قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حرة كاملة.. لا جارية ولا سبية

0|هشام النجار

الإبعاد السياسى للمرأة لا يعتمد على نصوص صريحة من القرآن، بل القرآن كما أوردنا الآن من نماذج به تحفيز وتشجيع للمرأة على مزاولة وممارسة حقوقها السياسية، بل هى ليست فى هذه الحالة حقوقا إنما واجب عليها كعضو فاعل فى المجتمع وكشريك وصاحب مصلحة فى نهضة المجتمعات والأوطان أن يكون لها إسهام ودور فى الإصلاح والتغيير والنهضة.
والتاريخ به الكثير من نماذج سيدات قمن بدورهن السياسى والمجتمعى على أتم وجه، وليس شرطا أن تكون تابعة دائما للرجل أو رقم اثنين فى المعادلة، فهذه على سبيل المثال أروى بنت أحمد بن جعفر بن موسى الصيلحى، كانت رقم واحد فى المعادلة السياسية وتلقب بالسيدة الحرة وبالحرة الكاملة وببلقيس الصغرى، وكانت ملكة يمنية عاقلة حكيمة مدبرة، وكانت ذات شأن عظيم بين رعيتها وشعبها ويدعى لها على المنابر فيقال "اللهم أدم أيام الحرة الكاملة كافلة المؤمنين".
اليوم يتغير الوضع تماما فى اليمن والعراق ويزعمون زورا أن ذلك من الإسلام وينتمى لتعاليمه، فمن السيدة الحرة والحرة الكاملة إلى السبية والجارية والغنيمة والخادمة فى صفوف "داعش" والجماعات التكفيرية، والفارق كبير بين دين يرفع المرأة لهذا القدر ويجعلها حرة كاملة، وبين ممارسات جاهلة تحط من قدر المرأة وتعيدها إلى أسر الجوارى والسبايا وملك اليمين.
الرجل ليس معه صك دينى ولا وثيقة مقدسة تجعله الوحيد المتصدر مشهد الأحداث فى جميع مجالات السياسة والثقافة والتعليم والدعوة والفكر والإعلام مع تغييب تام للمرأة وجعلها فى الخلف وفى الظلام لا يراها أحد ولا يسمع لها أحد صوتا ولا رأيا، والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال فيما رواه الامام أحمد بن حنبل فى مسنده "إنما النساء شقائق الرجال"، والله عز وجل يقول: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وهذا النص صريح فى تحميل الرجل والمرأة معا مسئولية إصلاح المجتمع وتقويمه فى كل نواحى الحياة.
ودور المرأة فى الاختيار والتصويت والترشيح فى الانتخابات ما هو إلا توكيل، والمرأة فى الإسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنسانا بالدفاع عنها وعن حقوقها والتعبير عن آرائها وأفكارها، وهى أيضا لها أن تعلن رأيها السياسى وتدافع عنه إذا كانت لديها المقدرة والموهبة والإمكانيات التى تؤهلها لذلك، فلا تتصدى امرأة للشأن العام والقضايا الكبيرة التى تؤثر على مسار الأمم والأوطان وهى غير مؤهلة علميا ونفسيا، وخروج أم المؤمنين عائشة "رضى الله عنها" من بيتها بالمدينة المنورة إلى البصرة على رأس جيش فيه الكثير من كبار الصحابة "رضوان الله عليهم" للمطالبة بالقصاص لعثمان – بغض النظر عن صحة الموقف أو خطئه وقد ندمت عليه بعد ذلك – إلا أنه كان تحركا سياسيا بامتياز، لكن من امرأة وسيدة موهوبة مجتهدة عالمة، وإن أخطأت فى التقدير السياسى، لكن بناء على ما تمتلكه من قدرات وإمكانيات تؤهلها لخوض هذه الملفات والصراعات وليس بصورة عشوائية أو من خلال نماذج غير مؤهلة.
قوله تعالى "وقرن فى بيوتكن" خطاب موجه فى الأساس وخاص بأمهات المؤمنين ونساء بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والمراد بالقرار ليس المكوث فى البيت بصفة نهائية، بل المراد – كما قال المفسرون – هو الاستقرار الذى يحصل به وقارهن وامتيازهن عن سائر النساء بملازمتهن البيوت فى أغلب الأوقات ما لم تكن هناك حاجة ملحة لخروجهن، ورغم ذلك الخطاب القرآنى بالقرار فى البيت الموجه لأمهات المؤمنين، فإن ذلك لم يمنع أم المؤمنين عائشة من الخروج لمباشرة حقوقها السياسية وحقها فى التعبير عن رأيها وموقفها من أزمات وقضايا الساعة.
وإذا أكملنا الآية الكريمة لفهمنا ما فهمته أم المؤمنين "رضى الله عنها"؛ بأن القرار ليس معناه المكوث فى البيت والحرمان من مباشرة الحقوق، إنما الخروج للمشاركة فى الحياة العامة والإسهام مع الرجل فى إصلاح المجتمع هو الأساس لكن بشرط الالتزام بضوابط الشرع وأخلاقياته من حشمة وسلوك قويم، وعدم الخروج كما كانت تخرج المرأة فى الجاهلية بسفور وتعر، فقال سبحانه "وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"، والنهى عن التبرج فى الآية الكريمة لا يكون خارج البيت، فالتبرج بطبيعة الحال مباح للمرأة داخل البيت، فكيف نفهم الجمع فى آية واحدة بين الأمر بالبقاء فى البيت وعدم الخروج إلا لضرورة قاهرة، وبين عدم التبرج ووضع الزينة؟ نفهم هنا أن لها الخروج والمشاركة بضوابط الإسلام وأخلاقياته.
المساواة المطلقة لا تصح وهو كلام غير علمى وغير منطقى، لكن الصحيح أن نقول إن الرجل والمرأة متكاملان يكمل أحدهما الآخر فى الوظيفة والأدوار والمسئوليات، وليس معنى أن المرأة لها وظيفة أساسية ودور رئيسى من حمل وإرضاع وعناية وتوفير حنان وتربية ألا تقوم ببعض الأعمال الأخرى خارج نطاق هذه المسئولية الأساسية من قبيل مشاركة الرجل ودعم جهوده إذا توفرت لديها القدرات على ذلك، وأيضا ليس معنى أن للرجل وظيفة أساسية من سعى وكد فى العمل لتوفير أسباب الحياة لزوجه وأبنائه ألا يقوم بأعمال خارج نطاق هذه الوظيفة الأساسية لدعم جهود المرأة ومساعدتها داخل بيتها من مساعدة فى تربية الأولاد وتعليمهم وغسل وكوى وكنس وطبخ، فالرجل والمرأة يكمل أحدهما الآخر مع الوضع فى الاعتبار طبيعة المرأة الأنثوية الرقيقة، فلا تخرج ببعض الأعمال عن حدود هذه الطبيعة مثل مباشرة الحروب والقتال والعمل فى المناجم والأعمال التى تتطلب مجهودات بدنية شاقة.
وحقيقة العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة هى قيام كل واحد منهما بمهامه بحسب خلقه وبنيته وفطرته التى فطره الله عليها، والرجل يقوم بمهمته بأن يقوم برعاية البيت الذى أنشأه والزوجة التى اختارها ومن هنا جاءت القوامة – التى يفهمها الكثيرون خطأً – فالقوامة قيام بمسئولية العمل والإنفاق، ولم يفهم المسلمون والجيل الأول أنها تعنى السيطرة والتفوق والاستعلاء، فضلاً عن الاضطهاد والجبروت، لأنهم وعوا جيدا أن للمرأة وظيفة ومسئولية مكملة فى الحمل والولادة والتربية والرعاية والحنان والعطف والدفء، وتلك مهمتان متكاملتان وليستا متعارضتين، وليس معنى أن الرجل مؤهل لهذا الدور والمرأة مؤهلة لذلك الدور بما لا يقدر هذا سد فراغ ذلك فى دوره أن نغلق المجال أمام المرأة فلا تقوم إلا بتلك المهمة فقط، بل يجب إتاحة الفرص أمامها لإثبات ذاتها وتوظيف مواهبها وقدراتها فيما يفيد المجتمع والناس، فالعلاقة تكاملية والمرأة شريكة للرجل وزوجة وحبيبة وموئل وسكن وراحة وداعم ومساهم معه فى قضايا الحياة وكل ما يتعلق بالشأن العام.
وكما للرجل حق على زوجته فى أن تبدو جميلة ونظيفة ورائحتها عطرة للمرأة أيضا نفس الحق، والإسلام الرائع أمر الرجال أن يتجملوا ويتزينوا ويرجلوا شعورهم، وألا يدخل الواحد منهم على زوجته وهو أشعث أغبر متجهم، وورد أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر الرجال وقد عادوا من إحدى الغزوات فى المساء أن يبيتوا ليلتهم خارج المدينة ثم يصابحوا زوجاتهم وقد هيأوا أنفسهم ورجلوا شعورهم وغسلوا وجوههم وأراحوا أجسادهم.
بل امرأة حرة مشاركة صاحبة حقوق، بل الإسلام منح المرأة حرية الزواج وشجع عليه، ولا توجد امرأة فى صدر الإسلام توفى عنها زوجها إلا تزوجت بعده رجلاً يساويه فى المنزلة أو يتجاوزه فى المكانة؛ وهذه سبيعة الأسلمية "رضى الله عنها" وهى إحدى راويات الحديث وكانت زوجة لسعد بن خولة ممن شهد بدرا وتوفى عنها فى حجة الوداع وهى حامل، فلما وضعت حملها وقامت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها خالها أبو السنابل وهو من بنى عبد الدار فقال: "مالى أراك متجملة لعلك تريدين الزواج، فهذا لا يجوز لك إلا بعد أربعة أشهر وعشر"، فأتت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسألته فأفتاها بأنه يحل لها الزواج حين وضعت حملها.
أسماء بنت عميس "رضى الله عنها" من السابقات للإسلام، هاجرت مع زوجها جعفر ابن أبى طالب إلى الحبشة وتزوجت بعد استشهاده فى مؤتة أبا بكر الصديق وبعد وفاته تزوجت عليا بن أبى طالب فولدت له عونا ويحيى، وأنجبت أيضا محمد بن أبى بكر ومحمد بن جعفر، وتفاخر ابناها يوما فقال محمد بن جعفر لمحمد بن أبى بكر "أنا أفضل منك وأبى أفضل من أبيك"، فاحتكما إلى أمهما فقالت: " ما رأيت شاباً كجعفر ولا كهلاً كأبى بكر".
هذا دليل – وغيره الكثير من النماذج - على حرية المرأة فى الإسلام وبأنها ليست جارية إنما زوجة وشريكة تمارس حقوقها فى الحياة، وهذه السيدة أم حكيم بنت حزام التى كانت زوجة لعكرمة ابن أبى جهل الذى فر بعد فتح مكة فسعت لإنقاذه وأخذت له الأمان من الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى أعلن إسلامه وعاد قائدا مجاهدا واستشهد فى اليرموك وكان أحد الثلاثة الذين فدى بعضهم بعضا بشربة ماء كل منهم يقدمها لأخيه، وأكملت عدتها وجاء ليخطبها يزيد بن أبى سفيان وخالد بن سعيد فاختارت خالدا وقالت له لو أجلت هذا الأمر ريثما تنتهى المعركة، فقال إننى أرجو أن يصيبنى سهم غدا فأقبل على الله شهيدا، وأود أن أؤدى ما على من حق لك، فقالت دونك إذن، وحقق الله أمله وسقط شهيدا وبعد عودتها للمدينة خطبها عمر بن الخطاب "رضى الله عنه"، فتلك هى النظرة الواقعية وتلك هى مكانة المرأة فى الإسلام كشريكة وزوجة ومساهمة فى النضال – لا جارية ولا تابعة – وكمشاركة فى الشأن العام والحياة السياسية سواء فى الحكم أو المعارضة.
هشام النجار
[email protected]