الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجيش وكسر الاحتكارات


إيمانى التام بالدولة المدنية، وبمميزات الحكم المدنى بالمقارنة بأى حكم عسكرى لا يتعارض مع إعجابى بدور الجيش فى كسر الاحتكارات، خاصة فى مجال السلع الأساسية، فلم يعد سرًا أن معظم السلع الاستراتيجية المستوردة فى مصر كانت حكرًا على عدد محدود من الأشخاص لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، وبعض هذه السلع كانت حكرًا على عائلات بعينها، وذلك منذ أن بدأ الرئيس السادات – رحمه الله – رحلة الانفتاح الاقتصادى وحتى يومنا هذا.

ولذا فإن دخول مؤسسة الجيش كلاعب رئيسى فى هذا الملف كسر إلى حد ما بعض هذه الاحتكارات، فحتى الآن دور الجيش هو دور إيجابى طالما ظل الجيش أحد المستوردين وليس المستورد الوحيد، وهو دور ربما تكون الظروف هى التى فرضته، فلو كان لدينا جهاز تجارة مدنى قوى وفعال لما احتجنا إلى تدخل عسكرى، ولو كان لدينا جهاز رقابى حقيقى على الأسواق، لما اضطررنا إلى اللجوء إلى دور للجيش أو دور للشرطة أو دور للمخابرات فى ملف توافر السلع الأساسية.

فهذا الدور منبع قوته فى كسر الاحتكارات يأتى من قوة الجيش التى لا يستطيع الفساد الوقوف أمامها، فعلى سبيل المثال يستطيع أى مستورد أن يتعاقد على شراء صفقة عجول حية أو مذبوحة ولكنه لا يستطيع إدخالها بدون رضاء محتكرى وارادات اللحوم، فأصغر موظف فى الميناء يستطيع بجرة قلم ذبح المستورد الجديد برفضه دخول الشحنة لأى سبب من الأسباب، وقس على ذلك القمح والذرة والسكر وغيرها من السلع الأساسية، وهو شيء لا يجرؤ أحد على فعله مع صفقات الجيش، فهى محصنة ضد فساد الكبار قبل الصغار.

ولذا فإن دخول الجيش كلاعب خلق نوعا من التوازن فى الأسواق فى مجال السلع الأساسية التى كانت حكرًا على عائلات بعينها، وساهم فى إبطاء الارتفاعات المتتالية فى أسعار هذه السلع، ولولا دور واردات الجيش لتضاعفت أسعار العديد منها، وهو ما جعل الجيش فى مرمى نيران بعض المحتكرين، وتحولت بعض مواقع التواصل الاجتماعى لساحات حرب فى صور ساخرة، وللأسف البعض يردد بوستات السخرية من هذا الدور دون أن يرى ما وراءه.

وهذا لا يعنى أن الجيش عليه أن يتحمل عبء محاولة خلق نوع من التوازن فى الاسواق للأبد، أو أن هذا هو دوره الرئيسى، فهو دور مؤقت، أعتقد أنه سيتراجع عندما يصبح لدينا سوق مفتوحة للجميع بصدق، وليس سوقا مفتوحة أمام عائلات بعينها، وإن كنت أخشى أن تتعالى أصوات فى داخل المؤسسة العسكرية تطالب باستمراره كنوع من الحماية للمواطنين من جشع المحتكرينن لأن ذلك سوف يضعف السوق المصرية ويجعلها غير جاذبة للاستثمار.

ولذا على الحكومة والرئيس بصفة خاصة الإسراع فى تنقية قوانين وإجراءات الاستيراد من ناحية، ووضع آلية فعالة للرقابة على الأسواق من ناحية أخرى، بحيث يتم ضبط الأسواق والقضاء على الاحتكارات أو على الأقل تحجيمها بما يسمح بتخفيف العبء عن الجيش فى هذا الملف، وإن كان لابد من استمرار الجيش كلاعب رئيسى فليكن عن طريق كيان مستقل تابع للجيش تتم إدارته بحرفية وطبقًا لقواعد السوق، وليقتصر على المشاركة فى سوق استيراد اللحوم والسكر والقمح والذرة والأدوية الأساسية وهى السلع الأساسية للمواطنين.

كما أرى أن يقتصر دوره على الاستيراد بصورة أساسية، أما البيع المباشر للمواطنين والتوزيع والدعاية وغيرها من أوجه التجارة الداخلية، فتكون مفتوحة أمام جميع الشركات التى تعمل فى كل مجال، مع وضع الجيش تسعيرة جبرية لكل سلعة يستوردها يتضمن هامش ربح محددا للموزع أو التاجر، فذلك سوف ينشط القطاع التجارى المنضبط ويحد من العشوائية، ويوفر السلع بسعر تنافسى فى الأسواق، ويضيف فرص عمل جديدة ودائمة للشباب.

أعلم جيدًا أنه ليس دور الجيش الرئيسى العمل بالتجارة لمجرد التجارة، ولكننى أعلم جيدًا أيضًا أنه بات على الجيش اليوم العمل بالتجارة بصورة مؤقتة لحين ضبط الأسواق وكسر الاحتكارات وتوفير السلع الأساسية بأسعار يستطيع المواطن البسيط تحملهان فحماية البطون الجائعة من جشع المحتكرين فى الداخل باتت مثل حماية الأرواح من المتربصين بها فى الخارج.. وللحديث بقية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط