الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فهل نسيطر على الأسواق ؟؟


بادئ ذي بدء نؤكد ونشدد على أننا نتفق تماما مع كل الإجراءات التي تتم لإصلاح الاقتصاد المصري الذي وصل لمرحلة الانهيار الفعلي ولو لم يتم التدخل الجراحي العاجل فالنهاية ستكون سريعة وحتمية وموجعة للجميع.

ونعترف أن الإجراءات الإصلاحية هي ضرورة كان من المحتم أن يتم تطبيقها منذ زمن وأن التأخير في تطبيقها هو ما أوصلنا لما نحن فيه الآن من أزمات يعاني منها الجميع إلا قليلا من بعض الطبقات التي لاتهتم لزيادة في الأسعار أو لمعاناة الفقير أو حتى معاناة الطبقة المتوسطة التي أصبحت مهددة بالانهيار بل بدأت فعلا في الانهيار.

ولكن .. فاتورة الإصلاح التي نقول عنها إنها الدواء المر الذي يجب أن يتعاطاه المريض ليشفى لابد أن تكون للجميع وليس لفئة على حساب أخرى .. فالبعض يقول إن الزيادات الأحيرة للبنزين لن تؤثر على محدود الدخل وهو بالحرف الواحد تصريح السيد رئيس الوزراء .. بل إنه زاد في تصريحاته المتفائلة وأكد أن هذه الإجراءات تصب في مصلحة محدود الدخل .. وأكد نفس الكلام تصريحات أخرى لوزير المالية.
 
وأنا شخصيا لا أشك في تصريحات المسئولين على اختلاف مناصبهم وأثق تماما في صحة الإجراءات بل وأؤكد للمرة الثانية أنها تأخرت كثيرا وكان من المفترض أن يتم تطبيقها في عهد السادات عندما أقر بعض الزيادات الطفيفة فخرج عليه الشعب فيما سماه انتفاضة الحرامية في 18 و19 يناير .. ولو بدأ الإصلاح من وقتها لما وصلنا لهذه الحالة من السوء الآن.

إذن ما المشكلة ؟ المشكلة هنا أن كل فواتير الإصلاح لايتحملها إلا محدود الدخل الذي قال عنه رئيس الوزراء إنه لن يتأثر وإن كل ما يحدث يصب في صالحه .. والأمر ببساطة أن زبادة البنزين كسلعة في حد ذاتها ليست مشكلة ولكن التوابع في زيادة جميع السلع بلا استثناء تبعا لزيادة البنزين فالميكروباصات والسلع الغذائية على اختلافها واللحوم والدواجن وحتى الجرجير والبقدونس كلها تتم زيادتها من قبل التجار وبشكل عشوائي.
 
ومع إيماننا الكامل بضرورة بدء الإصلاح الاقتصادي فمن الضروري أيضا أن تكون هناك إجراءات أخرى تتم جنبا إلى جنب مع هذه الإجراءات .. أهمها وأخطرها على الإطلاق أن تكون هناك رقابة مشددة على الأسواق وعلى جميع التجار الذين يستغلون أي أزمة لتحقيق فائض من الأرباح على حساب الغلابة ومن دم الفقراء.

فلا تكاد تظهر أي زيادة في المرتبات أو إعلان عن علاوة أو ما شابه إلا وتكون في جيوب التجار المستغلين حتى قبل أن تصل لجيوب المواطنين .. والسبب في ذلك هو حجة الدولة أنها تطبق اقتصاديات السوق .. ولذلك فلا توجد تسعيرة جبرية ولا توجد رقابة على الأسواق ولا توجد أي سيطرة من الأساس على أي سلعة حتى السلع التي تتحكم فيها الدولة ويكون الإجراء الوحيد الذي تتخذه الدولة هو عرض السلع في المجمعات الاستهلاكية أو طرحها في سيارات بأسعار أقل من الموجود لدى التجار .. وبالطبع ليس هذا هو الحل كما صرح السيد رئيس الوزراء أيضا عندما قال إنه سيتم طرح المزيد من السلع في الأسواق لمواجهة ارتفاع الأسعار ..!!

هل هذا هو الحل لمواجهة جشع التجار ؟؟ لا أعتقد .. فالحل الوحيد هو أن تسيطر الدولة على الأسواق بيد من حديد .. فلا تسمح لتاجر باستغلال الأزمة ورفع السعر على هواه .. ولو كان رفع الأسعار جبريا عن طريق الحكومة سعيا لإصلاح اقتصادي نسعى إليه جميعا ونتحمل الصعاب في سبيله فليكن إذن للدولة دورها في مواجهة جشع وطمع فئة غير مسئولة في المجتمع ..

إن نظرة واحدة لمواقف الميكروباص توضح لنا الصورة كاملة .. فبمجرد الإعلان عن رفع أسعار المحروقات نزلت قوات الأمن للمواقف للمراقبة ومنع أي استغلال للمواطنين ولم يحدث أي تجاوز طيلة الفترة التي كانت فيها قوات ومديرو الأمن في الشارع .. وبعدها حدثت الفوضى ..

الشاهد هنا أن وجود الشرطة منع أي تجاوزات أو استغلال من جانب بلطجية الميكروباص ضد المواطنين .. فماذا لو كانت هناك سيطرة وتواجد من الدولة لمتابعة الأسعار في المحلات ولدى التجار الذين رفعوا الأسعار بمجرد الإعلان عن الزيادات .. رغم أن البضائع الموجودة لديهم هي بضائع بالسعر القديم وكانت حجتهم أن التاجر سيشتري بضائع جديدة بالأسعار الجديدة .. أي أن التاجر في النهاية يضع أي زيادة قادمة على عاتق المواطن نفسه دون أن يتحمل هو حتى ثمن شرائها !

والأهم من سيطرة الدولة على الأسواق أن تكون هناك إجراءات أخرى تضمن أن يتحمل الأثرياء في مصر نصيبهم من فاتورة الإصلاح بعد أن حققوا المكاسب طيلة سنوات مضت .. حتى يتحول تصريح السيد رئيس الوزراء إلى حقيقة وتكون الإجراءات الإصلاحية في صالح المواطن الغلبان وليس ضده لأنه للأسف هو الوحيد الذي يتحمل فاتورة الإصلاح وليس سواه !

بالمناسبة أيضا كل من يتحدث الآن عن المواطن الغلبان تخرج عليه كتائب الفيس بوك وتويتر تتهمه بالخيانة والعمالة والانقلاب على الوطن .. وظهروا علينا بمصطلح جديد هو " النكسجية الجدد " لمجرد الدفاع عن الغلابة رغم أنه من المفروض أن الجميع يعمل لصالح هذا المواطن الغلبان وليس أحد آخر .. وفي انتظار شتائم وهجوم من كنا نلازمهم ونرافقهم في خندق المواجهة ضد الإرهاب وضد النكسجية فوصلنا لمرحلة تبادل الاتهامات بالعمالة والخيانة لمجرد الحديث عن الغلابة ..!!

مرة أخرى نؤكد أن أي إصلاحات لن يكون لها أي نتائج إيجابية مالم تسيطر الدولة على الأسواق مع تطبيق إجراءات أخرى جنبا إلى جنب مع القرارات الأخيرة .. والسلام ختام !
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط