الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجنيه بين الدولار واليوان


تابعت مثل غيرى الأخبار المتداولة حول عزم مصر تحصيل رسوم عبور قناة السويس باليوان الصيني، وكذلك ما أعلنت عنه المملكة العربية السعودية من أتفاق تجارى مع الصين لاستخدام اليوان والريال في تعاملاتهما التجارية بدلًا من الدولار كعملة دولية، فلماذا الآن؟ ومن الرابح ومن الخاسر ؟

وبعيدًا عن السرد التاريخي المعروف فأن الدولار كان قبل عام 1973 يمكن لأى دولة ان تستبدله من أمريكا بالذهب، وذلك على أساس ان أوقية الذهب تساوى 35 دولارًا، وهو ما جعل الدول تحتفظ بالدولار وكأنها تحتفظ بالذهب، وكل دولة تعتبر الدولار الذى لديها كغطاء الذهب عند طباعة عملتها .

وبعد أن قامت فرنسا بطلب استبدال مائة وتسعون مليونًا من الدولارات التي لديها بالذهب من الولايات المتحدة الأمريكية، صدم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون العالم بإعلانه وقتها أنه لم يعد بمقدور أي دولة في العالم استبدال الدولار الورقي الذى لديها بالذهب الذى كان متفق عليه في ثلاثينات القرن الماضي، وهو ما عرف مجازًا آن ذاك بصدمة نيكسون .

ومنذ ذلك التاريخ لم يعد الذهب غطاء للدولار في العالم، بل صار سلعة تباع مستقلة طبقًا للعرض والطلب، وقتها زادت قيمة الاوقية الذهبية أربعون ضعفًا، وبالتبعية انخفضت قيمة الدولار أربعون ضعفًا، ولأن العالم لم يكن لديه بديل سوى الاستمرار في اعتماد الدولار عملة دولية يقوم على أساسها بحساب قيمة أي عملة أخرى، فلم يكن هناك بديل عن اتفاق كل دول العالم سواء برضا أو بعدم رضا على استمرار العمل بالدولار كعملة دولية وحيدة في العالم .

وهذا الوضع جعل الولايات المتحدة تتحكم في معظم أوراق سوق النقد العالمي، وصارت بيانات الخزانة الأمريكية، وبيانات الاقتصاد الأمريكي سواء نمو أو تباطؤ، وبيانات وحتى توقعات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة هي محل اهتمام البنوك المركزية في كل دول العالم دون استثناء، بسبب ارتباط كل العملات العالمية بالدولار، تلك الورقة الخضراء التي زيادة قيمتها أو نقصانها، ترفع أو تخفض من اقتصاد أي دولة في العالم .

ولذا فأن السعودية عندما قررت التعامل تجاريًا مع الصين بالريال واليوان، لم يكن ذلك الا نوعًا من الاحتجاج السياسي على القانون الأمريكي الاخير الذى سمح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية كدولة، والسعودية والصين قبلا الاستغناء عن الدولار في تعاملاتهم التجارية لأن كلا الدولتين لن تتضرر احتياطاتهم من الدولار في شيء، لأن الميزان التجاري لا يميل لصالح أي دولة منهما على حساب الاخرى، لتساوى الواردات مع الصادرات في كلا الدولتين، ولذا فأن هذا التبادل النقدي سيكون أقرب إلى نظام المقايضة السلعية، نفط سعودي في مقابل منتجات صينية تامة الصنع بنفس القيمة .

أما بالنسبة لمصر فأعتقد ان الخطوة هي رمزية لا أكثر ولا أقل لعدة أسباب، أهمها ان الميزان التجاري يميل بشدة نحو الصين، فالصادرات المصرية إلى الصين لا تكاد تذكر بالمقارنة بالصادرات الصينية إلى مصر، وهى صادرات ليس من بينها السلع الاساسية كالقمح والسكر واللحوم والزيوت، وحاجة مصر إلى الدولار أكبر من حاجتها إلى اليوان .

ولذا فأن مصر ستكون مضطرة في النهاية إلى استبدال اليوان الذى لديها بالدولار لتمويل مشتريات السلع الاساسية، وهذا الاستبدال سيكون على أساس سعر صرف الدولار أمام اليوان، والصين سوف تقوم باستبدال الجنيه الذى لديها بالدولار على أساس سعر صرف الدولار أمام الجنيه، ففي النهاية الدولار سيكون هو عملة التقييم لكلًا من الجنيه المصري واليوان الصيني .

أضف إلى ذلك ان الصين هي أكثر دول العالم حرصًا على قيمة الدولار لأنها تمتلك تريليونات الدولارات الأمريكية كاحتياطي نقدى لديها، وأي نقص في قيمة الدولار مهما كان طفيفًا يمثل خسارة فادحة لها، بالإضافة إلى كونها أكبر دائن للولايات المتحدة في العالم، ومن مصلحتها بقاء الدولار مرتفعًا بالمقارنة باليوان، كي تضمن قيمة احتياطاتها الدولارية وتضمن تنافسية سلعها في السوق الأمريكي في ظل ميل الميزان التجاري مع أمريكا لصالحها .

بكل تأكيد خطوة السعودية لاستخدام اليوان، وخطوة مصر كذلك لن تمر على الادارة الأمريكية بسهولة، فهي خطوة وان كانت غير مؤثرة على سوق النقد العالمي الذى يتربع الدولار على عرشه، الا أنها تمثل رسالة احتجاج عملية على رفض نظامي الحكم في كلا الدولتين للتوجهات الأمريكية، وقد تشجع دول أخرى على السير في نفس الطريق مما قد يربك كل الحسابات المستقرة منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وأعتقد ان الولايات المتحدة الأمريكية لن تقف مكتوفي الأيدي وهى تشاهد تهديد مباشر لنظام مالي فرضته على العالم، مهما كان هذا التهديد صغيرًا أو غير مؤثر .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط