في إطار دوره الرقابي والحقوقي، يواصل الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية متابعة مجريات جولة الإعادة للانتخابات البرلمانية في (19) دائرة انتخابية موزعة على (7) محافظات، للتنافس على (35) مقعدًا، وهي الجولة التي جاءت بقرار من الهيئة الوطنية للانتخابات عقب إلغاء النتائج السابقة.
ويقدم التقرير التالي قراءة تحليلية متكاملة لمسار اليوم الأول للتصويت، من منتصف اليوم وحتى الساعات الأخيرة قبيل غلق اللجان، مع رصد أنماط الحشد، وحدّة التنافس، وطبيعة المشاركة، وسلامة الإجراءات.
وانطلقت عملية التصويت في اليوم الأول لجولة الإعادة في توقيتها الرسمي المعلن عند الساعة التاسعة صباحًا، وسط انتظام ملحوظ في فتح اللجان واستقرار الإطار الإجرائي، مع متابعة معلنة من الهيئة الوطنية للانتخابات لسير العملية.
ويُجرى التصويت داخل البلاد على مدار يومي 27 و28 ديسمبر 2025، على أن يتم إعلان النتائج النهائية في الرابع من يناير 2026.
وتُعد هذه الجولة امتدادًا لأطول عملية انتخابية تشهدها البلاد، حيث سبقتها خمس جولات حُسم خلالها التنافس على (484) مقعدًا، ويُنتظر أن تُضاف (35) مقعدًا بنهاية هذه الجولة، على أن تُختتم العملية بجولة سابعة وأخيرة خلال يومي (3–4) يناير 2026 لحسم التنافس على (49) مقعدًا أُلغيت نتائجها بقرارات قضائية.
ومع حلول الساعة الثانية ظهرًا، رصد متابعو الائتلاف تباينًا واضحًا في أنماط المشاركة بين الدوائر، حيث برزت الدوائر ذات الطابع الريفي والقبلي بقدرة أعلى على الحشد المبكر، اعتمادًا على شبكات القرابة والجهويات والالتزام الاجتماعي داخل الكتل العائلية، في مقابل وتيرة أهدأ نسبيًا في الدوائر الحضرية.
كما لوحظ أن هذه الجولة تتسم بحساسية سياسية خاصة، كونها اقتراعًا تصحيحيًا بعد إلغاء سابق، ما دفع المرشحين – خاصة الأكثر تنظيمًا – إلى تشديد الرقابة على تفاصيل الفرز والمحاضر، في حين اتجه الناخبون إلى مراقبة مدى الجدية في الضبط الإجرائي أكثر من الاهتمام بالبرامج الانتخابية.
وأظهرت المؤشرات المبكرة ميل الحملات إلى ما يمكن وصفه بـ”التصويت الدفاعي” أو “التحصيلي”، حيث تركز الجهود على حماية الكتل التصويتية القائمة بدلًا من توسيعها، في ظل حالة الإرهاق الانتخابي الناتجة عن طول الماراثون وتكرار جولات الإعادة.
واتضحت ملامح سخونة تنافسية عالية في غالبية الدوائر المعادة، وصلت في بعض الحالات إلى حد الاشتعال، نتيجة تقارب الفرص وتساوي الحظوظ بين المرشحين.
ورصد المتابعون حشودًا كثيفة بمحيط العديد من مقار الاقتراع، مع اختلاف واضح في تركيبة تلك الحشود.
ففي بعض الدوائر الحضرية، مثل إمبابة والرمل، غلب نمط الحشد الموجه المرتبط بالمجموعات الأكثر فقرًا، عبر الجمعيات التنموية والمساعدات المالية والعينية.
بينما ساد في دوائر أخرى نمط الاستنفار القبلي والجهوي، خاصة في طهطا ونجع حمادي وأبو حمص، حيث يُنظر إلى التصويت باعتباره تعبيرًا عن الكرامة والنفوذ الاجتماعي للعائلة أو الكتلة المحلية.
كما لوحظت غلبة التحالفات الانتخابية المعلنة على تحركات المرشحين، لا سيما في الدوائر ذات المقعد الواحد، وتحول قرى المرشحين إلى ما يشبه المناطق المغلقة، مع اقتصار دور مندوبي المرشحين المتحالفين على ضمان الالتزام بالتحالفات دون ممارسة دعاية مباشرة.
وفي المقابل، غابت الأنشطة الدعائية التقليدية من لافتات ومؤتمرات، لصالح أنشطة الحشد المباشر، وبرزت محاولات لشراء الأصوات وتقديم الهدايا العينية باعتبارها الأداة الأكثر تأثيرًا في هذه المرحلة الحاسمة.
ومع اقتراب موعد غلق اللجان عند السابعة مساءً، سجل متابعو الائتلاف تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة الحشد وشراسة التنافس، خاصة في الدوائر المصنفة باعتبارها الأكثر سخونة في محافظات سوهاج وقنا والبحيرة، تليها دوائر محددة في الجيزة والفيوم والإسكندرية.
وخلال الفترة الممتدة من بعد العصر وحتى غلق اللجان، بلغ المشهد الانتخابي ذروته التقليدية، خصوصًا في الدوائر الريفية والقبلية، حيث جرى الدفع المرحلي للكتل التصويتية وفق أنماط منظمة تعتمد على العائلات والجهويات، مع تكثيف استخدام وسائل النقل الجماعي لنقل الناخبين إلى محيط مقار الاقتراع، مع الالتزام النسبي بالوقوف خارج النطاق المباشر للجان لتفادي المخالفات الصريحة.
بؤر السخونة الأعلى:
محافظة سوهاج: دوائر دار السلام، طهطا، جرجا، المنشأة، وأخميم، سجلت أعلى كثافات حضور وحدّة تنافس.
محافظة قنا: أبو تشت، نجع حمادي، وقوص، شهدت سباقًا محمومًا في الساعات الأخيرة مع اعتماد واسع على الحشد العائلي المنظم.
محافظة البحيرة: دمنهور، أبو حمص، وإيتاي البارود، اتسمت السخونة فيها بالهدوء النسبي في المظهر، لكنها بقيت عالية في الجوهر، مع حسم متدرج يتركز في اللحظات الأخيرة.
الدوائر الحضرية مثل إمبابة والرمل، تميزت بتنافس مباشر وتقارب في فرص الفوز، مع حضور شبابي ملحوظ، وازدياد الاعتماد على “التصويت العقابي” القائم على رفض المرشح المنافس أكثر من دعم مرشح بعينه.
وحتى لحظة إصدار هذا التقرير، لم يرصد متابعو الائتلاف انفلاتًا واسعًا أو عنفًا انتخابيًا منظمًا، وإن سُجلت محاولات فردية للتأثير على إرادة الناخبين في بعض الدوائر، جرى التعامل معها في إطار الإجراءات القانونية، بما يعكس درجة من اليقظة الأمنية والإدارية مقارنة بجولات سابقة.
يشير التحليل الأولي للائتلاف إلى أن عددًا كبيرًا من الدوائر يتجه نحو نمط “التصويت التحصيلي”، حيث يميل الناخب في الساعات الأخيرة إلى دعم المرشح الأقرب للفوز لتفادي إهدار الصوت، وهو سلوك يرتبط مباشرة بحالة الإرهاق الانتخابي وطول أمد العملية.
كما يتوقع أن تمثل إجراءات غلق اللجان والفرز وتحرير المحاضر الاختبار الحقيقي لسلامة وعدالة هذه الجولة، خاصة في الدوائر شديدة التقارب.
ويؤكد الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية استمراره في المتابعة الدقيقة لكافة مراحل العملية الانتخابية، بما في ذلك إجراءات الغلق والفرز وإعلان النتائج، التزامًا بدوره في دعم نزاهة العملية الديمقراطية، وتقديم تقييم موضوعي يستند إلى الرصد الميداني والتحليل المهني.