الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حرب "عمالقة التكنولوجيا" ضد التطرف


أخيرًا، اتفقت شركات "جوجل"و"مايكروسوفت"و"فيسبوك"و"تويتر"على تكثيف الجهود من أجل حذف المحتويات المتطرفة من مواقعها في غضون ساعات من نشرها.

هذا الاتفاق بين عمالقة التكنولوجيا جاء عقب اجتماع استغرق يومين بين ممثلي دول مجموعة السبع، وهذه الشركات، حيث أوضح مسؤولون أن الهدف هو حذف المحتوى "الجهادي"من مواقع الإنترنت في غضون ساعتين من النشر.

شركة "تويتر"وصفت هذه النتائج بأنها مهمة، واعتقد أنها ليست مهمة فقط بل هي خطوة بالغة الأهمية في الحرب ضد التطرف والإرهاب.

التطرف مقدمة للعنف والإرهاب، وعلى المستوى النظري هناك مايعرف بالتطرف، والتطرف العنيف، أي أن مكافحة العنف والإرهاب ينبغي أن يبدأ بالتصدي للفكر المتطرف، أو معالجة الأسباب قبل التعامل مع النتائج.

شخصيًا، اعتبر أن اتفاق عمالقة التكنولوجيا على التصدي للتطرف، ربما يكون أكثر فاعلية من معظم القرارات والاستراتيجيات الدولية التي تسعى لتحقيق هذا الهدف، لو عملت هذه الشركات بالفعل بجدية وصدق على تحقيق هذا الهدف.

العالم الافتراضي هو الساحة الحقيقية للتطرف والإرهاب في موجاته الجديدة، فهو يتخذ من العالم الافتراضي ساحات تجنيد واستقطاب وتدريب إرهابية تحقق له كثير من النتائج المهمة، وقد نجح تنظيم "داعش"بالفعل في بناء ساحة عالمية للدعاية والتجنيد الإرهابي عبر شبكات المعلومات، خصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي، واستطاع من خلالها جذب آلاف الشباب من جنسيات ومناطق جغرافية مختلفة، وهذا الأمر يميز التنظيم عن الجيل السابق من تنظيمات الإرهاب التقليدية وأبرزها "القاعدة".

عقب هذا الاجتماع الذي اعتبره "تاريخيًا"، قال وزير الداخلية الإيطالي، ماركو مينيتتي، أن ما تم الاتفاق عليه "خطوات أولى هامة". كما قالت مجموعة السبع في بيان "نؤكد على التحدي الذي يواجه الصناعة ونحثها... على تطوير حلول للتعرف على وإزالة المحتوى الإرهابي في غضون ساعة أو ساعتين من التحميل، وفق قدرتها التقنية، دون انتهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية".

هذا الاجتماع هو بالفعل ثمرة جهود متواصلة للتصدي للتطرف والتحريض والكراهية عبر العالم الافتراضي من دون الاضرار بهذه الشركات التي تبلغ قيمتها السوقية مئات المليارات من الدولارات، ويكفي أن نعرف أن القيمة السوقية لشركة Alphabet (الشركة الأم لـ “جوجل”) قد بلغت في أوائل العام الجاري نحو 544 مليار دولار أمريكي.

في سبتمبر الماضي، قالت رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، إن على شركات التكنولوجيا أن تتحرك "أكثر وأسرع"على صعيد حذف المحتوى المتطرف، مؤكدة رغبتها في أن يزال هذا النوع من المحتوى خلال ساعتين فقط من تحميله على مواقع تلك الشركات، وقال أندرو باركر، رئيس جهاز "إم آي 5"للاستخبارات البريطانية، إن السماح للمتطرفين بـ"مساحات آمنة على الإنترنت"يزيد من صعوبة رصد التهديدات.

من هنا يبدو أن هذا الاجتماع هو ترجمة للتعاون بين الدول وهذه الشركات العملاقة من أجل الحفاظ على الأمن من دون الاخلال بالقدرات البيعية والتسويقية والاستثمارية لهذه الشركات، التي تمثل عمادًا للاقتصادات الغربية الكبرى، لذا لم يكن مفاجئًا أن تجلس شركات التقنية الأربع الكبرى مع مسؤولي مجموعة السبع (تضم كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وبريطانيا، والولايات المتحدة) للاتفاق على خارطة طريق للمستقبل.

اعتقد أن نجاح شركات التكنولوجيا في صياغة سياسة رقابة على المحتوى للتصدي للتطرف من دون الاخلال بالحريات وحقوق الجمهور سيكون انتصار كبير لأطراف العلاقة جميعًا، الجمهور والشركات والدول، فالتطرف عنصر دخيل على الفضاء التقني، ويعرقل مسيرته نحو التطور والتقدم، لأن استمرار تنظيمات الإرهاب في توظيف التقنيات لمصلحتها ربما يحد من حماس بعض الدول للانخراط في الموجة التكنولوجية والدخول في عالم الفضاء السيبراني خشية التأثيرات الأمنية السلبية، وبالتالي فإن تطهير هذا الفضاء من الفكر المتطرف لا يقل أهمية، بل ربما يفوق، تطهير ساحات المعارك والصراع من المتطرفين والإرهابيين، بالنظر إلى سرعة الانتشار الهائلة للأفكار عبر ساحات الانترنت.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط