الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معركة القادسية..انتصر المسلمون على الفرس.. وقتل «رستم» وأبناء «الخنساء» الأربعة

صدى البلد

حل اليوم السادس عشر من نوفمبر، ذكرى معركة القادسية بين المسلمين بقيادة
سعد بن أبي وقاص، والفرس بقيادة رستم فرّخزاد في القادسية، وانتهت بانتصار
المسلمين ومقتل رستم.
أسباب المعركة:
لما وقعت حادثة
الجسر وقتل فيها كثير من المسلمين بلغوا الأربعة آلاف منهم القائد أبو عبيد
استطاع المثنى بن حارثة أن يعيد ترتيب جيشه وينظم صفوفه ويقود المسلمين
لانتصارات باهرة على الفرس في البويب والأنبار وبغداد واستعاد قرى السواد
مرة أخرى وعلى الطرف الآخر كانت الصراعات الداخلية على أشدها بين الفرس
خاصة القائدين رستم والفيرزان.
اجتمع العقلاء من حكماء الفرس برئاسة
بوران بنت كسرى وكانت على الفرس وقتها لعدم وجود رجل من نسل كسرى ظاهر
فقال مجلس الحكماء لرستم والفيرزان «لم يبرح بكم الاختلاف حتى وهنتما أهل
فارس وأطمعتما فيهم عدوهم والله لتجتمعان أو لنبدأن بكما قبل أن يشمت بنا
شامت' فاتفق رستم والفيزران على ما بينهما من كراهية و شحناء وذلك للوقوف
ضد المسلمين.
وكان أول ما فعلا أن بحثا عن رجل من ولد كسرى لينصبوه
عليهم لأنه لا يصلح لقيادتهم امرأة رغم أن بوران كانت حادة الذكاء وعاقلة
جداً فوجدوا غلاماً اسمه يزدجر من نسل كسرى قد هرب أيام مذبحة شهرازاد
لذكور كسرى عند أخواله فأحضروه ونصبوه ملكاً عليهم وأطاعوه وتفانوا في
خدمته ولأول مرة منذ فترة طويلة تجتمع كلمة الفرس، وبدأ الفرس في إثارة
الاضطرابات وتشجيع من دخل في ذمة المسلمين بنقضها وبالفعل استجاب أهل
السواد والمناطق المفتوحة وخلعوا طاعة المسلمين ونقضوا عهدهم خاصة بعد أن
تواترت الأخبار بقدوم جيش جرار بقيادة رستم نفسه للقضاء على المسلمين ,
وعندها خرج المثنى من تلك الأراضي التي اشتعلت من تحت أقدامهم ونزل على
حدود العراق وأرسل للفاروق عمر يخبره بصورة الأمر.
النفير العام:
عندما
وصلت الأخبار للخليفة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه- قال مقولته
الشهيرة: «والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب» ولم يدع رئيساً ولا ذا رأي
وذا شرف وبسطة ولا خطيباً ولا شاعراً إلا رماهم به فاجتمع عنده الأبطال
والشجعان ولأول مرة يعلن الخليفة النفير العام أو التجنيد الإجباري
للمسلمين في قبائل ربيعة ومضر وعزم عمر على أن يقود الجيوش بنفسه ولكن كبار
الصحابة أثنوه عن ذلك وأشاروا عليه بتعيين رجل مكانه في القيادة فوقع
الاختيار على سعد بن أبي وقصا الأسد عادياً.
واجتمع عنده ستة
وثلاثون ألفاً وتحرك الجيش المسلم حتى وصل إلى معسكر المسلمين على حدود
العراق فوجدوا أن البطل العظيم المثنى بن حارثة قد مات متأثراً بجراح قديمة
من معركة الجسر وقد أوصى المسلمين قبل موته أن يقاتلوا الفرس على الحدود
قريباً من أرض العرب فإذا كان النصر أخذهم المسلمون ومن ورائهم وإن كانت
الأخرى سهل على المسلمين التراجع إلى بلادهم، فاستحسن سعد هذه النصيحة
وترحم على المثنى وعمل بها، وأثناء سير المسلمين يتم القبض على جاسوس عربي
من أسرة المناذرة الذين كانوا ملوكاً للحيرة اسمه قابوس يتجسس لصالح الفرس
فأخذه المسلمون وقتلوه فوراً .
بين المعسكرين المسلم والفارسي :
نزل
سعد والمسلمون القادسية في شهر صفر 15 هـ ويمكث شهراً لا يأتيه أحد من
الفرس وتبدأ مؤن المسلمين في النفاذ، فيبحثون عن المؤن عند أهل السواد
والمناطق المفتوحة ولكنهم قد غدروا بالمسلمين وخلعوا طاعتهم وتآمروا على
المسلمين وقطعوا عنهم المؤن والطعام وأخذوا قطعان الماشية وخبأوها في غابة
من الغابات الكثيفة فأرسل سعد عاصم بن عمرو ليحصل لهم على المؤن فيأسر عاصم
أحد رجال هذه المناطق ويسأله عن قطعان الماشية التي كانت تملأ الوديان
فيقول الغادر الناكص «لا أدري» وعندها حدثت كرامة هائلة عندما صاح ثور من
الماشية من داخل الغابة بصوت عربي فصيح «كذب عدو الله ها نحن أولاء».
فدخل
عاصم الغابة واستاق قطعان الماشية وصارت غنيمة للمسلمين وسماه المسلمون
بيوم الأباقر، وفي مرة أخرى غنم المسلمون كمية عظيمة من السمك من الصيادين
فغنموها وسمى هذا اليوم بيوم الحيتان، وعندها ضج أهل المناطق الذين آثروا
حلف الفرس وخلعوا طاعة المسلمين وذهبوا لرست يشتكون له مما نالهم من
المسلمين.
