الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جمعية « الحمير » .. تطلب أعضاء جددا !!


سنوات طوال تزيد على الثلاثين عاما كنت وقتها في مكتب اللواء جمال ربيع، رئيس حزب مصر العربي، والتقيت هناك بشخصية لفتت انتباهي بشدة .. دكتور متحدث لبق يجذبك بحديثه .. وأثناء الحوار اكتشفت أنه عضو في جمعية تسمى "جمعية الحمير المصرية" .. وبالطبع فقد أثار هذا الاسم الغريب فضولي ودهشتي، وبالبحث توصلت إلى أنها جمعية مصرية تتخذ من الحمار رمزا وقدوة وشعارا لها نظرا لما يتميز به من قوة التحمل والصبر، ولأنه من الحيوانات المظلومة التي يقع عليها عبء خدمة البشر ليل نهار.

والأهم في الأمر أن البشر في النهاية ليسوا إلا مجرد حمير أو أنهم حتى لا يرتقون لمرتبة الحمير ويكفي أن "الحمير" يقضون حياتهم في خدمة البشر!

عند الالتحاق بالجمعية يحصل العضو على لقب "حرحور" أي حمار صغير، ويمكن أن يحصل على لقب جحش ثم يتم ترقيته إلى لقب حمار ثان ثم حمار أول.. وهكذا !!

الغريب أن هذه الجمعية تضم في عضويتها شخصيات لامعة ومعروفة كان من ضمنها وزير سابق وكتاب وأطباء معروفين... وبالبحث في تاريخ الجمعية اكتشفت أنها جمعية ذات تاريخ عريق أسسها الفنان زكي طليمات منذ حوالي ثمانين عاما بعد تأسيسه لمعهد التمثيل عام 1930 والذي أغلقه الاحتلال الإنجليزي لأهداف سياسية فرد على غلق المعهد بتأسيس جمعية الحمير المصرية مع عدد من المثقفين والفنانين.

وكان تأسيس الجمعية مجرد رد فعل على استجابة الملك لضغوط الإنجليز لغلق المعهد حتى لايتم تمصير المسرح فيتعلم المصريون فنونا جديدة تزيد الوعي السياسي وتكون خطرا على الحكم والملك عندما يتحدث الشعب عن الفساد!

ومن هنا جاءت فكرة تأسيس الجمعية واختار طليمات الحمار لما يتميز به من صبر وقوة تحمل وشاركه في تأسيس الجمعية شكري راغب مدير دار الأوبرا المصرية لتصبح بذلك أول جمعية للحمير في مصر تجمع كتابا ومفكرين وفنانين تحت شعار الحمار.

وكان من أبرز رموز الجمعية طه حسين وعباس العقاد .. ثم نادية لطفي بعد ذلك حتى وصل عدد أعضائها إلى30 ألف عضو من المصريين!

والغريب أن هناك أعضاء ظلوا طيلة حياتهم في عضوية الجمعية يحملون لقب جحش أو حرحور لتبقى صفته عضوا عاديا .. أما لقب (حامل بردعة) وهو (الحمار الكبير) فلم يحصل عليه سوى ثلاثة أعضاء هم زكي طليمات وشكري راغب والمرسي خفاجي.

وكانت الجمعية على وشك الإغلاق عام 1986 عند وفاة آخر أعضائها المؤسسين الفنان الكبير السيد بدير ولم ينقذها من الإغلاق سوى جهود وزير الصحة المصري الأسبق محمود محفوظ فاستمرت الجمعية في نشاطها الذي لا أدري هل هو مستمر حتى الآن أم أن الحمير قد يأست من البشر فأغلقت الجمعية ...

جمعية الحمير التي يبدو أنها كانت تضم خيرة المثقفين في مصر والذين لم يجدوا ملاذا لهم بين البشر ووجدوه في جمعية الحمير التي استوعبتهم واحتضنتهم بعد أن وجدوا في الحمار ملاذا آمنا من الدنيا وما فيها .. واستمروا سنوات طوال يمارسون نشاطهم ويستلهمون عزيمة الحمار وقوة تحمله ويخاطبون بعضهم البعض بلغة حمارية بحتة فينهقون على بعضهم البعض بدلا من مناداتهم لبعضهم ويقيمون حفلات النهيق بدلا من حفلات الموسيقى والغناء!!

ويبدو أن السادة أعضاء الجمعية قد سئموا وملوا ويأسوا من حياة البشر فلم يجدوا مكانا لهم إلا مع الحمير وعزيمتهم وقوة تحملهم لأذى البشر وغبائهم فتركوا لهم العالم كله وانفردوا بأنفسهم مع الحمار رمزا ومنهجا لحياتهم!

والآن وفي ظل كل ما يحدث في مصر من فتن وعبث وفوضى باسم الحرية مرة وباسم الديمقراطية مرة والهجوم على جيش مصر مرة وعلى الشرطة مرات .. ووصف المعارك التي تقع في سيناء بأنها فيلم هابط مرة .. وأن التفجيرات التي يقع بسببها الشهداء هي من تدبير أمن الدولة.

وأن مصر تحارب في سيناء ليتم تفريغها من أهلها حتى تسلمها مصر لليهود خالية .. وأن الثورة مستمرة والاستقرار مرفوض مرفوض مرفوض.. وأن العمل هو من خزعبلات وموروثات العصور الوسطى والبلطجة هي الحل وهي الطريق الأسهل لجمع المال .. مع كل هذا وأكثر أليس الوقت مناسبا إحياء جمعية ال "حمير" المصرية لتمارس نشاطها في النهيق مع كامل احترامي للحمير وللمثقفين الذين أسسوا الجمعية في البدايات الأولى لأهداف وطنية خالصة..

وهل لو كانت الجمعية موجودة فهل كانت عضويتها ستقتصر على كبار الكتاب والمفكرين والفنانين .. وهل كانت الجمعية ستقبل في عضويتها خبراء الفيس بوك وتويتر الذين يجيدون "الفتي" والرغي في كل كبيرة وصغيرة ويتميزون بالخبرة العسكرية والاستراتيجية الكبيرة التي تؤهلهم لعملية " الفتي "بلا توقف حتى أثناء النوم.

وهل كانت الحمير ستقبل إعلاميين وفضائيين من أهل الفضائيات أحالوا حياة المصريين إلى النكد وأشعلوا حياتهم نارا وحولوها لسواد مستمر.

وهل كانت الجمعية ستقبل في عضويتها رجال الأحزاب المصرية الفارغة من المضمون والمعنى والتي تحولت لدكاكين سياسية تمارس التجارة الحزبية بالمواطن الغلبان ؟

هل كانت الجمعية ستقبل كتابا وفنانين حولوا الفن الراقي إلى جنس وابتذال ومسخرة باسم الفن وحرية الرأي والتعبير؟؟

أنا شخصيا أعتقد أننا في حاجة ماسة لإحياء جمعية الحمير المصرية وأعدكم أن أكون أول المنضمين لها هربا من واقع مرير نعيشه من أشخاص حولوا حياة المصريين إلى جحيم .. وإن كنت أعتقد أن الجمعية لن تعود للوجود مرة أخرى في عصرنا الحاضر لسبب بسيط جدا هو أن الحمير نفسها زهقت وقفلت الجمعية وعلقت لافتة مكتوب عليها "مغلق لعدم وجود حمير" فالحمار الذي تشبه به كتابنا ومفكرونا سابقا انتحر يأسا من البشر!!!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط