كشف اكتشاف أثري جديد في جنوب شرق أستراليا عن فصل غامض من تاريخ الإنسان القديم، بعدما عثر علماء آثار على مئات من بصمات الأصابع المحفورة على جدران كهف معزول، تحمل دلالات ثقافية وروحية عميقة تعود إلى أكثر من 8000 عام، وترتبط بشعب غوناي كورناي، أحد الشعوب الأصلية في أستراليا.
كهف غامض يخفي أسرار الأسلاف
يقع الاكتشاف داخل كهف «واريبروك»، المعروف علميا باسم «نيو غينيا II»، في منطقة نائية ضمن كهوف الحجر الجيري جنوب شرق البلاد.
وفي هذا الموقع، لاحظ الباحثون وجود علامات دقيقة محفورة على الصخور اللينة، تُعرف علميًا باسم «تجاويف الأصابع» (Finger Flutings)، وهي خطوط ناتجة عن تمرير الأصابع مباشرة على الجدران الصخرية.
علامات في قلب العتمة
اللافت في هذا
الاكتشاف أن معظم هذه التجاويف وجدت في مناطق بعيدة تمامًا عن الضوء الطبيعي، ما يشير إلى أن من قاموا بإنشائها كانوا يتوغلون عميقا داخل الكهف، مستعينين بالنار للإضاءة.
وقد عزز هذا الاستنتاج العثور على قطع صغيرة من الفحم قرب بعض العلامات، ما يؤكد استخدام المشاعل أو النيران خلال أداء هذه الطقوس.
أبعاد روحية تتجاوز الفن
ووفقا للدراسات الحديثة، لم تكن هذه البصمات مجرد تعبير فني أو زخرفة بدائية، بل ارتبطت على الأرجح بممارسات روحية وطقوس دينية.
ويعتقد الباحثون أن لمس جدران الكهف كان يحمل معنى مقدسًا، يعكس علاقة روحية بين الإنسان والمكان، ويجسد مفاهيم عميقة عن الوجود والهوية والانتماء.
وقال مؤلفو الدراسة إن كهف نيو غينيا II «يمثل نموذجًا نادرًا لكهوف الحجر الجيري المزينة بتجاويف الأصابع، لكنه يتجاوز كونه موقعا زخرفيا، ليعكس إيماءات الأسلاف ومعانيهم الروحية الخاصة المرتبطة بهذه الكهوف».
شعب غوناي كورناي جذور ضاربة في التاريخ
يُعد شعب غوناي كورناي من الشعوب الأصلية العريقة في أستراليا، ويستوطنون مناطق إقليم جيميسون وولاية فكتوريا الشرقية، لا سيما جنوب شرق البلاد.
ويحمل هذا الاكتشاف أهمية خاصة، كونه يوثق جانبا من ممارساتهم الثقافية والروحية التي تناقلتها الأجيال عبر آلاف السنين.
ظاهرة عالمية بأصول إنسانية مشتركة
ورغم ارتباط هذه العلامات بالثقافات الأصلية الأسترالية، فإن تجويف الأصابع ليس ظاهرة محلية فحسب؛ إذ عُثر على نماذج مشابهة في كهوف بأوروبا وآسيا، يعود بعضها إلى أكثر من 40 ألف عام ويشير ذلك إلى أن هذه الممارسة كانت جزءًا من تقاليد إنسانية قديمة مشتركة، عبّرت بطرق مختلفة عن التواصل مع الطبيعة والمقدس.
توثيق حديث لفهم أدق
وفي أستراليا، تُعد هذه التجاويف من بين الأفضل حفظا عالميا، بفضل الظروف البيئية المستقرة داخل الملاجئ الصخرية.
ويرجح الباحثون أن بعض العلامات قد يصل عمرها إلى 30 ألف عام، فيما تتواصل الجهود لتحديد تواريخ دقيقة باستخدام تقنيات حديثة، مثل التصوير عالي الدقة والنمذجة ثلاثية الأبعاد.
بصمات خالدة على جدران الزمن
ويؤكد علماء الآثار أن هذه العلامات، رغم بساطتها ودقتها، تمثل شكلا فريدا من التواصل الشخصي بين الإنسان وبيئته، ما يجعلها مصدرًا بالغ الأهمية لفهم الممارسات الروحية والثقافية للشعوب القديمة.
ويواصل الباحثون استكشاف المزيد من أركان الكهف، آملين في العثور على دلائل إضافية تُسهم في فك شيفرة هذه الطقوس الغامضة.
ويُعد هذا الاكتشاف إضافة نوعية للتراث الثقافي الإنساني، ودليلًا على أن الإنسان القديم لم يترك أثره على الأرض فحسب، بل نقش روحه على جدران الزمن.


