قميص عثمان

بعد قتله بخسة ووضاعة وهو يقرأ القرآن الكريم في غرفته من قبل الغاضبين الذين حاصروا بيته لمدة 40 يومًا، انقلابًا على شرعيته ونكوصًا عن بيعته، ملأ دم ذي النورين عثمان بن عفان قميصه ومصحفه، ولم يشفع له كبر سنه ومصاحبته لرسول الله، ولم يحمه انه خليفة المسلمين، ذبحوه -نعم ذبحوه- أمام زوجته وغلمانه.
بعد مقتله تحول قميصه إلى أيقونة في يد كل المغامرين للانقلاب على السلطة أو الشرعية أو الثورة باسم دم الشهيد، رفعه معاوية على أسنة الرماح وطاف به أنصاره على مساجد وساحات وبيوت الشام طالبين الثأر "لابنهم"، متهربين من استحقاق البيعة لعلي بن أبي طالب.
الواقعة بتفاصيلها المحزنة والمخزية راح ضحيتها نحو 40 ألفًا من المسلمين أو يزيد، رفعوا قميص الشهيد طلبا للثأر في الظاهر وسعيا للحكم في الباطن، وانتهت معركة السلطة بحسم معاوية الكرسي لمصلحته بعد مقتل علي وتنازل الحسن، ثم سنّ معاوية بعدها سُنة التوريث التي لاحقتنا مفاسدها حتى الان.
ليس بعيدا عن جوهر قميص عثمان أعيدت القصة بتغيير التفاصيل والأسماء والأساليب ولنقرأ المشهد بتمعن علنا نتعظ:
"الفريق" الحالم بكرسي فرعون يريدنا ان نلغي عقولنا لنصدق انه تحول فجأة من تلميذ مبارك وخياره الأول وقت المحنة إلى رئيس لبلد ثارت لإسقاط رأس نظام كان هو أحد أعمدته.
"الفريق" الذي رأى بعينيه وسمع بأذنيه أنين شهداء موقعة الجمل التي جرت تفاصيلها وهو رئيس للوزراء ومدير حملته الانتخابية اللواء محمود وجدي وزير للداخلية، يتحدث الآن عن دم الشهداء.
"الفريق" الذي لم يعترف أبدا بالثورة ووصفها طوال رئاسته للحكومة بـ "الاحداث" ثم الانتفاضة قبل أن يتأسف لنجاحها، أصبح يتحدث عن إعادة ثمارها إلى مستحقيها.
"الفريق" الذي اتهم حركة كفاية وشباب 6 ابريل ومحمد البرادعي بالعمالة والخيانة الوطنية والعمل لتنفيذ أجندات خارجية، نسي ما قاله من قبل ليمنحهم من تلقاء ذاته صك البراءة وأصبحوا فجأة "أمل مصر وشركاء المستقبل".
على الجانب الآخر يقف البديل أو رئيس الصدفة القانونية التي أطاحت بالشاطر ووضعته محله، محاولا إقناعنا بأن انتماءه سيكون لشعب مصر وقسمه له، لا لبيعة المرشد أو دولة الجماعة.
"البديل" الذي رأى بعينيه وسمع بأذنيه –مثل الفريق تماما- صرخات شهداء ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية ولم يحرك وجماعته ساكنا، بل اتهموا الثوار بالفوضى والبلطجة، وطعنوا في شرف حرائر مصر بعد احتجاجهن على سحل النساء، يتحدث الآن عن دم الشهداء.
"البديل" الذي فاوضت جماعته عمر سليمان، ودخلت في حلف "الفضول" مع المجلس العسكري منذ غزوة الصناديق وحتى أسابيع خلت، يتحدث الان عن استكمال الثورة ومواجهة بقايا النظام الفاسد.
"البديل"الذي أعلنت جماعته انها ستترشح على 40% من مقاعد مجلس الشعب، وستكون جزءًا من تحالف وطني واسع ترشحت على كل المقاعد ثم "كوشت" على لجان مجلس الشعب وأرادت "التكويش" على تأسيسية الدستور، واعترفت عبر رجلها صفوت حجازي بالفم المليان "نعم هانكوش"، يطرح الآن المشاركة في الحكم عبر الفريق الرئاسي.
"البديل" الذي فوجئ بأن حسابتهم التنظيمية خاطئة، وأن الشعب المصري ليس قطيعًا توجهه فتاوى باطلة وتخدعه مظاهر ورع كاذبة ويشترى ضميره بكراتين الأرز والسكر، عاد الآن ليتحدث عن التوافق الوطني.
كلاهما "الفريق" و"البديل" يرفعان قميص "عثمان"، وكلاهما لن ينتصرا للثورة أو لدم الشهداء لأن أيديهما ملوثة به، وكليهما اتخذا من الثورة مطية ليصعدا من خلالها إلى كرسي الرئاسة، ونحن الذين سندفع الثمن من دمنا المُراق على الطرقات، وأحلامنا المجهضة في صدورنا، وثورتنا المختطفة من الانتهازيين.. والمتاجرين بـ"قميص عثمان".