تعيش بريطانيا حالة استنفار صحي هي الأشد منذ سنوات، بعد أن أطلقت هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS تحذيرًا عاجلًا من تفشي ما أطلق عليه الأطباء “الإنفلونزا الخارقة”، في ظل ارتفاع حاد ومفاجئ في أعداد المصابين، وتضاعف حالات دخول المستشفيات ثلاث مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وسط مخاوف حقيقية من انهيار القدرة الاستيعابية للمنشآت الصحية خلال الأسابيع المقبلة.
البيانات الرسمية كشفت أن العاصمة لندن أصبحت في قلب العاصفة الصحية، حيث ارتفع متوسط عدد المصابين الذين يتلقون العلاج داخل المستشفيات إلى نحو 259 حالة يوميًا خلال الأسبوع الماضي، مقابل 89 حالة فقط في نفس التوقيت من العام الماضي، في قفزة صادمة تعكس سرعة انتشار الفيروس وشدة أعراضه.
هذا التصاعد السريع لم يقتصر على أقسام الاستقبال فقط، بل امتد ليشمل وحدات الرعاية المركزة والطوارئ التي تعمل حاليًا بأقصى طاقتها، وسط ضغط متزايد على الأطقم الطبية التي تواجه موسمًا وصف بأنه الأكثر قسوة منذ أعوام.
وفي موازاة ذلك، سجلت خدمات الإسعاف أرقامًا غير مسبوقة في عدد البلاغات وحالات نقل المرضى، حيث تجاوز عدد عمليات تسليم الحالات بالمستشفيات 16 ألفًا و500 حالة في أسبوع واحد فقط، بمتوسط يومي وصل إلى 2363 حالة، وهو رقم يفوق بشكل ملحوظ معدلات العام الماضي، ما يعكس حجم العبء الواقع على المنظومة الصحية البريطانية.
الأزمة لم تتوقف عند حدود المستشفيات وخدمات الطوارئ، بل امتدت إلى المدارس والمؤسسات التعليمية، حيث اضطرت إدارات مدارس في مناطق مختلفة من البلاد إلى إغلاق أبوابها مؤقتًا بعد تسجيل مئات حالات الغياب بين التلاميذ بسبب إصابتهم بأعراض الإنفلونزا، في مشهد أعاد المخاوف من عودة سيناريوهات الإغلاق الجماعي تحت ضغط تفشي العدوى.
مصادر تعليمية أكدت أن بعض المدارس شهدت إصابة أعداد كبيرة من الطلاب خلال أيام معدودة، ما تسبب في تعطل العملية التعليمية ودفع السلطات لاتخاذ قرارات سريعة لحماية الطلاب ومنع تحوّل المدارس إلى بؤر لانتشار المرض.
في المقابل، وجهت هيئة الخدمات الصحية البريطانية نداءً عاجلًا للمواطنين بضرورة الإسراع في الحصول على تطعيم الإنفلونزا دون تأجيل، مؤكدة أن الفترة الحالية تمثل نافذة حاسمة للوقاية قبل الوصول إلى ذروة الشتاء وموسم الأعياد الذي يشهد كثافة في التجمعات العائلية والفعاليات المجتمعية.
NHS أكدت أن الانتظار حتى اللحظات الأخيرة قد يؤدي إلى نتائج كارثية، حيث إن سرعة انتشار السلالة الحالية من الفيروس تفوق التوقعات، وقد تدفع المستشفيات إلى مستويات ضغط غير قابقة للاحتواء، في وقت يعاني فيه القطاع الصحي بالفعل من نقص في الكوادر الطبية وسعة الأسرة.
خبراء الصحة حذروا بدورهم من أن تجاهل التطعيم أو الاستهانة بأعراض الإنفلونزا قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، خاصة بين كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال، مؤكدين أن الوقاية بالتطعيم تظل خط الدفاع الأول والأكثر فاعلية في مواجهة هذه الموجة.
ومع استمرار تسجيل الإصابات بوتيرة متسارعة، تتجه الأنظار إلى الأسابيع القليلة المقبلة التي ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت بريطانيا قادرة على احتواء هذه الموجة أم أن البلاد ستدخل مرحلة صحية أكثر تعقيدًا مع ضغط متزايد على المستشفيات والمدارس والقطاعات الحيوية كافة.