العالم يحتفل باليوم الدولي للشعوب الأصلية

يحتفل العالم اليوم باليوم الدولي للشعوب الأصلية 2014 تحت شعار " سد الفجوة: تنفيذ حقوق الشعوب الأصلية" ، ويهدف موضوع هذا العام إلى تسليط الضوء على أهمية تنفيذ حقوق الشعوب الأصلية من خلال السياسات والبرامج على المستويين الإقليمي والدولي لتحقيق هذا الهدف المشترك بالعمل مع كلا من الحكومات ومنظومة الأمم المتحدة والشعوب الأصلية وغيرهم من أصحاب المصلحة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت بموجب قرارها 49/214 في 23 ديسمبر 1994 أن تحتفل باليوم الدولي للشعوب الأصلية في 9 أغسطس من كل عام خلال العقد الدولي للشعوب الأصلية في العالم ، وهو تاريخ الذكرى السنوية لانعقاد أول إجتماع للفريق العامل المعني بالسكان الأصليين التابع للجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات ، التابعة للجنة حقوق الإنسان ، على أن يحتفل به سنويا في أثناء العقد الدولي الأول للشعوب الأصلية (من 1995 إلى 2004 ) ، وفي عام 2004 ، أعلنت الجمعية العامة العقد الدولي الثاني للشعوب الأصلية في العالم ، الذي يمتد من 2005 إلى 2014، وموضوعه هو ’’عقد للعمل والكرامة‘‘ .
وذكر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بهذه المناسبة أنه يأتي اليوم الدولي للشعوب الأصلية في العالم لهذا العام في لحظة حرجة يسعى فيها العالم إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ، وصياغة رؤية جديدة للتنمية المستدامة ، وإعداد الأسس اللازمة لاعتماد اتفاق قانوني جديد بشأن المناخ ، بحيث ينجز ذلك كله بحلول عام 2015.
وللشعوب الأصلية مصلحة محورية في هذه الأهداف وبوسعها أن تكون عنصرا مؤثرا قويا من عناصر التقدم ، وكي نفسح لها المجال للمساهمة في مستقبلنا المشترك ، يجب علينا ضمان حقوقها.
ويرسي إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية المعايير الدنيا لبقائها وكرامتها ورفاهها وحقوقها ، غير أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة بين تلك المثل العليا والظروف التي تواجه معظم الشعوب الأصلية في العالم.
وذكر مون أنه في حين أن عددا من البلدان يعتمد أطرا دستورية وتشريعية تعترف بالشعوب الأصلية ، لا توجد أطر من هذا القبيل في الكثير من البلدان الأخرى ، وهو ما يجعل حياة هذه الشعوب وأراضيها عرضة للأخطار ، وتفضي المظالم التاريخية في معظم الأحيان إلى الاستبعاد والفقر ، وتواصل هياكل السلطة زرع العقبات أمام حق الشعوب الأصلية في تقرير المصير.
وتنتمي هذه الشعوب إلى الفئات التي تواجه صعوبات أشد مما تواجهه الفئات الأخرى على طريق التقدم ، وتتجاوز الآثار السلبية حدود المجتمعات المحلية للشعوب الأصلية لتصيب المجتمعات برمتها ، ويجب أن تراعي خطة التنمية الجديدة مصالح الشعوب الأصلية ليتسنى لها النجاح ، وبينما نحضر لعقد المؤتمر العالمي المعني بالشعوب الأصلية في شهر سبتمبر القادم ، أحث جميع الدول الأعضاء على العمل في إطار شراكة كاملة مع الشعوب الأصلية وممثليها من أجل تحسين حياتها وفرصها.
ودعا مون إلى أن نعترف ونحتفل معا بالهويات القيمة والمتميزة للشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم ، وطالب ببذل المزيد من الجهد لتمكينها ودعم تطلعاتها ، وقال في هذا اليوم الدولي للشعوب الأصلية في العالم ، أدعو جميع الشركاء إلى الانضمام إلى الأمم المتحدة في جهودها الرامية إلى تعزيز وحماية حقوق هذه الشعوب ، التي تشكل أساسا ضروريا لمستقبلنا المشترك.
وعلى الرغم من وجود مجموعات عديدة من الشعوب الأصلية ، فإن هذه الشعوب لا زالت تكافح للتصدي لمجموعة متنوعة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ، ويعاني العديد من المجتمعات الأهلية الأصلية من الفقر، والبطالة، والارتفاع في معدلات السجناء، والنسبة العالية في وفيات الأطفال ، علاوة على ذلك، فقد أدت الاتصالات الموسعة بين مجموعات من الشعوب الأصلية كانت معزولة في يوم ما وبين المجتمع الحديث إلى فقدان بعض الممارسات الثقافية واللغات النادرة.
كما يعيش العديد من الشعوب الأصلية أيضًا ، أو يعتمدون على غذائهم ، في مناطق معرضة لتغير المناخ ، ففي المناطق المرتفعة في جبال الهمالايا ، على سبيل المثال، أدى ذوبان الجليد والثلوج إلى انخفاض كمية تدفق المياه الموسمية التي سوف تكون متوفرة مستقبلاً لسكان المناطق الجبلية الريفية.
وتمثل الشعوب الأصلية 15 % من فقراء العالم على الرغم من أن تعدادها الإجمالي لا يتجاوز نسبة 5 % من سكان الأرض ، وفقا لدراسة جديدة نشرتها جهات أعضاء في البنك الدولي ، وتأوي الصين أعلى نسبة مئوية للسكان الأصليين مقارنة بعدد السكان الإجمالي (36 %) ، تليها جنوب آسيا (32 %) ، ثم جنوب شرق آسيا (10%) ، وفقا لدراسة "الشعوب الأصلية، والفقر، والتنمية" عن الشعوب الأصلية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وقد أشار معهد بروكينغز ، وهو مركز أبحاث مقره في واشنطن، إلي أن ما يقرب من 900 مليون شخص يعيشون في حالة فقر في مختلف أنحاء العالم ، أي على أقل من 1.25 دولار في اليوم الواحد ، وفي نفس الوقت ، تشير التقديرات إلي أن 350 مليون نسمة أصليين في العالم يعانون حاليا من معدلات فقر أعلي بسبب تهميشهم إقتصاديا وسياسيا وجغرافيا. وقد عمدت الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة إلي المزيد من التركيز على قضايا السكان الأصليين.
ويعقد برنامج الامم المتحدة الانمائي منتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية في شهر مايو من كل سنة لبحث كيفية زيادة مشاركة الشعوب الأصلية في السياسات المختلفة. وصرح ديفاراجان شانتايانان، كبير الخبراء الإقتصاديين لإقليم أفريقيا بالبنك الدولي ، أن فخ الفقر ليس مصيدة فقر إقتصادي وإنما مشكلة سياسية في مفهوم ثقافات الشعوب الأصلية ، وأشار إلى الفصل العنصري كمثال لإستبعاد السكان الأصليين سياسيا لأسباب عنصرية بحتة.
من جانبه ، صرح هيرالدو مونوز، مدير أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، بأنه لن يكون في وسعنا التغلب على الفقر وعدم المساواة أو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في منطقتنا إذا لم نحسن حياة الجميع، وخصوصا الأكثر تهميشا واستبعادا ، وأشار إلى ضرورة إتباع سياسات إجتماعية متكاملة، وتمويلها من خلال هياكل مالية أكثر تقدمية كوسيلة للمساعدة على إحداث التغيير اللازم.
وقد سجلت أمريكا اللاتينية عجزا ملحوظا في هذا المجال بالفشل في إحراز التقدم الاقتصادي للمجتمعات الأصلية ، فوفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقرير التنمية البشرية الإقليمية لعام 2010 بشأن عدم المساواة والفقر المدقع، يتجاوز عدد الأهالي يعيشون على دولار أو أقل في اليوم في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ، نسبة الضعف بين شعوب المنطقة الأصلية.
وعلى الصعيد العالمي ، سجلت الصين في المقابل أكبر معدل نجاح لصالح السكان الأصليين. وكانت الصين المكان الوحيد في العالم الذي حقق غاية الحد من الفقر بين أقلية السكان الأصليين ( شعب هان ) أكثر منها بين الأغلبية. أما في الولايات المتحدة، فقد تميزت علاقات الأميركيين الأصليين تاريخيا بالصعوبة مع المهاجرين الأوروبيين الذين إستولوا على أراضيهم وأدانوا نسبة كبيرة من السكان الأصليين بالعيش في محميات والمعاناة من الفقر.
وتؤثر التغيرات المناخية تأثيرا كبيرا على الشعوب الأصلية بشكل خاص ، وزيادة معرفة هؤلاء بالمناطق التي يعيشون فيها ، يكسب دورهم في مجال مكافحة التغير المناخي أهمية كبيرة ، ولا تزال نسبة كبيرة من السكان الأصليين تعيش في تناغم مع الطبيعة، سواء في المنطقة القطبية الشمالية أو الغابات الاستوائية أو المناطق الساحلية النائية والمناطق الجبلية. لكن تبعات التغير المناخي تؤثر بشكل خاص على هذه الشعوب، ولا يعتبر هذا السبب الوحيد للتركيز عليهم في النقاش الدائر حول المناخ. فالعديد من المناطق التي يعيشون فيها وخصوصا الغابات، تتمتع بأهمية خاصة في سياق حماية المناخ العالمي.
وأشارت اللجنة الدولية للمناخ (IPCC) في آخر تقرير لها، إلى أن الشعوب الأصلية تتأثر وتعاني بشكل خاص من تغير المناخ. ويرجع هذا أساسا إلى أنهم يعيشون غالبا في مناطق تتميز بنظم بيئية هشة ، تقع في مناطق من العالم لا يمكن الوصول إليها بسهولة. وللمفارقة، فإن هذه العزلة الطويلة هي التي ساهمت في حماية مناطقهم من التدخلات الخارجية.
لكن مع الطلب الكبير على المواد الخام في بداية العصر الصناعي، أصبحت صحراء أفريقيا ومنطقة التندرا في القطب الشمالي وأيضا الغابات الاستوائية المطيرة في الأمازون، محط أنظار جهات خارجية. وترتب على ذلك عواقب وخيمة في بعض الأحيان، ولا سيما بالنسبة لمناطق الغابات التي تعاني من القطع الجائر للأشجار ، ونتيجة لذلك يصل خمس انبعاثات ثاني اكسيد الكربون عالميا ، من إزالة الغابات ، وذلك بحسب دراسة أجرتها الجمعية الألمانية للتعاون الدولي.
ونظرا إلى أن الكثير من الشعوب الأصلية تعيش في الغابات وتعتمد عليها في الغذاء، فقد تم في مؤتمر المناخ العالمي في بالي عام 2007، اعتبارهم”لاعبين أساسيين في تنفيذ برنامج "REDD”، والبرنامج يتضمن مجموعة متنوعة من المشاريع الدولية ، تهدف في مجملها إلى الحد من الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدميرها. ويدخل أيضا بيع شهادات الانبعاثات وحماية المناطق الحرجية في صلب ذلك البرنامج. ومنذ ذلك الوقت، تحمس الساسة من جميع الاتجاهات لالتقاط الصور مع الهنود الحمر بزينتهم الملونة المميزة ، وذلك للتدليل لوسائل الإعلام على احترامهم للتنوع الثقافي ، وكذلك على اهتمامهم وارتباطهم بالطبيعة.
ومع ذلك فإن المنظمات المهتمة بالشعوب الأصلية مثل " شبكة البيئة الأصلية " تنتظر منذ وقت طويل مشاركة ممثلين عن تلك الشعوب بشكل مباشر في المفاوضات الجارية حول المناخ، وهم يخشون من أن الاموال التي يمكن أن يدرها الاتجار في شهادات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سيؤدي إلى تزايد الرغبة في الاستفادة من الموارد المتوفرة في المناطق التي يسكنها السكان الأصليون. وعلى أية حال، نادرا ما أنشأت دولة ما منطقة محمية من أجل سكانها الأصليين. ولم يتغير الوضع بصدور إعلان الأمم المتحدة عام 2007 بهذا الخصوص.
وذكر توم غولدنتوث المدير التنفيذي لمنظمة شبكة البيئة الأصلية ، وهو ينحدر من مجموعة الهنود الأصليين ، أنه يتخوف من أن "نهاية برنامج REDD " (وبرنامج UN-REDD هو مبادرة الأمم المتحدة التعاونية على خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها في البلدان النامية ، ويدعم الجهود في 53 دولة والتي تمتد فى أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية ) والتي ستؤدي إلى الاستيلاء على مساحة أكبر من الأراضي وذلك بشكل لم يشهده العالم على الإطلاق. وسيؤدي الاتجار بشهادات الانبعاثات الكربوني إلى الاستعمار الجديد والخصخصة الإجبارية ، خصوصا بالنسبة للشعوب التي تعيش في الغابات المطيرة. ومن يملك السلطة والمال يمكنه أن يستولي على أراض ضخمة في البلدان النامية.
وفي مؤتمر هذا العام للتنمية المستدامة في ريو دي جانيرو "ريو +20″، دعت منظمات السكان الأصليين إلى بناء مشاركتها في حماية المناخ على أساس سليم من الناحية القانونية. لكن لم يتم الاستجابة إلى تلك الدعوات، فالحكومات تولي اهتماما أكبر للأزمة المالية ، يفوق اهتمامها بحل قضايا البيئية والاجتماعية، بحسب ممثلي السكان الأصليين الذين أعربوا عن معارضتهم للبيان الختامي الرسمي لمؤتمر ريو +20 ، وطالما لايبدو أن هناك استعدادا لحماية أراضي السكان الأصليين من التلوث ولمنع الاستيلاء على الأراضي من قبل المستوطنين وشركات الأخشاب والتعدين ، فلدى الكثير من الشعوب أيضا مخاوف أخرى ، بخلاف وضع المناخ العالمي.
ومن الأهمية بمكان أن تتم موائمة المشاريع الإقليمية بحيث تتناسب مع احتياجات السكان المحليين ، وهناك بالفعل عدد كبير من المشاريع الصغيرة التي أنشئت خصيصا من أجل فائدة السكان المحليين ، كهنود " الساتري- ماوي" الذين يسكنون في غابات الأمازون ، وهم على سبيل المثال يديرون جمعية لتجارة الأعشاب الطبية مثل الغوارنا وزيت خشب الورد والكرز.
وتقدم منظمات التجارة العادلة وسيلة بديلة لتوزيع المنتجات خارج منطقة الأمازون بأسعار عادلة.وتعمل شعوب أخرى على نحو مماثل، مثال على ذلك شبكة إنقاذ التايغا ، وهي المنظمة التي تمثل شعب الخانتي في مستنقعات وغابات غرب سيبيريا ومناطق السامي والنرويج والسويد وفنلندا. وتدعم تلك الشبكة الاستغلال التقليدي للغابات البكر.
إن الاعتراف بالحقوق المذكورة للشعوب الأصلية وممارستها كما يكفلها وينص عليها الإعلان ، هو بمثابة مطلب أساسى للمجموعات الأصلية ، وخطوة أساسية لتطوير مكانتها وأوضاعها. وهي كلـها قضايا حاضرة بقوة في الخطاب الحقوقي لدى الشعوب الاصلية ، من هنا يكتسب الإعلان صلة وثيقة بكل ما يتعلق بتطوير وتعميق خطاب الحقوق الجماعية،ويشكل الإعلان عمومًا ، وثيقة شاملة ونافذة تفتح الطريق أمام دعم نضالات الشعوب الأصلية في مختلف أرجاء العالم ، وعلاوة على قيمته الدولية ، فإن قوة الإعلان تكمن في قدرته على التأثير في الخطاب على الساحات المحلية ، إذ يعزز الإعلان من مطالب المجموعات الاصلية في السياقات المحلية ويمنحها المزيد من الشرعية القانونية والأخلاقية والدعم الدولي المطلوب.