قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

لا تحزني يا مريم فاللصوص يسقطون أخيراً

0|محمد شعير

مساء يوم الجمعة الماضى، كان لى حوار قصير على "فيسبوك" مع الزميلة العزيزة عبير ظلام الإذاعية الكبيرة فى "صوت العرب" حول بعض أمور العمل، ووجدتها تقول لى فى نهاية الحوار "ما تنساش مريم (ابنتها) فى الدعاء.. عندها بكرة فيزياء (فى الثانوية العامة)".
فى اليوم التالى، سألت عن مريم، فقالت لى عبير انها محبطة للغاية، لماذا؟!
"بعبع" الفيزياء بالتحديد، والحرب النفسية المحيطة بالثانوية العامة طوال العام، وأخيرا مهزلة تسرب الامتحانات، كانت كلها عوامل أفقدت مريم القدرة على التركيز يوم الامتحان، فلم تجب عن الأسئلة بشكل جيد، فى حين أنها بعد خروجها من اللجنة وهدوء أعصابها، عادت الى ورقة الأسئلة فأجابت "كله صح"!
أرسلت لى "أم مريم" صورا كثيرة لأوراق الامتحان المسربة والاجابات أيضا، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعى بعد نصف ساعة فقط من بدء امتحان الفيزياء، بالاضافة الى أوراق الامتحانات السابقة، وبعضها يظهر عليه خاتم اللجنة!
عدت الى صفحات "الغش" المعروفة على مواقع التواصل، لأجد أن أصحابها يتفاخرون بأنهم يخدعون وزير التعليم والمدرسين، قائلين ان سبب ما يفعلون هو منظومة التعليم "الغبى غير الآدمى"، وان ذلك هو ما زرع الغش فى الطالب، وان ما يفعله هؤلاء هو "ثورة التعليم"، التى تبدأ من هذه الصفحات.
مريم "المحبطة"، طالبة متفوقة منذ الصغر، حصلت على نسبة 98% فى امتحانات الشهادتين الابتدائية والاعدادية، وتحلم بأن تكون طبيبة أو صيدلانية، لكنها اليوم خارت قواها البسيطة، أمام كل الضغوط النفسية التى يتعرض لها طالب الثانوية العامة، منذ بداية السنة وحتى من قبلها، وجاءت مهزلة تسرب الامتحانات أخيرا، لتضع آلام وأحلام كل الطلاب الجادين المجتهدين على طريق المجهول، لأن النتائج (المجاميع) قد ترتفع كثيرا فتؤثر على نسب دخول الكليات، ولأن ذلك يؤدى الى أن يستوى الذين يعملون والذين لا يعملون، كم يبدو الأمر محبطا حقاً، فى ظاهره!
ولكن ...
عزيزتى مريم .. لك ولكل زملائك من الطلاب الجادين الحالمين .. أقول ..
لا تحبطى، ولا تحزنى، وقرى عيناً، وتذكرى أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، واعلمى أن أولئك الغشاشين "المسربين" ليسوا سوى مجموعة من اللصوص، واللصوص يسقطون أخيرا يا عزيزتى، بل هم أصلا ساقطون، يفرحون اليوم بغنيمتهم، ظنا أنها ستفيدهم، وما هم بمستفيدين طويلا، قد يجلس أحدهم بجوارك غدا فى كلية الطب أو الصيدلة، لكنه لن يطيل البقاء، سيلفظه النجاح، وترفضه الجدية، فيعود سريعا، كما كان وأراد، فاشلا!
وبالعقل وحسابات المنطق أيضا، يا مريم، فان لك أن تطمئنى، لأن مثل هذه النوعية من تسريب الامتحانات فى "عصركم الالكترونى" يا صغيرتى، لا تؤثر فى الواقع بقدر تأثيرها الذى يظهر فى الاعلام، فهى فقط تحدث الضجة والبلبلة، وهو ما يريده اللصوص، سارقو الفرح، لا النجاح، وسأثبت لك.
يحدث "التسريب الإلكترونى" من خلال طالب، نجح فى دخول اللجنة بهاتفه المحمول، الذى يستخدمه فى تصوير الامتحان، ثم يرسله الى صاحب صفحة الغش على موقع التواصل الاجتماعى، الذى يعود فينشر الاجابات على الصفحة، من خلال مدرسين لا يستحقون شرف مهنتهم، ومراقبين متواطئين يبدون كقضاة فاسدين، ولكن .. كم طالبا آخر على مستوى الجمهورية سيكون قد نجح فى دخول لجنته ومعه هاتفه حتى يطلع على الاجابات؟ أيكون هذا العدد مؤثراً مؤدياً الى اختلال مؤشرات النجاح ونسب دخول الكليات بشكل عام؟
اذن .. لماذا يفعلون ذلك؟ وما هو التأثير المنتظر؟
انها الضجة والبلبلة، والتأثير الاعلامى واسع النطاق، عندما تنتشر صور ورق الامتحانات على المواقع الإلكترونية، فتعم الصدمة، ويسود الاحباط، وتبدو الصورة سوداء، دون أن يلتفت أحد ليسأل عن عدد الطلاب الذين استفادوا من ذلك، فى ظل ضيق وقت الامتحان، والرقابة المشددة والتفتيش الذاتى فى العدد الأكبر من اللجان لمنع دخول "الموبايلات"، كم ألفاً استفادوا من التسرب وسط نصف مليون طالب وطالبة خاضوا الامتحانات؟! انه "السؤال الممنوع"!
لم تشهدى يا عزيزتى، ولم يشهد جيلك، وقائع تسرب الامتحانات والغش الجماعى منذ سنوات وسنوات، عندما كانت سيارة نصف نقل تقف بجوار اللجنة، بتهديد السلاح أحيانا، لا سيما فى القرى، وفوقها شخص يحمل "ميكروفونا" كالذى تحمله أمك فى "صوت العرب" لتنير العقول، لكنه كان يستخدمه فى الغش والتدليس واشاعة اللصوصية والانتهازية، ليبدأ فى "البث" قائلا .. "اجابة السؤال الأول ..."!
هل يبدو الأمر مضحكاً الآن لجيلك يا مريم؟ "هو ده الغش اللى بجد .. انتم فاكرين انكم تعرفوا تغشوا زى جيلنا؟ .. اضحكى بقى يا شيخة".
أخيرا .. أعلم يا مريم أنك وزملاءك الجادين الحالمين .. لن تلتفتوا أصلا الى تخاريف أولئك اللصوص .. وادعاءاتهم بأنهم يبدأون ثورة ضد نظام التعليم الغبى .. فهم يلبسون الحق أردية الباطل الرثة .. المهلهلة .. فاصلاح نظام التعليم الفاشل حقاً .. لن يكون الا بكم أنتم .. بأحلامكم واصراركم .. بتمسككم الدائم بالحق والخير والعمل .. غدا تصبحون علماء ومسئولين .. تصلحون ما فسد على مهل .. وقد بدأت بلادك وبلادى طريقها .. وغدا أنتم تعيدونها .. بأن تتشبثوا بأهداب الأمل .. قابضين على جمر الفضيلة .. فلا وقت للحزن يا مريم .. لا وقت للحزن يا صغيرتى.
[email protected]