الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد بن سلمان يقود ثورة ثانية للنهوض بالسعودية بعد ثورة الملك فيصل


يفسر البعض بشكل خاطئ الإجراءات الأخيرة التي اتخذها ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان ، ضد مجموعة من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين على رأسهم الملياردير، الأمير الوليد بن طلال ، بأنها تندرج في إطار مخطط للإنفراد بالسلطة في السعودية.

لكن من يدرس جيدا شخصية الامير الشاب لن يجد توصيفا آخر لهذه الإجراءات سوى أنها ثورة حقيقية ، تستهدف النهوض بالسعودية في زمن التكنولوجيا وثورة المعلومات وحتمية تنويع مصادر الإقتصاد السعودي بعيدا عن الثروة البترولية .

كما ينبغي تفسيرها أيضا على أنها إجراءات استباقية للحفاظ على المملكة التي تواجه انفجارا سكانيا رهيبا ، حيث من المتوقع في ظل معدلات النمو السكاني الحالية ، أن تتخطى المملكة السعودية ، حاجز المائة مليون نسمة بعد أقل 50 عاما من الآن ، وهي زيادة سكانية من شأنها إلتهام كل عائدات السعودية من تصدير ثروتها البترولية، هذا لو تبقى شيء للتصدير بعد تلبية احتياجات السوق المحلي من الطاقة .

فما قام به الأمير الشاب ، محمد بن سلمان ، ينبغي النظر إليه على أنه ثورة ثانية ، لتحديث المملكة، والنهوض باقتصادها بعيدا عن الثروة البترولية ، والفكر الوهابي المتطرف ، بعد ثورة التحديث الأولى التي قادها عمه الملك الراحل، فيصل بن عبد العزيز عندما أدخل البث التلفزيوني في المملكة سنة 1964 رغم المعارضة الشرسة آنذاك من جانب التيار الوهابي المتشدد لهذا التطوير الذي لقي أيضا رفضا شرسا حتى من بعض أمراء العائلة المالكة.

وكان الملك فيصل ، رحمه الله ، قد دفع حياته ثمنا لقيامه بإنشاء التلفزيون السعودي ، عندما تلقى ثلاث رصاصات أطلقها عليه ابن أخيه ، الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز، في عام 1975 ، انتقاما لشقيقه الأكبر، الأمير الوهابي المتطرف ، خالد بن مساعد بن عبد العزيز، الذي قتلته الشرطة السعودية داخل مبني التلفزيون السعودي في عام 1964 اعتراضا على إدخال البث التلفزيوني في نفس العام بزعم أن التلفزيون، يحض على الفساد ، و تبرج النساء ، من خلال الأفلام والمسلسلات التي يذيعها .

ورغم أن كل الشخصيات المرموقة التي ألقي القبض عليها بتهمة الفساد ، هي أبعد ما تكون عن الفكر الوهابي المتطرف ، لكن الأمير الشاب المنفتح على العالم ويتابع عن كثب كل ما يحدث به من ثورة تكنولوجية وصناعية هائلة ، يدرك أن مواصلة هذه الشخصيات فائقة الثراء استثمار ما تمتلك من مئات المليارات خارج السعودية يعني إستمرارا لسجن الاقتصاد السعودي في المجال البترولي دون غيره في دولة تزيد بمعدل مليون نسمة كل عام. فقد ارتفع عدد سكان السعودية من 22 مليون نسمة سنة 2004 إلى 32 مليون نسمة سنة 2016 ويمثل الشباب فيها تحت سن 35 عاما نسبة تقترب من 70 في المائة من تعداد الشعب السعودي .

فالأمير محمد بن سلمان ، المنفتح على الحضارات و الثقافات المختلفة ، يدرك أن إعتماد المملكة على الثروات البترولية رغم وفرتها في الفترة الحالية ، هو أكبر خطر على المملكة ، لأن البترول مصيره النضوب، عاجلا أم آجلا ، كما أن الزيادة السكانية قادرة خلال نصف القرن القادم على إلتهام جانب كبير منها لتلبية احتياجات السكان بدلا من تصديرها . وتغمر الأمير الشاب قناعة تامة بأنه إذا أراد السعوديون الحفاظ على بلادهم من الإنهيار الإقتصادي في المستقبل فعليهم سرعة تنويع مصادر الإقتصاد السعودي الذي يعتمد بنسبة 95 في المائة على البترول .

فالأمير محمد بن سلمان يدرك أن التكنولوجيا فائقة التطور والتصنيع ، هما سبيل الدول للتقدم ، ولا يخفي الملك الشاب في جلساته الخاصة إعجابه بالتجربة الصينية ، فعلى الرغم من أن الصين لا تمتلك ثروات بترولية، لكنها من خلال التصنيع و ثورة الإتصالات في سبيلها لاحتلال رأس قائمة الإقتصاد الأقوى في العالم ، بعد أن أصبحت اليوم الدولة التجارية الاولى في العالم إثر تجاوزها للولايات المتحدة .

وتؤكد مصادر غربية، أن الأمير الشاب محمد سلمان، يعشق الأرقام و لذلك فهو يبحث دائما عن الأرقام القياسية التي تحققها الشركات العالمية خاصة العاملة منها في مجال التكنولوجيا فائقة التطور . ويستشهد الأمير سلمان لتبرير إصراره على تنويع مصادر الإقتصاد السعودي بشركة" أمازون" الأمريكية للتجارة الإلكترونية ، التي بلغت قيمتها السوقية 470 مليار دولار مثلما يبدي إعجابه بشركة "علي بابا " الصينية التي تمكنت من تخطي شركة أمازون الأمريكية بعد أن أصبحت قيمتها السوقية 472 مليار دولار في وقت لا تزيد فيه عائدات السعودية من تصدير النفط عن 120 مليار دولار .

ويؤكد ذلك الكاتب الأمريكي الشهير، توماس فريدمان، في مقال في صحيفة "نيوزويك " الأمريكية تعليقا على إجراءات الامير بن سلمان الأخيرة في مجال مكافحة الفساد قائلا " أن الأمير محمد بن سلمان يهتم بالأرقام وهي تشغل باله أكثر من أي شيء آخر " .

ويرى محللون أن الإجراءات التي يتخذها الأمير محمد بن سلمان في مجال مكافحة الفساد، تستهدف التمهيد لمشروع "نيوم" العملاق ، الذي يهدف من ورائه تحويل المملكة العربية السعودية إلى نموذج عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة، بوصفه السبيل الوحيد لإخراج المملكة من الفكر الوهابي الذي كان يرى في التلفزيون في الستينيات من القرن الماضي بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار .

وتغمر الأمير محمد قناعة متزايدة بأن مشروع نيوم هو القادر على استيعاب طاقات الشباب السعودي، و إيجاد وظائف عمل لهم، في وقت يحصل فيه عشرات الآلاف من الشباب السعودي على أرقى درجات التعليم في الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و ألمانيا و كندا ، ثم عند عودتهم للمملكة لا يجدون فرص عمل في مجالات قادرة على استيعاب قدراتهم العلمية بسبب اتجاه كل الاستثمارات صوب مجال البترول .

وتؤكد المعلومات التي تصل للأمير محمد ، أن نسبة البطالة بين الشباب السعودي المتعلم تعليما جيدا بلغت نسبة 25 في المائة ، و أنه لم يعد أمام معظم هؤلاء الشباب سوى شغل أوقاتهم في الشراء من المولات التي تمتلئ بها المملكة .

ويركز مشروع نيوم على 9 قطاعات إستثمارية متخصصة وهي مستقبل الطاقة ، و المياه، ومستقبل التنقل ، والتقنيات الحيوية ، و مستقبل الغذاء، و العلوم التقنية و الرقمية ، و مستقبل التصنيع المتطور ، ومستقبل الاعلام والإنتاج الإعلامي ، ومستقبل المعيشة و الترفيه وهذا المجال الأخير سيجد بكل تأكيد رفضا شرسا من جانب التيار الوهابي .

