الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«جوجل».. ثم تكلم !


كم عدد المرات التي ذُكر فيها لفظ الجلالة "الله "في القرآن الكريم ؟ ، في أي عام انتهت الحرب العالمية الأولى؟، ما هو اسم مخترع المصباح الكهربائي ؟

كل ما سبق وغيره كثير لم تعد هناك أهمية لحفظه في الذاكرة ، أو حتى لمعرفته – من وجهة نظر الكثيرين – فما عليك سوى أن تكتب ماشئت من كلمات على محرك البحث "جوجل " لتَلِج في عالم التفاصيل.

لم تعد للفزروة الكلاسيكية التي كانت تستغرق منا ساعات طويلة وربما أيام لنتمكن من الإجابة عليها، فتشحذ الفكر وتنشط الذاكرة، لم تعد لها أهمية في وجود محركات البحث، ولم تعد هناك مدينة أو قرية أو قُطر على وجه الأرض إلا ويذخر "جوجل" بخرائطه وبياناته، ولم تعد هناك معركة أو موقعة دارت رحاها في التاريخ القديم أو الحديث إلا وتاريخها وأبطالها ونتائجها حاضرة بكافة التفاصيل الدقيقة لها بمجرد أن تبحث عنها على محرك "جوجل" في ثوان معدودة.

ليس هذا فحسب، بل أن كل ما تمتلكه من وثائق أو معلومات أو تسجيلات نادرة وكل ما يعتمل في ذاكرتك البعيدة من أغاني أو أفلام أو برامج أو مبارات رياضيه أو غيرها حاضرة بكثافة و بجودة عاليه في "يوتيوب" ، إنتهت عبارة " تسجيلات نادرة " فلم يعد هناك اليوم شيء نادر، حتى برنامج يومك لم يعد يحدده حرصك على مشاهدة عمل تلفزيوني ما في وقته، لأن فرصة متابعته كل لحظة بعد عرضه قائمة ولا تنتهي.

الكثير منا لم تعد لديه الرغبة في شراء الكتب الورقية من المكتبات، لأن المكتبة الإلكترونية متاحة وتذخر بآلاف الكتب بكل اللغات، كذلك لست في حاجة إلى أن تحكي لطفلك "حدوتة قبل النوم"، لأنه هو نفسه يستطيع أن يُريك الغول والعنقاء والخل الوفي وآليس في بلاد العجائب "صوت وصورة ومؤثرات " .

أنت كذلك في غنى عن صناعة صداقات واقعية لأن الافتراضي طغى على الواقعي في حياتك، فلم يعد لتأثير نبرة الصوت ونظرة العين وتغير الملامح أثناء الكلام وإشارات اليد وإيماءات الرأس، لم يعد لهم أهمية، خاصة في ظل عالم الصداقات الافتراضية.

"فيس بوك " أصبح مصدرًا للمعلومات والأخبار، ليس لدى الجمهور العادي فحسب ولكن للمتخصصين أنفسهم في عالم الصحافة والإعلام، بكل ما يحمله من أخطاء ووجهات نظر ورؤى قد تفتقر في كثير منها إلى التحقق من المعلومة ، وأدنى الجهد في سبيل التأكد منها .

لست في حاجة لأن تبذل جهدًا كبيرًا مثلما كان يحدث في الماضي كي تصل كلماتك للكثير من الناس ، ف ( الريتوييت ) سوف تحمل عنك هذا العبء ، كما تحملك (عدد مرات المشاهده ) إلى عالم من الشهرة دون جهد يُذكر ، وربما بلا موهبه .

وعلى قدر ماأتاحت مواقع التواصل الإجتماعي ومحركات البحث من فرص للتواصل بين الناس وتكوين الصداقات والحصول على المعلومه بسرعة فائقه والوصول إلى الخبر في وقت حدوثه ، إلا أنها أدت في ذات الوقت إلى تفسخ الكثير من العلاقات الطبيعية والواقعيه لما في العلاقات الإفتراضيه "أريحيه " أكبر دون بذل ولا جهد ولا عناء ، كما أنتجت جيل من أنصاف الموهوبين والمدعيين ، وعطلت دور العقل في التخيل والإبتكار ، وأضرت بحقوق الملكية الفكريه على نطاق واسع .

في مصر على سبيل المثال ، يصل عدد مستخدمي الإنترنت إلى 37 مليون شخص ، وهي بذلك تحتل المرتبه ال15 ضمن قائمة تضم 212 دولة على مستوى العالم يستخدمون الإنترنت في حياتهم اليوميه ، تلك الإحصائيه المنشوره على شبكة الإنترنت ( والتي قد تكون غير دقيقه ) إلا أنها داله على أمرين : الأول أن هذا الترتيب المتقدم جدًا يشي برغبة جامحه في المعرفه ،الامر الذي قد لا يبدو حقيقيًا في واقع الامر في بلدنا ، والأمر الثاني أن المصريين وجدوا فيه بديلًا عن الكثير من عاداتهم التقليديه بل والأصيله مثل الزيارات الإجتماعيه والتسوق وممارسة الرياضه وجلسات السمر وغيرهم .

قديمًا كان الشعر هو ديوان العرب وحافظ ذاكرته ، وكانت النقوش على الأحجار في المعابد هي ذاكرة الحضارات الغابره وعلامات إنتصارتها وكبواتها ، الآن الذاكره الجمعيه للبلاد والعباد محفوظه بدقه على شبكة الإنترنت ، فلا مجال للتزوير أوالتحريف أوالطمس أوالمدارة ، فقط ما عليك سوى أن تعود لجوجل لينفض لك أسراره كلها .

في عالم لم تعد فيه "أسرار" عصية على الكشف ، ولا "علم "بعيد المنال ، ولا "فكرة شاردة "طواها النسيان ولا"خبر "في حال مخاض إلا وأنكشفت سؤته للناس ، كان أولى بنا أن نكون في صدارة العالم "معرفيًا " ، بإعتبار ما لنا من مكانه في عالم مستخدمي الإنترنت لكنًا لم نفعل ، لا لأننا تكاسلنا عن فعل ذلك ، ولكن لأننا لم نحسن إستخدامه ، ولأننا لم نبلغ من الغاية وراء البحث إلا توافه الأمور ، فتقلصت المعرفه الحقيقيه وعَلَتْ جرأة الجهل . حتى أن أحدنا قد يبوح جهرًا بخطأ بواح ، فلا يرده عنه بحث دؤوب ولا تدقيق مضني ، فبات لزامًا أن نصيح بوجهه ( أرجوك ، جوجل .. ثم تكلم ) .





المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط