ساتيا جراها

"أرغب في المشاركة في حملة المقاومة المدنية التي بدأها "المؤتمر" من أجل استقلال الهند. وأنا مستعد لتحمل السجن وجميع أنواع العقوبات والآلام التي قد تصيبني خلال الحملة".
كان هذا هو نص القسم الذي كان يقسم به آلاف الهنود في الحادي عشر من مارس عام 1930 في مدينة "أحمد أباد" في اجتماع المؤتمر الهندي الذي نظمه المهاتما غاندي والذي هتف فيه الحاضرون جميعًا "ساتياجراها.. ساتياجراها".
وساتياجراها تعني "التعلق بالحقيقة"، وكانت هي فلسفة غاندي التي قادته وشعبه إلى التحرر من الأسر البريطاني في أبلغ معانيه وهو أسر الإرادة. لقد خاض غاندي وخاضت معه الأمة الهندية بأسرها رحلة كفاح طويلة ضد الاستعمار البريطاني في الهند وضد أسر الإرادة.
لقد أسهم غاندي بشكل فعال في تطوير نظرية المقاومة، حتى أوجد شكلا" جديدا" للعلاقة التي تربط السبب بالنتيجة والوسيلة بالغاية والفرد بالجماعة، ولم تكن المقاطعة التي شق لها غاندي طريقا في تاريخ المقاومة في الهند، وسيلة للتأثير على اقتصاد الدولة العظمى – بريطانيا – فحسب - وإن كانت قد أسهمت بشكل فعال في تخفيض العائد السنوي الذي كان يدره قانون حصر صناعة الملح على الحكومة البريطانية بمعدل كبير تخسره بريطانيا نتيجة المقاطعة - ولكن كانت المقاومة والتي تمثلت في مسيرة لمسافة أربعمائة كيلو متر حتى الوصول إلى شاطئ البحر لتصنيع الملح هناك بشكل رمزي، كانت تعبيرا عن المقاومة الإيجابية لاضطهاد المستعمر وسيطرته واحتكاره لموارد البلاد، وإبان حالة رفض كان يتحتم على المواطنين الأحرار التعبير عنها بأي صورة، وهنا كانت المقاطعة غاية وتلاحمت مع الوسيلة أو بمعنى آخر "كانت الوسيلة ذاتها غاية في حال مخاض".
كانت ساتياجراها بمثابة وسيلة لإبداع الغايات أو غاية انتهت إليها كل الوسائل المبدعة، ذاك أن غاندي كان دائما ما ينادي فيها بانصهار الفرد في ذات المجتمع الكبير وذوبانه فيه حتى يصبح العمل الفردي نواة حقيقية ومؤثرة في العمل الجماعي ويكون العمل الجماعي محصلة تأثيرات ملتحمة لعمل أفراد شتى.
وعندما تزعم غاندي - في ملحمة كفاحه ضد الاستعمار - آلاف الهنود في "الصوم حتى الموت" ليوقف به النزيف الدموي القائم آنذاك بين المسلمين والهندوس في كلكتا عام 1947، اضطلع وقتذاك بإيجاد تعريف جديد للألم، والذي تحمله المضربون عن الطعام حتى تم إيقاف العنف بين الطرفين وأُخمدت نيران الفتنة بين أفراد الشعب الواحد في مرحلة أراد فيها غاندي أن تتلاحم كل فئات ومذاهب الأمة الهندية من أجل قضية التحرير، وقال كلمته الشهيرة: "يجب ألا نعطي البريطانيين الفرصة ليقسمونا إلى مسلمين وهندوس"، وكما كان ألم الجوع وسيلة لوقف العنف كان غاية في حد ذاته للتحرر من مطالب الجسد وكان "تضحية تزيد ثروة العالم الأخلاقية"، على حد تعبيره.
تلك كانت فلسفة غاندي في المقاومة، فلسفة قائمة أساسًا على البحث عن الفرص البديلة وعن الطاقة الكامنة لدى الشعب الهندي، قائمة على توحيد الأمه بأطيافها ومعتقداتها المختلفة والمتنوعة، قائمة على تبني نموذج تنموي مغاير عن التقليدي ومتسق مع إمكانات الأمة وقدراتها ومقدراتها.
استطاع غاندي - الذي درس القانون في بريطانيا - أن يطوع علمه وأفكاره وتدينه في خدمة الهند وفي وضع الهند على طريق الحرية وإنهاء سياسات التبعية والاحتكار، كما نادى بضرورة الاعتماد على النفس اقتصاديا، وسخر في سبيل ذلك كل ما لدى الهندي من طاقات، كما نمى عنده الشعور بالمسئولية، وبأهمية أن تتوارى الذات الفردية خلف روح الجماعة.
يقول غاندي: "الطريقة الأفضل لأن تجد نفسك، هي أن تضيع في خدمة الآخرين"، ويقول: "المجد يكمن في محاولة الشخص الوصول إلى هدف.. وليس عند الوصول إليه".