الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا تحارب الصهيونية مشيرة خطاب.. اسألوا غالي وحسني


لا يوجد تفسير آخر لتوقيت إعلان الولايات المتحدة عن قرارها بالانسحاب من منظمة اليونسكو، إلا أنه وسيلة ضغط على دول المنظمة لوقف التقدم الذي تحرزه مرشحة مصر ، السفيرة مشيرة خطاب، في السباق لمنصب مدير عام اليونسكو . فقد جاء قرار أمريكا أمس الخميس بالانسحاب من اليونسكو تزامنا مع نجاح المرشحة المصرية في رفع حصيلتها من عدد عدد الأصوات في الجولة الرابعة للتصويت إلى 18 صوتا لتتساوى بذلك مع المرشحة الفرنسية ، أودراي أزولاي ، التي تحتضن بلادها مقر اليونسكو . و من المقرر أن يشهد ظهر اليوم ،الجمعة، جولة حاسمة بين السفيرة خطاب و أزولاي ، على يتقابل على ضوئها الفائز منهما في مساء نفس اليوم في الجولة الخامسة و الأخيرة مع المرشح القطري ، أحمد الكواري الذي حصل في الجولة الرابعة على المركز الأول ب 22 صوتا . و لا يمكن أن يفسر القرار على أنه ضد المرشح القطري لأنه تفوق على الجميع في الجولات الثلاث الأولى دون أن تعلن الولايات المتحدة عن عزمها الانسحاب من المنظمة بحلول 2018 .

من يريد أن يعرف لماذا تتخذ الولايات المتحدة هذا الموقف المعادي من السفيرة مشيرة خطاب لمنعها من الفوز بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو ، أحد أهم المنظمات الدولية في العالم رغم ما تمتلكه المرشحة المصرية من كفاءة و إمكانيات ، تتخطى بكثير كل منافسيها بما فهم مرشح قطر، عليه أن يتعلم الدروس من المؤامرتين اللتين تعرض لهما الدكتور بطرس بطرس غالي ، الأمين العام السابق للأمم المتحدة ، و فاروق حسني وزير الثقافة المصري السابق .

فمن يستخلص الدروس من عدم نجاح بطرس غالي من الفوز بفترة ثانية على رأس الأمم المتحدة، و عدم تمكين فاروق حسني من الفوز بمنصب مدير عام اليونسكو سيدرك بشكل تام ، أن اللوبي الصهيوني بما يملكه من ثقل و نفوذ خاصة على الولايات المتحدة ، لن يسمح لمرشح مصري بتولي منصب سياسي دولي كبير بعد تجربة الدكتور بطرس غالي على رأس منظمة الأمم المتحدة .

و لكي نعرف لماذا لن يسمح لمرشح مصري بأن يتولى منصبا دوليا هاما ، علينا تتبع قصة الدكتور بطرس غالي من أولها فعندما قررت مصر في 1996 ترشيح الدكتور بطرس غالي لفترة ثانية على رأس الأمم المتحدة لمدة 4 سنوات جديدة ، وقفت أمريكا و إسرائيل بشراسة في مواجهة التمديد للدكتور غالي ، على الرغم من أدائه المتميز في فترة ولايته الأولى ، وذلك إنتقاما من قيامه بنشر تقرير عن" مجزرة قانا " حمل إسرائيل مسئولية مقتل 106 من المدنيين من أبناء قرية قانا بجنوب لبنان في 18 إبريل 1996 خلال محاولتهم الفرار من العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، و التي عرفت حينذاك بعملية " عناقيد الغضب " .
وكانت إسرائيل قد حاولت بشتي الطرق عبر الولايات المتحدة الأمريكية ، منع الدكتور بطرس غالي من نشر تقرير" قانا "غير أن الدكتور غالي أصر على موقفه و لم يستطع مخالفة ضميره كمسئول دولي ، و نشر بالفعل التقرير و الذي أصبح على ما يبدو بمثابة حاجزا بين المصريين و بين تولي مناصب دولية ذات صبغة سياسية .و عندما سئلت حينذاك مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية ، التي كانت تشغل في هذا التوقيت منصب ،سفير أمريكا في الأمم المتحدة، عن سبب رفض منح بلادها الدكتور بطرس غالي فترة ثانية على رأس المنظمة الدولية فأجابت بموقفين ، أحدهما علني و الآخر سري . فالموقف العلني بررته بأن الدكتور بطرس غالي كثير السفر ، و عنيد ، و لديه آراء محددة، و الولايات المتحدة تمارس عليه ضغوطا حتى يتماشى مع سياستها و لذلك لا يمكن التعامل معه مجددا . أما الدكتور بطرس غالي فقد كشف عن موقف أولبرايت السري بتصريحات أعلن فيها أن أمريكا طلبت منه بإلحاح عدم نشر تقرير مجزرة قانا بزعم أنه ليس في صالح مصر ، فضلا عن أنه سيضر بموقف شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرئيلي في الإنتخابات الإسرائيلية آنذاك . و هنا لا يمكن إلا أن نتذكر تصريح شيمون بيريز في ذلك التوقيت عندما قال " لقد جرب زعامة مصر لمدة 50 و عليهم أن يجربوا زعامة إسرائيل" التي تعد قطر اليوم أحد أذرعها في المنطقة .
و ما حدث مع الدكتور بطرس غالي، تكرر في 1999 مع فاروق حسني ، وزير الثقافة المصري السابق ، عندما رشحته مصر مديرا عاما لليونسكو ، فعلى الرغم من كفاءة الرجل و بما يمتلكه من إمكانيات و قدرات تلبي كل متطلبات و معايير المنصب ، بما فيها شرط فرنسا الأساسي، دولة مقر اليونسكو ، أن يكون فرانكوفونيا يجيد الفرنسية ، إلا أن المؤامرة أطاحت به في اللحظات الحاسمة من عرش اليونسكو . فعندما تعادل في الجولة الرابعة في الأصوات مع المرشحة المنافسة ، البلغارية ارينا بوكوفا ب 29 صوتا لكل منهما بعد أن تقدم عليها فاروق حسني في الجولات الثلاث الاولى بدأت المؤامرة الصهيو-أمريكية تظهر للعلن بالضغوط على سفراء مختلف الدول بضرورة فوز المرشحة البلغارية . و تشهد غرف و ردهات مقر اليونسكو ،بوسط باريس، كيف كان السفير الأمريكي ، برفقة السفير الإسرائيلي ، يمران على وفود الدول الأعضاء ليحذروهم من غضب أمريكا في حال فوز فاروق حسني لا سيما إمتناع أمريكا عن تسديد حصتها في ميزانية اليونسكو .
و بالفعل أسفرت الضغوط الأمريكية الإسرائيلية عن فوز ارينا بوكوفا بمنصب مدير عام اليونسكو في الجولة الخامسة و الأخيرة بواقع 31 صوتا مقابل 27 لفاروق حسني .
و إذا كانت الدعاية الإسرائيلية العلنية التي إستهدفت فاروق حسني في هذا التوقيت، إنصبت على التصريحات التي كان قد أدلى بها في 2008 ، حين أشار أنه على إستعداد لحرق أي كتب إسرائيلية يثبت وجودها في المكتبات العامة في مصر ، إلا أن هذا التصريح لم يكن سوى حجة تحجج بها الإسرائيليون لإتهام فاروق حسني بمعاداة السامية ، خاصة أنه لم يقل هذا التصريح إلا خلال نقاش محتدم مع أحد نواب الإخوان المسلمين في البرلمان المصري .