كان القائد رستم رجلاً حكيماً عاقلاً ذا تجربة وحنكة يرى
من خلال الصدامات السابقة مع المسلمين أنهم سينتصرون على الفرس لذلك كره
لقاءهم وحاول إعفاء نفسه من قيادة الجيوش وأن يجعل القائد جالينوس مكانه
ولكن يزدجرد أصر على ذهابه وخيره إما يذهب هو أو يخرج يزدجرد بنفسه لقيادة
الجيوش .
وفد المسلمين:
وصل كتاب من الفاروق عمر للقائد
سعد يأمره فيه أن يرسل وفداً من عنده كمفاوضين ليزدجرد حتى يبلغوه رسالة
الإسلام ويسمع منهم فأرسل سعد عشرة من كبار الصحابة وقادة المسلمين تجمعهم
صفات القيادة والهيبة والإجلال وجعل عليهم النعمان بن مقرن المزني فدخلوا
على يزدجرد وحاشيته وقد أخذوا زينتهم ليبهروا المسلمين بتلكم المظاهر
الخادعة.
لم يلتفت المسلمون لهذه البهرجة الزائفة وأخذ النعمان بن
مقرن في الكلام وعرض رسالة الإسلام ببساطة ويسر رائعين ثم تكلم بعده يزدجرد
وكان سفيهاً متكبراً متسرعاً فأساء الكلام فرد عليه المغيرة بن زرارة رداً
قوياً خيره فيه بين دين الإسلام أو الجزية أو الحرب فاستشاط يزدجرد غضباً
حتى هم بقتلهم ثم أمر بوقر من تراب أن يحمل على رأس أشرفهم فانتدب لذلك
عاصم بن عمرو ولم يكن أشرفهم ولكنه بادر بنفسه صيانة لإخوانه فحمل الوقر
ودخلوا على سعد فقالوا 'أبشر أيها الأمير فلقد أعطانا الله أقاليد ملكهم'
وعندما علم رستم بذلك غضب بشدة واستهجن رأي يزدجرد وأيقن ذهاب ملك الفرس .
رؤيا رستم:
أثناء
هذا كله كان رستم يرى كل يوم رؤيا تتكرر عليه كلما رآها بكى وازداد غماً
وهماً حيث يرى أن ملكاً نزل من السماء فأخذ سلاح الفرس ثم ختمه ثم دفعه
للرسول صلى الله عليه وسلم ثم دفعه الرسول لعمر،وكلما رأى رستم هذه الرؤيا
تأكذ عنده هزيمة الفرس فصار يتباطأ وينكل عن اللقاء.
أروع مناظرة في المعركة:
أثناء
السير للصدام الوشيك خطف الفرس جندياً من المسلمين فأتي به وأوقف بين يدي
القائد ثم دارت هذه المناظرة الرائعة بين القائد الفارسي الذي يقود أكثر من
مائتي ألف مقاتل وجندي عادي من جنود المسلمين واسمع هذه المناظرة: قال
رستم: ما جاء بكم وماذا تطلبون؟ قال المسلم: جئنا نطلب موعود الله بملك
أرضكم وأبناءكم ودماءكم إن أبيتم أن تسلموا. قال رستم: فإن قتلتم قبل ذلك؟
قال
المسلم: في موعود الله أن من قتل منا قبل ذلك أدخله الله الجنة وأنجز لمن
بقي منا ما قلت لك فنحن على يقين. قال رستم مستهزئا: قد وضعنا إذا في
أيديكم؟! قال المسلم: ويحك يا رستم إن أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها فلا
يغرنك ما ترى حولك فإنك لست تجاول الإنس إنما تجاول القضاء والقدر، عندها
استشاط رستم غضباً وأمر بقتل المسلم فقتل.
الرسل الثلاثة:
كان
رستم شديد الكره للقاء المسلمين لذلك فقد كان يعمل على تطويل المدة قبل
الصدام الوشيك بشتى الوسائل لذلك طلب من القائد سعد أن يرسل له رسولاً من
عنده يتشاور معه ويتفاوض فأرسل لهم سعد ثلاثة من الصحابة الواحد تلو الآخر
أولاً ربعي بن عامر ثم حذيفة بن محصن ثم المغيرة بن شعبة وخلال هذه
السفارات الثلاثة حاول الفرس أن يظهروا الزينة الأبهة حتى يهزموا رسل
المسلمين نفسياً فينقلوا هذه الهزيمة النفسية لباقي الجيش.
ولكن
الأمر العجيب أن رد فعل الثلاثة وجوابهم كان واحداً كأنهم رجل واحد بلسان
واحد وقلب واحد وعقل واحد فانقلب كيد الفرس في نحورهم ووقعت الهزيمة
النفسية عليهم خاصة عند قائدهم رستم الذي جمع كبار قادته وعرض عليهم الدخول
في الإسلام أو دفع الجزية لتجنب الصدام مع المسلمين فرفضوا جميعاً وفي نفس
الوقت اشتد يزدجرد في إلحاحه وإصراره على رستم للصدام مع المسلمين فلم يجد
رستم مناصاً من بدء القتال , وربما لا يعلم كثير من المسلمين أن معركة
القادسية كانت أيام عدة أيام وليست يوماً واحداً وتغيرت فيها دفة القتال
من طرف لآخر حتى تم النصر للمسلمين في نهاية الأمر وهي كالآتي:
ا ليوم الأول: يوم أرماث 13 شعبان الخميس:
كان
جيش الفرس يتكون من مائتي وأربعين ألف وثلاثة وثلاثين فيلاً أما جيش
المسلمين فكان حوالي ستة وثلاثين ألفاً وكان القائد العام سعد بن أبي وقاص
مريضاً وقتها بعرق النسا ودمامل وقروح بفخذيه تمنعه من ركوبع الخيل فعين
مكانه نائباً عنه في قيادة الجيوش خالد بن عرفطة وهذا الاختيار ولم يعجب
بعض المسلمين الذي حاولوا الاعتراض والتذمر من هذا الاختيار ولكن القائد
سعد تصرف سريعاً وقضى على التذمر فأخذ المشاغبين والمعترضين فحبسهم في قصره
وصعد سعد على سطح قصره ووضع وسادة وتساند عليها وخطب في الناس ووعظهم
وأمرهم بأن يحملوا بعد سماع التكبيرة الرابعة وقد أرسل الفاروق غلاماً
صيتاً حسن الصوت يقرأ عليهم سور الجهاد ليقرأه على الناس فقويت نفوسهم
ونزلت عليهم السكينة.
بداية القتال:
كانت صفوف المسلمين
على أهبة الاستعداد في انتظار التكبيرة الرابعة ولكن حدثت مفاجأة لم تكن في
الحسبان حيث هجم الفرس بكل قواتهم قبل التكبيرة الرابعة وركزوا هجومهم
الكاسح على قبيلة بجيلة حيث كانت تمثل ربع الجيش وعددهم ثمانية آلاف مقاتل
فهاجم الفرس عليهم باثني وخمسين ألفاً وتسعة أفيال وكان السر وراء ذلك
أنرجلاً من ثقيف خان المسلمين في أحرج ساعاتهم حيت ارتد عن دين الإسلام
والتحق بالفرس ودلهم على مكمن القوة في جيش المسلمين وكادت هذه الهجمة أن
تفني قبيلة بجيلة بأسرها فأصدر سعد أوامره لقبيلة أسد وقائدها طليحة
الأسيدي أن يدفع الهجمة الفارسية عن قبيلة بجيلة وأتبع أسداً بقبيلة بن
تميم وقائدها عاصم بن عمرو فكانت لهذه المساندات أكبر الأثر في رد عدوان
الفرس.
كان لسلاح الفيلة الفارسي أكبر الأثر في الجيوش المسلمة ذلك
لأن خيل المسلمين لم تكن رأت من قبل فيلة فكانت تفزع منها وتفر هاربة عند
رؤيتها وهذا أثر بشدة على سير القتال وعندها أصدر القائد سعد الذي كان
يراقب المعركة من على سطح قصره أمراً بقطع حبال الفيلة حتى تتكسر التوابيت
المقامة فوق ظهور الفيلة وانتدب لتلك المهمة عاصم بن عمرو التميمي مع كتيبة
خاصة ونجحوا في مهمتهم وصارت الفيلة بلا سائسين فخرج سلاح الفيلة من ميدان
القتال , ولقد كان هذا اليوم تقريباً في صالح الفرس وتحملت قبيلة أسد عبء
هذا اليوم وقتل منهم خمسمائة شهيد.
اليوم الثاني: يوم أغواث 14 شعبان:
كان
الفاروق عمر قد أصدر أوامره لجند المسلمين بالشام أن يتحرك منهم مجموعة
لمساندة المسلمين في القادسية فتحرك هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ابن أخي سعد
في ستة آلاف مقاتل بسرعة للقادسية وكان في مقدمة الإمدادات البطل الشهير
القعقاع بن عمرو الذي أسرع في السير قبل الجيش فوصل مع كتيبته لأرض المعركة
صباح يوم أغواث وكانت كتيبته ألف مقاتل فلجأ القعقاع لخدعة حربية بارعة
فقسمهم لعشرة فصائل وأمرهم أن يخرجوا فصيلة تلو الأخرى على أن يثيروا أكبر
قد من التراب والغبار أثناء دخولهم لأرض المعركة حتى يظن كلا من المسلمين
والفرس أن إمدادات هائلة قد جاءت للمسلمين , وبالفعل كلما دخلت فصيلة كبرت
وكبر المسلمون.
ولم يمنع طول السفر ووعثاؤه القائد القعقاع بن عمرو
أن ينزل لأرض المعركة فور وصوله ويطلب المبارزة فأحجم أبطال الفرس عن
مبارزته لفرط شجاعتها لذلك اضطر أن يخرج قائد الفرس الكبير 'بهمن جاذويه'
لمبارزته فما أن رآه القعقاع حتى انقض عليه كالأسد الكاسر وذبحه كالنعجة
وكانت هذه بداية رائعة للمسلمين في هذا اليوم الذي دارت فيه الرحى على
الفرس خاصة في ظل اختفاء سلاح الفيلة الذي غاب لإصلاح التوابيت المكسرة في
يوم أرماث وكان النصرة للمسلمين فيه وقتل معظم قادة الفرس وكان بطل هذا
اليوم هو القعقاع بن عمرو الذي استطاع أن يقتل وحده ثلاثين رجلاً كراً
وفراً غير من قتلهم مبارزة .
وكان هذا اليوم لصالح المسلمين بفضل
الخدع الحربية التي قام بها القعقاع وغيره واستطاع القعقاع أن يبعد سلاح
الخيل الفارسي من ميدان القتال ذلك أنه عمد إلى الجمال فألبسها خرقاً
وبرقعها بالبراقع فصار لها منظراً مخيفاً عندما رأتها خيل الفرس نفرت وفرت
هاربة وركب المسلمون أكتاف الفرس.