ووقع اختيار الأمير محمد بن سلمان على مكان إستراتيجي لمشروع نيوم ، يقع شمال غرب المملكة السعودية ، على مساحة 26500كيلو متر مربع، و يطل على البحر الأحمر وخليج العقبة و تحيط به جبال بارتفع 2500 متر.

ويتطلب إقامة هذا المشروع ، الذي سيمتد ليشمل جزءا من الأراضي المصرية والأردنية مبالغ مالية ضخمة قدرت بنحو 500 مليار دولار يتعين توفيرها من جانب المملكة السعودية و صندوق الإستثمارات العامة إلى جانب مستثمرين محليين وعالميين .

ويبدو أن هذا المشروع العملاق الذي يعتبره الأمير محمد بن سلمان بمثابة قفزة هائلة للمملكة السعودية، لا يلقى تأييد الأمراء و الوزراء و رجال الأعمال الذين تم إلقاء القبض عليهم بتهم الفساد، فهم يرون أن الإستثمار خارج السعودية أكثر أمنا و ربحية لأموالهم ، في حين يرى الأمير محمد ، أن المتهمين بالفساد يملكون أموالا تزيد بكثير عن الأموال التي يتطلبها مشروع نيوم .

وتؤكد بعض وسائل الإعلام الغربية ، أن الأمير الوليد بن طلال، الذي يعد من أغني أغنياء العالم ، بثروة تقدر بنحو 20 مليار دولار، ليس الأمير الأكثر ثراء في السعودية ، بل هناك أمراء يمتلكون ثروات تتخطى بكثير ثروة الوليد بن طلال ، لكن دائما ما يذكر اسم الوليد بن طلال من بين الاكثر ثراء فة ي العالم ، لكونه الوحيد من بين أفراد العائلة المالكة الذي يعلن عن ثروته و لا يخفيها ، فضلا عن أنه يرحب بتغطية وسائل الإعلام لأنشطته الخيرية و غير الخيرية بما فيها إمتلاكه لأساطيل من السيارات الفارهة واليخوت و القصور الفاخرة في كثير من دول العالم . ويقدر البعض ثروات الذين تم إلقاء القبض عليهم بتهمة الفساد في السعودية بأكثر من تريليون دولار أي ضعف الإستثمارات المطلوبة لتنفيذ مشروع نيوم .

ويحظى الملك ، محمد بن سلمان ، بتأييد كبير من جانب الشباب السعودي ، خاصة من قبل مئات الآلاف الذين تعلموا في أرقى الجامعات العالمية و المحلية و لم يجدوا الوظائف التي تناسب تعليمهم العالي . كما أن هؤلاء الشباب الذين إختلطوا بالفكر المتطور في الدول التي تعلموا فيها لم يعودوا على استعداد لتقبل الفكر الوهابي المتطرف الذي يحرم أي تقدم ، و يحكم على من يعمل على تطوير المملكة بالإعدام في الدنيا ، و بالنار في الآخرة .

ويعكس استقبال الأمير محمد بن سلمان لكل من بيل جيتس مؤسس شركة ميكروسوفت و مارلين هيوسن رئيسة شركة لوكهيد مارتن لصناعة الطيران و السلاح و الفضاء أول أمس في الرياض مدى تصميم الأمير الشاب على تحويل حلم مشروع نيوم إلى واقع . وقد أكدت وسائل الأعلام السعودية أن اللقاء تناول سبل مشاركة الشركتين الأمريكيتين العملاقتين في مشروع نيوم .

ويبقى السؤال وهو هل سيستطيع الأمير محمد بن سلمان المضي قدما في تطوير المملكة بتنويع مصادر دخلها بمساعدة مليارات الأمراء و رجال الأعمال السعوديين قبل فوات الأوان، أم أنه سيفشل في ذلك لتواجه المملكة شبح الإنهيار و العودة للحجاز القديمة التي كانت تضم مكة و المدينة و تبوك و الباحة ، و تشغل مساحة 438 ألف كيلو متر مربع فقط، أي أقل من ربع إجمالي مساحة المملكة السعودية الحالية التي أسسها الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1932 و البالغة مساحتها 5ر2 مليون كيلو متر مربع ؟ .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط