شهد عام 2025 واحدا من أكثر الأعوام اضطرابا وتعقيدا في تاريخ الأزمة اليمنية الممتدة منذ أكثر من عقد، حيث تداخلت مسارات الصراع الداخلي مع تحولات إقليمية ودولية متسارعة، لتدفع البلاد نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والعسكري والاقتصادي. ولم يعد المشهد اليمني محصورا في معادلاته المحلية، بل بات جزءا من صراع إقليمي مفتوح، ارتبط بشكل مباشر بتداعيات الحرب في غزة، وتوسع نطاق المواجهة في البحر الأحمر وباب المندب.
اليمن يعود إلى واجهة الصراع الدولي
برز انخراط جماعة الحوثي في الصراع الإقليمي المرتبط بحرب غزة كأحد أهم ملامح التحول خلال عام 2025. ومع تصاعد العمليات العسكرية في القطاع، اتجهت الجماعة إلى توسيع دائرة تحركاتها العسكرية خارج الجغرافيا اليمنية، عبر تنفيذ هجمات صاروخية وبحرية استهدفت إسرائيل وسفنا مرتبطة بها أو بحلفائها في البحر الأحمر.
هذا التصعيد غير المسبوق أعاد اليمن إلى قلب المواجهة الدولية، وفرض واقعًا جديدًا على مسار الحرب، انعكس بشكل مباشر على الأمن الإقليمي وحركة الملاحة العالمية، في أحد أهم الممرات البحرية الدولية. كما أسهم في تعميق الأزمة الإنسانية والاقتصادية داخل البلاد، التي تعاني أصلًا من هشاشة شديدة في البنية التحتية والخدمات الأساسية.
واشنطن تعود إلى سياسة الردع العسكري
مع مطلع عام 2025، بدت الولايات المتحدة أكثر حسما في تعاملها مع الملف اليمني، على خلفية الدور المتصاعد لجماعة الحوثي في تهديد الملاحة الدولية. ففي يناير، أعلنت الإدارة الأمريكية إعادة تصنيف الجماعة منظمة إرهابية أجنبية، في خطوة اعتُبرت تمهيدًا لتصعيد عسكري وسياسي واسع.
ودخل القرار حيز التنفيذ في 17 فبراير، وسط تبريرات أمريكية ربطت الخطوة باستمرار الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وباب المندب، واستهداف إسرائيل ومصالح مرتبطة بها.
وخلال شهري مارس وأبريل، نفذ الجيش الأمريكي عشرات الغارات الجوية المكثفة استهدفت مواقع ومنشآت تابعة للحوثيين في صنعاء والحديدة وصعدة والجوف ومحافظات أخرى.
أسفرت هذه الضربات عن سقوط ضحايا وتدمير بنى تحتية عسكرية ومدنية، ما أدى إلى تصعيد غير مسبوق في المواجهة المباشرة، وأعاد إلى الأذهان سيناريو الحرب الواسعة. غير أن هذا المسار لم يدم طويلًا، إذ أعلن الرئيس الأمريكي مطلع مايو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين، يقضي بوقف الهجمات المتبادلة وضمان حرية الملاحة.
وكشفت سلطنة عمان عن دورها في الوساطة، مؤكدة أن اتصالات مكثفة مع واشنطن وصنعاء أسفرت عن هذا التفاهم، في محاولة لاحتواء التصعيد ومنع انزلاق المنطقة نحو مواجهة شاملة.
العقوبات الاقتصادية
بالتوازي مع الخيار العسكري، فعلت الولايات المتحدة سلاح العقوبات الاقتصادية، عبر فرض حزم متتالية خلال أشهر مارس وأبريل ويونيو وسبتمبر. واستهدفت هذه العقوبات شركات وكيانات اقتصادية وقيادات حوثية وشبكات تمويل، في محاولة لتقويض البنية الاقتصادية للجماعة والحد من قدرتها على تمويل عملياتها العسكرية.
وهدفت واشنطن من هذه الإجراءات إلى خنق الموارد المالية للحوثيين، وإضعاف قدرتهم على فرض وقائع جديدة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد اليمني من انهيار غير مسبوق وانقسام حاد بين مناطق النفوذ.
إسرائيل تدخل خط المواجهة المباشرة
شكل عام 2025 نقطة تحول نوعية مع انتقال إسرائيل من دور الدعم غير المباشر إلى فتح جبهة عسكرية مباشرة ضد جماعة الحوثي. ففي مايو، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية استهدفت ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي، ما أدى إلى تدمير أجزاء واسعة من المطار وتعطّل حركة الطيران وسقوط ضحايا مدنيين.
ومع تصاعد المواجهة، لجأت إسرائيل في يونيو إلى استخدام بوارج حربية لقصف منشآت في ميناء الحديدة، قالت إنها تستخدم لنقل الأسلحة.
وفي يوليو، بلغت الهجمات ذروتها مع استهداف موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، إضافة إلى السفينة “جالاكسي ليدر” المحتجزة لدى الحوثيين.
أما أغسطس، فكان الأخطر، حيث استهدفت الغارات الإسرائيلية محطات طاقة وخزانات وقود ومقرات قيادية في صنعاء، وأسفرت عن سقوط عشرات الضحايا، قبل أن يعلن عن مقتل رئيس حكومة الحوثيين وعدد من المسؤولين في هجوم استهدف اجتماعًا قياديًا للجماعة.
ورغم الدعوات الدولية لخفض التصعيد، واصلت إسرائيل ضرباتها خلال سبتمبر، ما أكد أن المواجهة دخلت مرحلة طويلة ومفتوحة تتجاوز منطق الردع المؤقت.
جنوب اليمن.. عودة سيناريو الانفصال
على الضفة الأخرى من المشهد، شهد جنوب اليمن تطورات خطيرة تمثلت في تمدد نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أعلن في مطلع ديسمبر سيطرته على مساحات واسعة تعادل معظم جغرافيا دولة اليمن الجنوبي السابقة. وشملت السيطرة محافظتي حضرموت والمهرة، بما تحويانه من ثروات نفطية وموانئ استراتيجية.
وأثار هذا التحرك مخاوف إقليمية ودولية من عودة سيناريو الانفصال، وتصاعد التوتر داخل معسكر القوى المناهضة للحوثيين. وطالبت السعودية المجلس بسحب قواته فورا، معتبرة ما جرى تصعيدًا أحاديًا يهدد التحالف الهش ويضر بمصالح اليمنيين.
وأكد وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان أن القضية الجنوبية ستظل جزءًا أساسيًا من أي حل سياسي شامل، مشددًا على ضرورة حلها عبر التوافق والحوار، وليس باستخدام القوة. كما دعا إلى تسليم المواقع العسكرية لقوات “درع الوطن” والسلطات المحلية.
في المقابل، أكد المجلس الانتقالي التزامه بالشراكة مع التحالف العربي، مبررا تحركاته بضرورات أمنية تتعلق بمكافحة الإرهاب وقطع خطوط تهريب السلاح للحوثيين، ومعلنا انفتاحه على أي ترتيبات تضمن أمن الجنوب.