و في الواقع فإن السبب الرئيسي الذي أثار اللوبي الصهيوني ضد فاروق حسني ، رغم ما عرف عن الرجل من إنفتاح على العالم، و ثقافة عالية، و مدارك واسعة ، هو موقفه من إختطاف السفينة الإيطالية " اكيلي لاورو " . و جرت وقائع ملحمة إختتطاف أكيلي لاورو في أكتوبر 1985 عندما قام 4 فلسطينين من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية بخطف السفينة الإيطالية أكيلي لاورو ، في البحر المتوسط ، بهدف التوجه بها إلى ميناء أشدود الإسرائيلي للقيام بعملية فدائية ضد الميناء بقيادة الفدائي ،محمد أبو العباس . و كانت مصر قد تمكنت من إنهاء عملية الإختطاف بأقل الخسائر، خلال رسو السفينة في ميناء بوسعيد ، حيث لم تسفر العملية سوى عن مقتل راكب واحد فقط لكنه كان أمريكي الجنسية و يهودي الديانة . و قد قررت مصر بعد إنتهاء العملية تسليم الفدائيين لمنظمة التحرير الفلسطينية في مقرها آنذاك في تونس و ذلك على متن طائرة مصرية إعترضتها الطائرات الحربية الأمريكية في الأجواء الدولية و أنتهت بها المطاف في مطار روما . و تضامنت إيطاليا بزعامة رئيس وزراءها آنذاك ، بتينو كراكسي ، مع الرئيس المصري الأسبق ،حسن مبارك، و رفضت الطلب الأمريكي بتسليم الفدائيين الأربعة المتواجدين على متن الطائرة المصرية لمحاكمتهم في أمريكا بتهمة قتل مواطن أمريكي ، مستندة على أن الطائرة المصرية المتواجدة على الأراضي الإيطالية، أصبح لديها الحصانة الدبلوماسية المصرية . و هنا جرت خدعة قامت بها أجهزة المخابرات المصرية ، حيث أعطى المصريون الإنطباع للقوات الأمريكية، و هي تحاصر الطائرة المصرية ، بمطار روما ،بأن الفدائي الرئيسي، محمد أبو العباس، غادر الطائرة و توجه إلى مقر الأكاديمية الثقافية المصرية بروما التي كان يترأسها في هذا التوقيت فاروق حسني . و عندما توجهت القوات أمريكية إلى مقر الأكاديمية المصرية بروما لم تجد محمد أبو العباس أو أحد من الفدائيين الإربعة بعد أن نجحت المخابرات المصرية في خداع القوات الأمريكية بأن الشخص الذي نزل من على متن الطائرة ، هو محمد أبو العباس، في حين كان الذي نزل من الطائرة بديلا لأبو العباس ، تماما مثلما كان يفعل رشدي أباظة في الفيلم الشهير الرجل الثاني . و هنا إعتبرت إسرائيل و أمريكا ، أن فاروق حسني رئيس الأكاديمة المصرية الذي كان قد أعلن عن إستعداد الأكاديمية في روما لأستقبال محمد أبو العباس تمهيدا لتسليمه لمنظمة التحرير الفلسطينة شريكا في مؤامرة تهريب قاتل المواطن الأمريكي الذي كان يدين بالديانة اليهودية و يقال أنه كان يحمل أيضا الجنسية الإسرائيلية، إلى جانب جنسيته الأمريكية .
و السؤال الآن هو إذا كانت الصهيونية العالمية تقف ضد مرشحة مصر، السفيرة مشيرة خطاب، لأن اليونسكو ، هي منظمة تهتم بالحفاظ على التراث العالمي، بما فيها التراث العالمي الديني، ما يعني حماية المقدسات الإسلامية ، و المسيحية ، في القدس من الإحتلال الإسرائيلي ، من منطلق قاعدة أن المصريين وطنيون بفطرتهم ينتمون للقومية العربية مثلما كان الوضع بشأن الدكتور بطرس غالي المسيحي، و فاروق حسني المسلم، إذن لماذا تؤيد الصهيونية العالمية المرشح القطري و هو عربي ؟ الإجابة هي أن المرشح القطري ، أحمد الكواري ، المرشح لمنصب مدير عام اليونسكو ، وعد بأنه في حال فوزه بالمنصب فأنه سيحذف المسجد الأقصى من قائمة التراث الإسلامي، بعد قرار اليونسكو إعتبار المسجد الأقصى تراث إسلامي ، و هو ما يعني تشجيع حملة تهويد القدس بهدف التمهيد لهدم المسجد الأقصى لإقامة الهيكل اليهودي المزعوم مكانه. هذا بالطبع إلى جانب الدور الخسيس الذي تلعبه قطر في مجال تشجيع الإرهاب في العالم العربي في إطار تنفيذ المخطط الذي يستهد ف تفتيت الدول العربية على أسس دينية و عرقية و مذهبية و عشائرية .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط