النظرة الدونية للأنثى!

تتحكم الثقافة الذكورية في طريقة تفكير وتعامل الرجل مع المرأة، وتعمل تلك الثقافة على تهميش المرأة حتى تبقى تحت سيطرة الرجل، فالبعض لا يريدها أن تعرف حقوقها كي لا تطالب بها، وحتى لا تعرف قيمتها وأهميتها في المجتمع.
وقبل نزول القرآن الكريم كان العرب يعتبرون الأنثى عاراً: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ..) النحل 57، ولم يكتفوا بأن جعلوا لله تعالى ولداً بل جعلوه أنثى: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى) النجم 22-21، فهم ينسبون له تعالى ما لا يرضون أن ينسبوه لأنفسهم، ورد القرآن عليهم حسب فكرهم وثقافتهم بأنهم يحتقرون إنجاب الأنثى ثم ينسبوها لله تعالى.
والقرآن رد عليهم أيضاً حين نسبوا لله تعالى أولياء وجعلوهم أولاداً له: (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء..) الزمر 3، وأنه تعالى لو أراد أن يكون له ولداً لاختاره بنفسه، فالآيات القرآنية لا تتكلم عن تفضيل الذكر على الأنثى بالنسبة لله تعالى، ولكنها تكشف فكر الجاهليين ونظرتهم الدونية للأنثى.
وفي قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) آل عمران 36-35، ووجدها البعض فرصة لتأكيد نظرتهم الدونية للأنثى من خلال تفسير قوله تعالى: (..وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)، فقرأ البعض كلمة "وضعْتُ" بسكون العين وضم التاء، معتبرين أن العبارة من قول امرأة عمران وكأنها تعتذر لله تعالى عن أنها ولدت أنثى وبالتالي فنذرها ليس له معنى، والصحيح (وَضَعَتْ) بفتح العين وسكون التاء، لأن الجملة من قوله تعالى.
فكلام امرأة عمران هو ما جاء في الآيتين وبدأ بقولها (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ) فهى أرادت أن تقدم ما تصورت أنها ستلده ذكراً ليكون في خدمة الدعوة إلى الله، فلما ولدتها أنثى ظنت أن نذرها لن يتحقق، وقد قطع كلامها جملة (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) من قوله تعالى، فيطمئنها أنها وإن كانت ولدت أنثى إلا أنها باستطاعتها خدمة الدعوة إلى الله: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا..) آل عمران 37، وقد تقبلها الله في سبيل الدعوة إليه مثلها مثل الرجال.
وبالتالي فإن تفضيل الله تعالى للذكر على الأنثى هو فهم غير صحيح، فالله تعالى لا يتحيز لجنس ضد آخر، ولا يكرم خلقاً على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.
ولذلك على المرأة أن تعرف قيمتها الحقيقية، وأن تتمسك بحصولها على حقوقها، ومنها حقها بالمساواة مع الرجل وحق تقرير مصيرها بنفسها.