لم يكن ألويس ألزهايمر طبيب تقليدي، بل جمع بين الطب والعلم والفن عُرف بمهارته في الرسم التشريحي، واستفاد من هذه الموهبة في توثيق ملاحظاته المجهرية بدقة غير مسبوقة، ما ساعده لاحقا على تسجيل أول وصف علمي لمرض الخرف الذي حمل اسمه.
النشأة والبدايات
ولد ألويس ألزهايمر في 14 يونيو 1864، في بلدة ماركتبريت بمنطقة فرانكونيا السفلى قرب فورتسبورغ، لأسرة كاثوليكية، كان والده كاتب عدل ملكيا في مملكة بافاريا نشأ في بيئة مستقرة، وكان أكبر إخوته الستة.
زواج قصير غير مسار حياته
في عام 1894، تزوج ألزهايمر من سيسيليل جيشنهايمر، وهي سيدة ثرية من عائلة يهودية، وأنجبا ثلاثة أطفال مكنته ثروتها من الاستقلال المادي، ما أتاح له التفرغ الكامل للبحث العلمي دون قيود.
لكن الزواج لم يدم طويلا إذ توفيت زوجته عام 1901 عن عمر 41 عاما، وهو الحدث الذي شكل نقطة تحول قاسية في حياته، دفعته إلى الانغماس الكامل في العمل والبحث.
الدراسة والتكوين العلمي
أظهر ألزهايمر شغفا مبكرا بالعلوم، ودرس الطب في جامعات فورتسبورغ وبرلين، قبل أن يحصل على شهادة الطب عام 1887 بامتياز.
_782_120651.jpg)
ركزت أطروحته على الغدد المنتجة لشمع الأذن، وبرزت خلالها مهارته الفائقة في الرسم التشريحي، وهي مهارة سترافقه طوال مسيرته العلمية.
من الصدفة إلى الطب النفسي
لم يكن الطب النفسي ضمن خططه الأولى، لكن رحلة استمرت خمسة أشهر رافق خلالها مريضة تعاني اضطرابات عقلية غيرت نظرته للتخصص.
بعدها، التحق بمستشفى فرانكفورت للأمراض النفسية والصرع، وهناك بدأت رحلته الحقيقية في علم الأعصاب، خاصة بعد تعاونه مع العالم الشهير فرانز نيسل، مكتشف “صبغة نيسل” المستخدمة في دراسة الخلايا العصبية.
زمالة كريبلين وبوابة الاكتشاف
انتقل ألزهايمر لاحقا للعمل مع الطبيب النفسي البارز إميل كريبلين، أحد مؤسسي الطب النفسي الحديث هذا التعاون فتح أمامه أبواب البحث المتقدم في تشريح الدماغ وربط الأعراض السريرية بالتغيرات العضوية.
حالة «أوغست ديتر» لحظة التاريخ
في 26 نوفمبر 1901، فحص ألزهايمر مريضة تُدعى أوغست ديتر، تبلغ من العمر 51 عاما، وتعاني فقدان ذاكرة حاد، وتشوش ذهني، وأوهام اضطهاد تابع حالتها لسنوات، وبعد وفاتها عام 1906 أجرى تشريحا لدماغها، ليكتشف تغييرات غير مسبوقة:
ضمور في القشرة الدماغية
لويحات غير طبيعية
تشابكات عصبية ليفية
وصف ألزهايمر هذه الحالة لأول مرة في مؤتمر علمي عام 1906، رغم أن اكتشافه لم يلقَ اهتمامًا كبيرًا في البداية.
الاعتراف العلمي وولادة الاسم
واصل ألزهايمر أبحاثه، ونجح في توثيق حالات مشابهة. وفي عام 1910، أطلق إميل كريبلين رسميا على المرض اسم “مرض ألزهايمر” في أحد كتبه المرجعية، تكريمًما لمكتشفه.
عالم يعمل بلا مقابل
رغم مكانته العلمية، عمل ألزهايمر سنوات طويلة دون أجر، معتمدا على ثروته الخاصة لتمويل مختبره، وشراء الأجهزة، ودفع أجور الرسامين والمصورين وتخرج على يديه عدد من العلماء البارزين، من بينهم:
فريدريك لوي (مرض باركنسون)
كروتزفيلد وجاكوب (مرض كروتزفيلد–جاكوب)
يوغو سيرليتي (العلاج بالصدمة الكهربائية)
إسهامات علمية تتجاوز ألزهايمر
لم يقتصر إرثه العلمي على المرض الشهير، بل قدم أبحاثا مهمة في:
الصرع
الخرف المبكر
أورام المخ
مرض هنتنغتون
الشلل التدريجي
الزهري العصبي
الرحيل المبكر
في عام 1912، عين أستاذا للطب النفسي والأعصاب في جامعة بريسلاو، لكن صحته بدأت في التدهور بعد إصابته بنزلة برد حادة وفي 19 ديسمبر 1915، توفي ألويس ألزهايمر عن عمر 51 عاما إثر قصور في القلب، ليرحل مبكرا، ويترك خلفه إرثا علميا لا يزال حاضرا بقوة حتى اليوم.