وكان هذا اليوم أيضاً هو يوم
البطولات النادرة ففيه قتل أبناء الخنساء الأربعة فلما بلغها الخبر قالت
'الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجعلهم في مستقر رحمته'،
وكانت فيه بطولة أبي محجن الثقفي الذي كان في محبس سعد لتذمره على تعيين
خالد بن عرفطة ولما رأى القتال على أشده توسل لزوجة سعد أن تفك قيوده
ليلتحق بالقتال وبالفعل التحق بأرض المعركة ولعب بالسيف والرمح حتى ظن
الناس أنه من ملائكة السماء وفعل الأفاعيل الهائلة بالفرس ولما عرف سعد
حقيقة أمره أطلق سراحه , وبات المسلمون بخير ليلة الفرس بشرها .
اليو م الثالث: يوم عماس السبت 15 شعبان:
في
ليلة يوم أغواث شعر القعقاع بتأخر المدد القادم من الشام فقرر القعقاع
الذي تحول بالفعل للقائد الميداني للمعركة القيام بخدعة جديدة حيث قام
بتسريب كتيبته السابقة في ظلام الليل إلى خارج أرض المعركة وأن يعيدوا
الكرة كما فعلوه في اليوم السابق وذلك عند شروق الشمس بحيث يظن المسلمون أن
هناك إمدادات جديدة قد وصلت ليزدادوا حماسة وقوة وبالفعل تم للقعقاع ما
أراد ومع آخر فصيلة داخلة تصادف وصول هاشم بن عتبة بالإمدادات الشامية فكبر
هاشم وكبر المسلمون معه فازدادوا حمية وثباتاً.
في هذا اليوم
الثالث نزل سلاح المدرعات 'الفيلة' حلبة الصراع بعد إصلاح التوابيت ولكن مع
حراسة قوية من جانب الفرس وبدأ الوضع يتغير لصالح الفرس وعندما رأى سعد
معاناة المسلمين من الفيلة سأل بعض الفرس الذين أسلموا وصاروا في جيش
المسلمين عن نقاط ضعف الفيلة فقالوا له 'المشافر والعيون' فكلف سعد كل من
القعقاع وأخيه عاصم بقتل الفيل القائد وهو فيل سابور الأبيض وكلف حمال بن
مالك والربيل بن عمرو بقتل الفيل القائد الآخر وهو الفيل الأجرب وبالفعل
استطاع هؤلاء الأبطال خرق عيون الفيلين ففرا هاربين من أرض المعركة
فتبعتهما باقي الفيلة وعندها احتدم القتال بين الفرس والمسلمين وحدث التحام
كامل بين الجيشين حتى قام طليحة الأسيدي باختراق صفوف الفرس حتى صار خلفهم
وكبر ثلاث تكبيرات هائلة أرعبت الفرس وأدهشت المسلمين وكانت هذه التكبيرات
الثلاث سبباً لتوقف القتال حتى الليل .
ليلة الهدير:
في
هذه الليلة اشتعل القتال حتى قبل إذن سعد ببدئه وتصافح الناس بالسيوف وحمس
الوطيس جداً ولم يسمع سوى صوت السيوف وتقاتل الناس قتالاً لم يسمع بمثله في
التاريخ واستمر القتال طوال الليل ولما طلعت الشمس من اليوم التالي 16
شعبان وهو يوم القادسية بدأت بشائر النصر تنزل على المسلمين.
وبدأ
الفرس في التراجع تحت ضغط هجمات المسلمين المتتالية وتصدع قلب الجيش
الفارسي وأثناء ذلك استطاع الفارس المسلم 'هلال بن علقمة' أن يقتل القائد
العام للفرس رستم وحز رأسه وقام على سريره ورفع رأسه ونادى بأعلى صوته
'قتلت رستم ورب الكعبة' وهنا انهارات قوات الفرس وأمعن المسلمون فيهم القتل
حتى قتل منهم ثلاثون ألفاً كانوا قيدوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفروا من
أرض المعركة حصدهم المسلمون كلهم .
أمر القائد سعد قائد المقدمة
زهرة بن الحوية أن يطارد المنهزمين من فلول الفرس فعبر زهرة ومن معه حاجزاً
مائياً صنعه الفرس لعرقلة مطاردة المسلمين لهم ثم هجم على المنهزمين
وقتلهم جميعاً وعلى رأسهم القائد الثاني للفرس الجالينوس وتمت الهزيمة
كاملة على الفرس.
أرسل سعد بن أبى وقاص ببشارة النصر للخليفة عمر
وكان الجزيرة العربية بأسرها ومعها الروم والعالم كله في وقتها ينتظر نتيجة
هذه المعركة الحاسمة , ومن كرامات هذا الانتصار الهائل أن الجن قد حملت
أنباء هذا النصر في أنحاء الجزيرة وسمع الناس أشعاراً بالانتصار لا يعلم من
ينشدها , وبلغت خسائر الفرس في هذه المعركة حوالي خمسين ألفاً وكل القائدة
الكبار قتلوا أمثال رستم والجالنيوس وبهمن جاذيه وشهريار , أما خسائر
المسلمين فبلغت ستة آلاف وكان يوم القادسية من أعظم أيام الإسلام التي كتب
الله عز وجل فيها النصر للمسلمين وكان نقطة فاصلة في تاريخ الصراع بين
المسلمين والمجوس انهارت بعدها إمبراطورية الفرس.


حل اليوم السادس عشر من نوفمبر، ذكرى معركة القادسية بين المسلمين بقيادة
سعد بن أبي وقاص، والفرس بقيادة رستم فرّخزاد في القادسية، وانتهت بانتصار
المسلمين ومقتل رستم.
أسباب المعركة:
لما وقعت حادثة
الجسر وقتل فيها كثير من المسلمين بلغوا الأربعة آلاف منهم القائد أبو عبيد
استطاع المثنى بن حارثة أن يعيد ترتيب جيشه وينظم صفوفه ويقود المسلمين
لانتصارات باهرة على الفرس في البويب والأنبار وبغداد واستعاد قرى السواد
مرة أخرى وعلى الطرف الآخر كانت الصراعات الداخلية على أشدها بين الفرس
خاصة القائدين رستم والفيرزان.
اجتمع العقلاء من حكماء الفرس برئاسة
بوران بنت كسرى وكانت على الفرس وقتها لعدم وجود رجل من نسل كسرى ظاهر
فقال مجلس الحكماء لرستم والفيرزان «لم يبرح بكم الاختلاف حتى وهنتما أهل
فارس وأطمعتما فيهم عدوهم والله لتجتمعان أو لنبدأن بكما قبل أن يشمت بنا
شامت' فاتفق رستم والفيزران على ما بينهما من كراهية و شحناء وذلك للوقوف
ضد المسلمين.
وكان أول ما فعلا أن بحثا عن رجل من ولد كسرى لينصبوه
عليهم لأنه لا يصلح لقيادتهم امرأة رغم أن بوران كانت حادة الذكاء وعاقلة
جداً فوجدوا غلاماً اسمه يزدجر من نسل كسرى قد هرب أيام مذبحة شهرازاد
لذكور كسرى عند أخواله فأحضروه ونصبوه ملكاً عليهم وأطاعوه وتفانوا في
خدمته ولأول مرة منذ فترة طويلة تجتمع كلمة الفرس، وبدأ الفرس في إثارة
الاضطرابات وتشجيع من دخل في ذمة المسلمين بنقضها وبالفعل استجاب أهل
السواد والمناطق المفتوحة وخلعوا طاعة المسلمين ونقضوا عهدهم خاصة بعد أن
تواترت الأخبار بقدوم جيش جرار بقيادة رستم نفسه للقضاء على المسلمين ,
وعندها خرج المثنى من تلك الأراضي التي اشتعلت من تحت أقدامهم ونزل على
حدود العراق وأرسل للفاروق عمر يخبره بصورة الأمر.
النفير العام:
عندما
وصلت الأخبار للخليفة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه- قال مقولته
الشهيرة: «والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب» ولم يدع رئيساً ولا ذا رأي
وذا شرف وبسطة ولا خطيباً ولا شاعراً إلا رماهم به فاجتمع عنده الأبطال
والشجعان ولأول مرة يعلن الخليفة النفير العام أو التجنيد الإجباري
للمسلمين في قبائل ربيعة ومضر وعزم عمر على أن يقود الجيوش بنفسه ولكن كبار
الصحابة أثنوه عن ذلك وأشاروا عليه بتعيين رجل مكانه في القيادة فوقع
الاختيار على سعد بن أبي وقصا الأسد عادياً.
واجتمع عنده ستة
وثلاثون ألفاً وتحرك الجيش المسلم حتى وصل إلى معسكر المسلمين على حدود
العراق فوجدوا أن البطل العظيم المثنى بن حارثة قد مات متأثراً بجراح قديمة
من معركة الجسر وقد أوصى المسلمين قبل موته أن يقاتلوا الفرس على الحدود
قريباً من أرض العرب فإذا كان النصر أخذهم المسلمون ومن ورائهم وإن كانت
الأخرى سهل على المسلمين التراجع إلى بلادهم، فاستحسن سعد هذه النصيحة
وترحم على المثنى وعمل بها، وأثناء سير المسلمين يتم القبض على جاسوس عربي
من أسرة المناذرة الذين كانوا ملوكاً للحيرة اسمه قابوس يتجسس لصالح الفرس
فأخذه المسلمون وقتلوه فوراً .
بين المعسكرين المسلم والفارسي :
نزل
سعد والمسلمون القادسية في شهر صفر 15 هـ ويمكث شهراً لا يأتيه أحد من
الفرس وتبدأ مؤن المسلمين في النفاذ، فيبحثون عن المؤن عند أهل السواد
والمناطق المفتوحة ولكنهم قد غدروا بالمسلمين وخلعوا طاعتهم وتآمروا على
المسلمين وقطعوا عنهم المؤن والطعام وأخذوا قطعان الماشية وخبأوها في غابة
من الغابات الكثيفة فأرسل سعد عاصم بن عمرو ليحصل لهم على المؤن فيأسر عاصم
أحد رجال هذه المناطق ويسأله عن قطعان الماشية التي كانت تملأ الوديان
فيقول الغادر الناكص «لا أدري» وعندها حدثت كرامة هائلة عندما صاح ثور من
الماشية من داخل الغابة بصوت عربي فصيح «كذب عدو الله ها نحن أولاء».
فدخل
عاصم الغابة واستاق قطعان الماشية وصارت غنيمة للمسلمين وسماه المسلمون
بيوم الأباقر، وفي مرة أخرى غنم المسلمون كمية عظيمة من السمك من الصيادين
فغنموها وسمى هذا اليوم بيوم الحيتان، وعندها ضج أهل المناطق الذين آثروا
حلف الفرس وخلعوا طاعة المسلمين وذهبوا لرست يشتكون له مما نالهم من
المسلمين.
كان القائد رستم رجلاً حكيماً عاقلاً ذا تجربة وحنكة يرى
من خلال الصدامات السابقة مع المسلمين أنهم سينتصرون على الفرس لذلك كره
لقاءهم وحاول إعفاء نفسه من قيادة الجيوش وأن يجعل القائد جالينوس مكانه
ولكن يزدجرد أصر على ذهابه وخيره إما يذهب هو أو يخرج يزدجرد بنفسه لقيادة
الجيوش .
وفد المسلمين:
وصل كتاب من الفاروق عمر للقائد
سعد يأمره فيه أن يرسل وفداً من عنده كمفاوضين ليزدجرد حتى يبلغوه رسالة
الإسلام ويسمع منهم فأرسل سعد عشرة من كبار الصحابة وقادة المسلمين تجمعهم
صفات القيادة والهيبة والإجلال وجعل عليهم النعمان بن مقرن المزني فدخلوا
على يزدجرد وحاشيته وقد أخذوا زينتهم ليبهروا المسلمين بتلكم المظاهر
الخادعة.
لم يلتفت المسلمون لهذه البهرجة الزائفة وأخذ النعمان بن
مقرن في الكلام وعرض رسالة الإسلام ببساطة ويسر رائعين ثم تكلم بعده يزدجرد
وكان سفيهاً متكبراً متسرعاً فأساء الكلام فرد عليه المغيرة بن زرارة رداً
قوياً خيره فيه بين دين الإسلام أو الجزية أو الحرب فاستشاط يزدجرد غضباً
حتى هم بقتلهم ثم أمر بوقر من تراب أن يحمل على رأس أشرفهم فانتدب لذلك
عاصم بن عمرو ولم يكن أشرفهم ولكنه بادر بنفسه صيانة لإخوانه فحمل الوقر
ودخلوا على سعد فقالوا 'أبشر أيها الأمير فلقد أعطانا الله أقاليد ملكهم'
وعندما علم رستم بذلك غضب بشدة واستهجن رأي يزدجرد وأيقن ذهاب ملك الفرس .
رؤيا رستم:
أثناء
هذا كله كان رستم يرى كل يوم رؤيا تتكرر عليه كلما رآها بكى وازداد غماً
وهماً حيث يرى أن ملكاً نزل من السماء فأخذ سلاح الفرس ثم ختمه ثم دفعه
للرسول صلى الله عليه وسلم ثم دفعه الرسول لعمر،وكلما رأى رستم هذه الرؤيا
تأكذ عنده هزيمة الفرس فصار يتباطأ وينكل عن اللقاء.
أروع مناظرة في المعركة:
أثناء
السير للصدام الوشيك خطف الفرس جندياً من المسلمين فأتي به وأوقف بين يدي
القائد ثم دارت هذه المناظرة الرائعة بين القائد الفارسي الذي يقود أكثر من
مائتي ألف مقاتل وجندي عادي من جنود المسلمين واسمع هذه المناظرة: قال
رستم: ما جاء بكم وماذا تطلبون؟ قال المسلم: جئنا نطلب موعود الله بملك
أرضكم وأبناءكم ودماءكم إن أبيتم أن تسلموا. قال رستم: فإن قتلتم قبل ذلك؟
قال
المسلم: في موعود الله أن من قتل منا قبل ذلك أدخله الله الجنة وأنجز لمن
بقي منا ما قلت لك فنحن على يقين. قال رستم مستهزئا: قد وضعنا إذا في
أيديكم؟! قال المسلم: ويحك يا رستم إن أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها فلا
يغرنك ما ترى حولك فإنك لست تجاول الإنس إنما تجاول القضاء والقدر، عندها
استشاط رستم غضباً وأمر بقتل المسلم فقتل.
الرسل الثلاثة:
كان
رستم شديد الكره للقاء المسلمين لذلك فقد كان يعمل على تطويل المدة قبل
الصدام الوشيك بشتى الوسائل لذلك طلب من القائد سعد أن يرسل له رسولاً من
عنده يتشاور معه ويتفاوض فأرسل لهم سعد ثلاثة من الصحابة الواحد تلو الآخر
أولاً ربعي بن عامر ثم حذيفة بن محصن ثم المغيرة بن شعبة وخلال هذه
السفارات الثلاثة حاول الفرس أن يظهروا الزينة الأبهة حتى يهزموا رسل
المسلمين نفسياً فينقلوا هذه الهزيمة النفسية لباقي الجيش.
