاوزت السفينة خطوطًا حمراء. الرسالة الموجهة إلى موسكو واضحة: بريطانيا ترى، وتتابع، ولن تتسامح مع أي تهديد محتمل للبنية التحتية الحيوية.

التداعيات الأمنية على البنية التحتية

وجود “يانتار” يطرح خطرًا مزدوجًا، فهو قادر على تحديد المواقع الدقيقة للكابلات، وهو ما يمنح القدرة ليس فقط على المراقبة بل أيضًا على تنفيذ هجمات محتملة إذا استُغلت هذه المعلومات. 

كما يشكل تحركها ضغطًا استراتيجيًا طويل الأمد، إذ قد يكون جزءًا من استراتيجية ضغط دائم تهدف إلى خلق حالة من القلق المستمر لدول الخصم. هذا التحرك يمكن أن يؤدي أيضًا إلى كسر الثقة الدولية، خاصة إذا تبين أن السفينة تستخدم لأغراض تجسسية، مما قد يدفع الدول إلى تنسيق دفاعي مشترك ضد هذه التهديدات.

الأبعاد السياسية والدبلوماسية

من منظور سياسي، يعكس التحرك الروسي باستخدام سفينة تجسس بحرية تحولًا في طبيعة الصراع الاستخباراتي الدولي. 

روسيا تستخدم وسائط غير تقليدية للعمل الاستخباراتي بعيدًا عن الأنظار، مما يجعل من الصعب على الدول الأخرى رصد تهديدها بالكامل أو توقع تحركاتها. 

كما يطرح هذا التحرك تساؤلات حول مدى صلاحية قوانين البحار الحالية في مواجهة سفن تدّعي أنها بحثية لكنها تنفذ مهام استخباراتية. 

وقد يؤدي ذلك إلى تعزيز التعاون البحري بين الدول، وتطوير آليات مشتركة لحماية الكابلات والسفن الحساسة. 

في الوقت نفسه، يُعد استخدام القدرات البحرية الاستخباراتية جزءًا من السباق التكنولوجي بين القوى الكبرى، حيث لم يعد الصراع يقتصر على الأرض أو الجو فقط، بل يشمل الأعماق البحرية أيضًا.

السيناريوهات المستقبلية

قد تستمر التوترات البحرية مع استمرار تحركات “يانتار” قرب المياه البريطانية، ما يستلزم مراقبة متواصلة وتعزيز القدرات البحرية والتقنيات الاستخباراتية. يمكن أن تؤدي هذه التحركات إلى مراقبة دولية مشددة وتنسيق أوروبي أكبر، وربما إلى ردع عسكري مباشر إذا اقتربت السفينة من مناطق حساسة. 

كما أن المعلومات التي تجمعها السفينة قد تُستخدم في هجمات إلكترونية أو تخريبية مستهدفة، ما يفرض على الدول حماية البنية التحتية الحيوية بشكل أكبر. 

وقد تدفع هذه التهديدات أيضًا إلى مبادرات دبلوماسية لإيجاد إطار قانوني دولي ينظم عمل السفن ذات الطبيعة البحثية والاستخباراتية.

سفينة “يانتار” تمثل وجهًا جديدًا للتوتر الاستخباراتي في المحيطات، فهي ليست مجرد أداة بحث بل منصة استراتيجية كاملة قادرة على اختراق الأعماق وتشكيل تهديد حقيقي للبنية التحتية العالمية. التحرك البريطاني يدل على جدية هذا التهديد، لكن المعركة لا تقتصر على السطح أو القاع، بل تشمل المستقبل القانوني والاستخباراتي والسياسي. في هذا الصراع العميق، قد تكون الأعماق هي الساحة الأهم.