مشاهدي مع كروان الشاشة فاتن حمامة

لايزال طعم لقاءاتي بك عالقا بقلبي سيدتي، لقد كنت الأكثر تأثيرا بين سيدات
أرستقراطيات كثيرات مررن بحياتي، لم تكن أرستقراطيتك تعني التعالي ولا "
العجرفة" ولا غرور المال والشهرة الزائفين اللائي اتسم بها البعض ممن لا
يملكون واحد بالمائة من شهرتك ونجوميتك وتاريخك وعطاءك لبلدك التي حلقت في السموات
العلا، ولكني أعني بالارستقراطية "الرقي" والاتيكيت والذوق العالي غير
المصطنع ولا المفتعل، والتواضع في استقبال الناس ، وشمل رقيك كل شئ بما فيها ترتيب
الأثاث واختيار الملابس وألوانها وأذواقها...
استقبلتيني في منزلك، لأشعر من دفء استقبالك وحرارة الترحاب أنني واحد من
الأسرة، وهو احساس تبينت صدقه فيما بعد، لأنك كنت لنا الأخت والحبيبة والأم والمصرية الوطنية المخلصة..
"كل نفس ذائقة الموت" صدق الله العظيم..فقد رحلت في قمة نشاطك
وفي أحب الأيام الى قلبك، ولم اندهش انك كنت مرحة، نشيطة حتى قبل رحيلك بساعات،
فانت قلت لي عن فصل الشتاء: " انا من هواة فصل الشتاء؛ لأني أكره الحر، وأنا
في الحر كسولة، ولا أحتمل الشمس القوية، وأكون في أفضل نشاطي في هذا الفصل، بينما
في الصيف أكون ـ محبوسة ـ في البيت بجوار التكييف الذي اكرهه جدا، حتى في التمثيل
أفضل العمل شتاء.
حتى لقاءنا الأول كان شتاء..وفي ساعة نهارية لا ينقصها سطوع الشمس.. أنت
كنت شمس ذلك الصباح..وعلى مرمى البصر صفحة النيل الخالدة ـ وهو المسكن الذي نصحها
طبيبها أن تستبدله بآخر يبعد عن تلوث العاصمة .
وكنت في رصانتك المعهودة..تتبسطين
الى حد وضع " قالب السكر" في فنجاني الذي داب متعجلا خجلا من رقتك..
كنت ترتدين الأزياء الكلاسيك..تلمحينني وأنا أدقق النظر في شال "أوف
وايت" غاية في الرقة يزين كتفك وجسدك المنحوت "المنيون"..وبسرعة
كان عندك الجواب رغم أنه لم يكن في قائمة أسألتي بصوتك الملحن، المنغم، قلت:
ألواني المفضلة هي الأبيض الغامق، البيج، احب ألوان الشمس، الا انني احيانا أحن
الى اللون الأزرق الفاتح، ونادرا برتقالي.. واحب الكلاسيك لأنه بيقعد معايا
فترة..مبقاش في حد فاضي للتفصيل، كما انني ليس لي بيت أزياء مفضل..المهم يكون
الفستان بسيط وشكله حلو.
وعندما طفت بعيني فوق الجدران قالت: انا شايفة ان صورة واحدة كفاية، ممكن
تؤدي الغرض لأن اللوحة الواحدة فيها ألوان متعددة.. وجهة نظر محترمة.. ثم أضافت
كمن تحب ان تنقل خبرتها وبساطتها الى الناس: كل الديكورات والحاجات اللي انت
شايفها من "ترتيبي"..انا على طول ايدي في البيت على قد مابقدر.
قلت مواكبا: لكن البنات بتحب تتباهى بفستان الفرح؟
وتقول الرقيقة فاتن: انا ارتديت فستان الفرح الأبيض 100 مرة في افلامي،
يعني تقريبا بمعدل كل فيلم فستان، ومع ذلك أهمس في أذن العرسان..وفروا فلوسكم،
واعملوا احتفال خاص بيكم لوحدكم ولا داعي للمصاريف.
قلت لسيدة الشاشة: لماذا يطول صمتك..هل هي عزلة؟
قالت: أبدا..تعرف.. أهم شئ في الممثل ليس ان يكون متكلما، بل اهم شئ من
وجهة نظري ان يكون صامتا، يلتقط ما يراه، يسجل..ويلاحظ، والا فكيف لممثل من
المدينة يؤدي دور فلاح من أهالين ويمكن الممثل لم يذهب الى القرية الا مرات معدودة
مثلا، يأتي بها من الكاميرا الداخلية ومن مخزونه.
وعن تجربتها الوحيدة مع الغناء ( آلو ..آلو) ضحكت في ادب جم وقالت: مشكلتي
اني باتكسف موت..لما بغني صوتي بيترعش، وفي الغنوة دي بالتحديد كانت العزيزة شادية
" شايلاني..وانا كنت بتدارى ورا صوتها".
كانت هذه مشاهد من لقائي الأول معها، أما اللقاء الثاني فلم يستغرق سوى
دقائق، عندما طلبت أن أهديها نسخة من كتاب لي تضمن فصلا عنها، وفوجئت بها ببساطة
وشياكة وتواضع تسألني: كتبت اهداء؟ على العموم هاشوف كتبت ايه؟
يا لرقتك ايها الكروان الرقيق الذي توقف عن الصدح وتركنا نسبح مع غيوم الشتاء..
[email protected]
Normal
0
false
false
false
EN-US
X-NONE
AR-SA