ولكن
الأمر العجيب أن رد فعل الثلاثة وجوابهم كان واحداً كأنهم رجل واحد بلسان
واحد وقلب واحد وعقل واحد فانقلب كيد الفرس في نحورهم ووقعت الهزيمة
النفسية عليهم خاصة عند قائدهم رستم الذي جمع كبار قادته وعرض عليهم الدخول
في الإسلام أو دفع الجزية لتجنب الصدام مع المسلمين فرفضوا جميعاً وفي نفس
الوقت اشتد يزدجرد في إلحاحه وإصراره على رستم للصدام مع المسلمين فلم يجد
رستم مناصاً من بدء القتال , وربما لا يعلم كثير من المسلمين أن معركة
القادسية كانت أيام عدة أيام وليست يوماً واحداً وتغيرت فيها دفة القتال
من طرف لآخر حتى تم النصر للمسلمين في نهاية الأمر وهي كالآتي:
ا ليوم الأول: يوم أرماث 13 شعبان الخميس:
كان
جيش الفرس يتكون من مائتي وأربعين ألف وثلاثة وثلاثين فيلاً أما جيش
المسلمين فكان حوالي ستة وثلاثين ألفاً وكان القائد العام سعد بن أبي وقاص
مريضاً وقتها بعرق النسا ودمامل وقروح بفخذيه تمنعه من ركوبع الخيل فعين
مكانه نائباً عنه في قيادة الجيوش خالد بن عرفطة وهذا الاختيار ولم يعجب
بعض المسلمين الذي حاولوا الاعتراض والتذمر من هذا الاختيار ولكن القائد
سعد تصرف سريعاً وقضى على التذمر فأخذ المشاغبين والمعترضين فحبسهم في قصره
وصعد سعد على سطح قصره ووضع وسادة وتساند عليها وخطب في الناس ووعظهم
وأمرهم بأن يحملوا بعد سماع التكبيرة الرابعة وقد أرسل الفاروق غلاماً
صيتاً حسن الصوت يقرأ عليهم سور الجهاد ليقرأه على الناس فقويت نفوسهم
ونزلت عليهم السكينة.
بداية القتال:
كانت صفوف المسلمين
على أهبة الاستعداد في انتظار التكبيرة الرابعة ولكن حدثت مفاجأة لم تكن في
الحسبان حيث هجم الفرس بكل قواتهم قبل التكبيرة الرابعة وركزوا هجومهم
الكاسح على قبيلة بجيلة حيث كانت تمثل ربع الجيش وعددهم ثمانية آلاف مقاتل
فهاجم الفرس عليهم باثني وخمسين ألفاً وتسعة أفيال وكان السر وراء ذلك
أنرجلاً من ثقيف خان المسلمين في أحرج ساعاتهم حيت ارتد عن دين الإسلام
والتحق بالفرس ودلهم على مكمن القوة في جيش المسلمين وكادت هذه الهجمة أن
تفني قبيلة بجيلة بأسرها فأصدر سعد أوامره لقبيلة أسد وقائدها طليحة
الأسيدي أن يدفع الهجمة الفارسية عن قبيلة بجيلة وأتبع أسداً بقبيلة بن
تميم وقائدها عاصم بن عمرو فكانت لهذه المساندات أكبر الأثر في رد عدوان
الفرس.
كان لسلاح الفيلة الفارسي أكبر الأثر في الجيوش المسلمة ذلك
لأن خيل المسلمين لم تكن رأت من قبل فيلة فكانت تفزع منها وتفر هاربة عند
رؤيتها وهذا أثر بشدة على سير القتال وعندها أصدر القائد سعد الذي كان
يراقب المعركة من على سطح قصره أمراً بقطع حبال الفيلة حتى تتكسر التوابيت
المقامة فوق ظهور الفيلة وانتدب لتلك المهمة عاصم بن عمرو التميمي مع كتيبة
خاصة ونجحوا في مهمتهم وصارت الفيلة بلا سائسين فخرج سلاح الفيلة من ميدان
القتال , ولقد كان هذا اليوم تقريباً في صالح الفرس وتحملت قبيلة أسد عبء
هذا اليوم وقتل منهم خمسمائة شهيد.
اليوم الثاني: يوم أغواث 14 شعبان:
كان
الفاروق عمر قد أصدر أوامره لجند المسلمين بالشام أن يتحرك منهم مجموعة
لمساندة المسلمين في القادسية فتحرك هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ابن أخي سعد
في ستة آلاف مقاتل بسرعة للقادسية وكان في مقدمة الإمدادات البطل الشهير
القعقاع بن عمرو الذي أسرع في السير قبل الجيش فوصل مع كتيبته لأرض المعركة
صباح يوم أغواث وكانت كتيبته ألف مقاتل فلجأ القعقاع لخدعة حربية بارعة
فقسمهم لعشرة فصائل وأمرهم أن يخرجوا فصيلة تلو الأخرى على أن يثيروا أكبر
قد من التراب والغبار أثناء دخولهم لأرض المعركة حتى يظن كلا من المسلمين
والفرس أن إمدادات هائلة قد جاءت للمسلمين , وبالفعل كلما دخلت فصيلة كبرت
وكبر المسلمون.
ولم يمنع طول السفر ووعثاؤه القائد القعقاع بن عمرو
أن ينزل لأرض المعركة فور وصوله ويطلب المبارزة فأحجم أبطال الفرس عن
مبارزته لفرط شجاعتها لذلك اضطر أن يخرج قائد الفرس الكبير 'بهمن جاذويه'
لمبارزته فما أن رآه القعقاع حتى انقض عليه كالأسد الكاسر وذبحه كالنعجة
وكانت هذه بداية رائعة للمسلمين في هذا اليوم الذي دارت فيه الرحى على
الفرس خاصة في ظل اختفاء سلاح الفيلة الذي غاب لإصلاح التوابيت المكسرة في
يوم أرماث وكان النصرة للمسلمين فيه وقتل معظم قادة الفرس وكان بطل هذا
اليوم هو القعقاع بن عمرو الذي استطاع أن يقتل وحده ثلاثين رجلاً كراً
وفراً غير من قتلهم مبارزة .
وكان هذا اليوم لصالح المسلمين بفضل
الخدع الحربية التي قام بها القعقاع وغيره واستطاع القعقاع أن يبعد سلاح
الخيل الفارسي من ميدان القتال ذلك أنه عمد إلى الجمال فألبسها خرقاً
وبرقعها بالبراقع فصار لها منظراً مخيفاً عندما رأتها خيل الفرس نفرت وفرت
هاربة وركب المسلمون أكتاف الفرس.
