الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإدارة بالانتقام .. أخطر إفرازات الربيع المزعوم


التحول الديمقراطى والتغيير الإيجابى فى المجتمعات المتحضرة ، يقوم على أساس الاعتراف بما هو جيد ، حتى ولو كان من بناء الماضى ، الذى يواجه رغبات التغيير ، فالبناء فى عقيدة تلك المجتمعات لايقوم على أساس نسف الماضى بكل ما له وما عليه ، وإنما يتم على أساس التكامل والاستمرار فى العطاء، وتعلية ما هو قائم بالفعل.

غير أن تلك النظرة غابت وبشكل واضح عن كثير من الحركات والتنظيمات والإدارات التى ظهرت فى دول ما يسمى بالربيع العربى ، وللأسف منها إدارات نظامية رسمية.

ففى تلك الدول التى أصابها الربيع المزعوم ، واجهت ما يطلق عليهم البعض "النخب" ، فى مختلف المجالات، إشكالية خطيرة بدت واضحة فى أنها تنظر إلى محاولات التغيير بنظرة نرجسية ، يغلب عليها طابع الانتقام من كل ما هو سابق عليها ،وهو أمر لا يعكس بحال من الأحوال الرغبة الحقيقية فى التحول الديمقراطى ، بقدر ما يعكس مدى الهرولة وراء المصالح الخاصة ، والرغبة فى بناء مجد مزعوم.

ظهر ذلك فى كل الدول ومنها بلادى مصر، التى شهدت وبعد أحداث يناير من العام 2011 حالة من الإدارة بنظام الانتقام من كل ما هو قديم ، وتجلى ذلك فى إلغاء الدستور وما ترتب عليه من قوانين ، رغم صلاحيتها لما بعد الأحداث التى تعرضت لها الدولة المصرية ، غير أن حالة الانتقام واتباع نظام إدارة قائم على تلك الفكرة ، جعل الذين يتحكمون فى صنع القرار العام ، وذلك على المستويين الرسمى والمدنى ، يفقدون قدرتهم على الإدارة ، بعد أن أثبتت التجربة عجزهم عن صنع دستور أو قوانين بديلة ، وهو ما يفسر أسباب وجود تعارض بين القوانين بعضها البعض من ناحية ، وبينها وبين الدستور من ناحية أخرى.

ومن أسف أن ذلك النظام وهو الإدارة بالانتقام ، امتد إلى التنظيمات النقابية أيضا ، التى تعرضت إلى حالة من الانقسام الواضح بين أعضائها ، الأمر الذى أدى إلى خروجها عن الإطار الخدمى ، ودخولها فى مناطق ليست من اختصاصاتها.

نسى البعض أو تناسى ، أن ما تم بناؤه فى الماضى ليس نتاج جهود رئيس أو حكومة ، وإنما هو نتاج لعمل رؤساء وحكومات متتالية ، ومن ثم لا يمكن لأى نظام أن يستطيع تفوير ما هو قائم لاستحداث نظام بديل ، وهذا ما سبق وأن حذرنا منه مرارا وتكرارا.

الإدارة بنظام الانتقام مصيرها الفشل ، وسوف تعود على أصحابها بنائج وخيمة ، غير أن تأثرهم بها ، لن يكون أكثر ضررا من تأثر المجتمع والدولة بها ، وهو ما يعنى أن انتهاج ذلك الأسلوب من شأنه أن يصيب البلاد والعباد بمشاكل خطيرة يصعب حصرها ، أو البحث عن حلول لها ، وهو الأمر الذى تكشفه الأوضاع فى كثير من قطاعات وأجهزة الدولة ، وكذلك التنظيمات المدنية ، وفى المقدمة منها النقابات المهنية ، بجانب ذلك كله الأحزاب السياسية التى من المفترض فيها أنها تمثل ركيزة أساسية من ركائز البناء السياسى الديمقراطى لأى دولة.

ولم يتبق من ذلك الربيع المزعوم ، وبفعل الإدارة بالانتقام، إلا أنصاف الحلول ، وفى أحيان كثيرة غيابها التام ، لتبقى الأوضاع أسوأ مما كانت عليه فى الماضى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط