الماريشال فيليب بيتان

بالأمس عدنا إلى صفحة مجيدة من تاريخ الإسلام. فتح مكة الذى استوحينا منه درساً عظيماً فى سماحة القوى وقدرة العفو وطى صفحة الماضى. اليوم نعود إلى صفحات من تاريخ الحرب العالمية الثانية وفيها دروس ملهمة. وصفحة من تاريخ فرنسا وفيها حكمة بليغة. إن للتاريخ دروساً، وللماضى معانيه، ولا يمكن للشعوب أن تمضى للأمام دون أن تستوعب تلك المعانى.
كان الماريشال فيليب بيتان بطلاً. لكنه أيضاً كان خائناً. فى لحظة ما كان على فرنسا أن تصل إلى حكم صريح بشأنه. هل تعتبره بطلاً أم تعتبره خائناً. وقد اختارت أن تعامله وفق المعنيين. لأنه ارتكب الثانية وحقق الأولى.
بيتان كان جنرالاً. أى لواء. تم تكريمه برتبة الماريشال. أى المشير. بعد انتصاراته فى الحرب العالمية الأولى. قائد عسكرى مغوار. فعل كل شىء فى الحروب. فى ١٩١٦ انتصر فى معركة استمرت عشرة أشهر، ضد الألمان. فى العام التالى قاد عملية قمع واسعة النطاق ضد تمرد كبير فى الجيش الفرنسى. فى كل سنوات خدمته عرف برقة القلب والقدرة على احتواء الجنود، كان يمكنه أن يعطف عليهم. القادة زملاؤه لم يكن لديهم أى مانع فى أن يدفعوا بألوف الجنود إلى أتون الحرب والموت لتحقيق أهدافهم.
فى الحرب العالمية الثانية فعل شيئاً غريباً. رضخ للألمان. استسلم. كانت قوات هتلر تهاجم فرنسا بعنف شديد. قبل بيتان التوقيع على اتفاقية هدنة مع ألمانيا. واقع الأمر أنها كانت تنازل عن الأرض الفرنسية. بعض كثير من أرض فرنسا ذهب إلى ألمانيا. تحت هذا القبول بالرضوخ كان أن ألقى بنحو مليون فرنسى فى أعمال السخرة فى ألمانيا. تم الإبلاغ عن يهود كان يبحث عنهم الحكم النازى. تم التبليغ عن مقاومين فرنسيين. كانت فترة سوداء فى تاريخ بطل سابق. أصبح رئيساً شكلياً للدولة الفرنسية.
هزمت ألمانيا فى الحرب. انتصرت روح التحرر الفرنسية. عادت فرنسا بلداً واحداً بعد خروج المحتل النازى. البطل الذى كان قد أوقف زحف الألمان فى الحرب العالمية الأولى أصبح ملحقاً بالمحتلين فيما بعد الحرب العالمية الثانية، كل مجده أصبح على الأرض. أوقف بنفسه دستور بلده. كان شخصاً آخر غير الذى عرفته فرنسا فيما قبل ذلك بثلاثين عاماً. حكم عليه بالإعدام عقاباً له على خيانته وتواطئه مع الألمان.
جاء شارل ديجول. مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة. قارن بين تاريخ بيتان وواقعه الأخير. خفف الحكم عنه. لم يعد مهدداً بالإعدام، بل سجيناً مدى الحياة فى قلعة فى جنوب فرنسا. تذكر للرجل إنجازه السابق، وجد أسباباً تدفعه لقبول تخفيف الحكم عمن كانت فرنسا نفسها قد كرمته ورقته إلى رتبة الماريشال بدلاً من اللواء . ثم قال قولته المشهورة «فليمت المحارب العجوز فى سلام».
المعنى غير قابل للتخمين. المعنى واضح. الشعوب تغفر. القادة الكبار يرحمون. الأمم تقبل أن تعفو عن أبنائها حين يخطئون لاسيما إذا لم يكونوا قد ارتكبوا ذنوباً بحجم ما فعل بيتان. لاسيما إذا كانت لهم بطولاتهم التى لا خلاف عليها بعد حذف كل المبالغات. لاسيما إذا لم يكونوا خونة وإذا كانت مصر لم تبدل كثيراً من نهجهم من الناحية الموضوعية. أمعنوا جيداً فى درس بيتان وديجول!!
نقلا عن المصرى اليوم