وكان هذا اليوم أيضاً هو يوم
البطولات النادرة ففيه قتل أبناء الخنساء الأربعة فلما بلغها الخبر قالت
'الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجعلهم في مستقر رحمته'،
وكانت فيه بطولة أبي محجن الثقفي الذي كان في محبس سعد لتذمره على تعيين
خالد بن عرفطة ولما رأى القتال على أشده توسل لزوجة سعد أن تفك قيوده
ليلتحق بالقتال وبالفعل التحق بأرض المعركة ولعب بالسيف والرمح حتى ظن
الناس أنه من ملائكة السماء وفعل الأفاعيل الهائلة بالفرس ولما عرف سعد
حقيقة أمره أطلق سراحه , وبات المسلمون بخير ليلة الفرس بشرها .
اليو م الثالث: يوم عماس السبت 15 شعبان:
في
ليلة يوم أغواث شعر القعقاع بتأخر المدد القادم من الشام فقرر القعقاع
الذي تحول بالفعل للقائد الميداني للمعركة القيام بخدعة جديدة حيث قام
بتسريب كتيبته السابقة في ظلام الليل إلى خارج أرض المعركة وأن يعيدوا
الكرة كما فعلوه في اليوم السابق وذلك عند شروق الشمس بحيث يظن المسلمون أن
هناك إمدادات جديدة قد وصلت ليزدادوا حماسة وقوة وبالفعل تم للقعقاع ما
أراد ومع آخر فصيلة داخلة تصادف وصول هاشم بن عتبة بالإمدادات الشامية فكبر
هاشم وكبر المسلمون معه فازدادوا حمية وثباتاً.
في هذا اليوم
الثالث نزل سلاح المدرعات 'الفيلة' حلبة الصراع بعد إصلاح التوابيت ولكن مع
حراسة قوية من جانب الفرس وبدأ الوضع يتغير لصالح الفرس وعندما رأى سعد
معاناة المسلمين من الفيلة سأل بعض الفرس الذين أسلموا وصاروا في جيش
المسلمين عن نقاط ضعف الفيلة فقالوا له 'المشافر والعيون' فكلف سعد كل من
القعقاع وأخيه عاصم بقتل الفيل القائد وهو فيل سابور الأبيض وكلف حمال بن
مالك والربيل بن عمرو بقتل الفيل القائد الآخر وهو الفيل الأجرب وبالفعل
استطاع هؤلاء الأبطال خرق عيون الفيلين ففرا هاربين من أرض المعركة
فتبعتهما باقي الفيلة وعندها احتدم القتال بين الفرس والمسلمين وحدث التحام
كامل بين الجيشين حتى قام طليحة الأسيدي باختراق صفوف الفرس حتى صار خلفهم
وكبر ثلاث تكبيرات هائلة أرعبت الفرس وأدهشت المسلمين وكانت هذه التكبيرات
الثلاث سبباً لتوقف القتال حتى الليل .
ليلة الهدير:
في
هذه الليلة اشتعل القتال حتى قبل إذن سعد ببدئه وتصافح الناس بالسيوف وحمس
الوطيس جداً ولم يسمع سوى صوت السيوف وتقاتل الناس قتالاً لم يسمع بمثله في
التاريخ واستمر القتال طوال الليل ولما طلعت الشمس من اليوم التالي 16
شعبان وهو يوم القادسية بدأت بشائر النصر تنزل على المسلمين.
وبدأ
الفرس في التراجع تحت ضغط هجمات المسلمين المتتالية وتصدع قلب الجيش
الفارسي وأثناء ذلك استطاع الفارس المسلم 'هلال بن علقمة' أن يقتل القائد
العام للفرس رستم وحز رأسه وقام على سريره ورفع رأسه ونادى بأعلى صوته
'قتلت رستم ورب الكعبة' وهنا انهارات قوات الفرس وأمعن المسلمون فيهم القتل
حتى قتل منهم ثلاثون ألفاً كانوا قيدوا أنفسهم بالسلاسل حتى لا يفروا من
أرض المعركة حصدهم المسلمون كلهم .
أمر القائد سعد قائد المقدمة
زهرة بن الحوية أن يطارد المنهزمين من فلول الفرس فعبر زهرة ومن معه حاجزاً
مائياً صنعه الفرس لعرقلة مطاردة المسلمين لهم ثم هجم على المنهزمين
وقتلهم جميعاً وعلى رأسهم القائد الثاني للفرس الجالينوس وتمت الهزيمة
كاملة على الفرس.
أرسل سعد بن أبى وقاص ببشارة النصر للخليفة عمر
وكان الجزيرة العربية بأسرها ومعها الروم والعالم كله في وقتها ينتظر نتيجة
هذه المعركة الحاسمة , ومن كرامات هذا الانتصار الهائل أن الجن قد حملت
أنباء هذا النصر في أنحاء الجزيرة وسمع الناس أشعاراً بالانتصار لا يعلم من
ينشدها , وبلغت خسائر الفرس في هذه المعركة حوالي خمسين ألفاً وكل القائدة
الكبار قتلوا أمثال رستم والجالنيوس وبهمن جاذيه وشهريار , أما خسائر
المسلمين فبلغت ستة آلاف وكان يوم القادسية من أعظم أيام الإسلام التي كتب
الله عز وجل فيها النصر للمسلمين وكان نقطة فاصلة في تاريخ الصراع بين
المسلمين والمجوس انهارت بعدها إمبراطورية الفرس.