قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

رضا نايل يكتب : أبدًا.. لن ترحلي

الكاتب الصحفي/ رضا نايل
الكاتب الصحفي/ رضا نايل

وسط زحام الصعود والنزول من عربة المترو توقفت على الرصيف وعيناي تلمعان ببريق ساطع سرعان ما خفت مع تحرك المترو، فابتسمت وأنا واجم شارد الذهن، فقد تراءى لي أن عينين تتفرسان فيِّ تفرسًا قويًا، ولكن الزحام منعني من معرفة مصدر تلك النظرات، ربما خيالي المضطرب القلق قد صور لي ذلك، فدائما ما تنتابني تلك الأوهام في محطة مترو السادات، فتختلط عليِّ الأشياء، وتتشابه في عيني الوجوه فأراها وجهًا واحدًا، وكما حاولت أن أقطع كل ما يربطني بهذا المكان، ويشدني إليه، واستأصل ذكرياته، فرغم أني ألقيتها في الركن الأعمى من ذاكرتي، إلا أنها تنبجس في عيني آليا بمجرد دخولي المترو، فأقف في ظلها كما أقف الآن، ووجهي قطعة من الخشب، لها أذنان لا تسمعان إلا الصمت، وعينان تحدقان في اللاشئ، والأسئلة تتدافع داخلي محدثة دوامة تكاد تبتلعني، فأحاول التماسك حتى لا تنفلت مني صرخة، وأدافع عن نفسي وأنا مشمئز منها، فلو كنت أجبت عن سؤالها، ما فقدت نسخة مني.

ولكن ما كان لها أن تسأل، فالحب لا تنفيه أسئلة، ولا تؤكده إجابات، وعندما تعرف لماذا لم أجب، لن يسعها إلا أن تغفر لي.. ولكنه غفران لا يُنجي من العذاب، فقد كنت أدرك أنها ستضيع لو بقيت معي، وأني سأضيع إلا لم تبق معي، وها أنا أقف على الرصيف ولا أعرف أذاهب أم آتٍ…ولا أعرف إن كنت أعيش اليوم الخالي مني ومنها، أما أمس الذي كانت ملؤه؟!

إنه إحساس ثقيل الوطأة على نفسي التي ما عادت تحتمله وتطيقه، فغادرت المحطة وقدماي تتكاسلان، ولكن وأنا في طريقي للخروج كان هناك ظل يلاحقني ويطاردني، ظل أشعر بثقله على ظلي، له نفس العينين اللتين كانتا تتفرساني وسط الزحام ، فاشتريت تذكرة وعدت لمكاني على الرصيف، وأنا كلي ثقة أني سأرى تينك العينين، وقد جرى بعض الدم في وجهي الخشبي، فأصبح شاحبًا، وابتسامة حائرة تلتصق بشفتي الزرقاوين، وعيناي اللتان صبغهما التعب بلونه الأحمر تراقبان الرصيف الذي ما يكاد يزدحم بالوجوه حتى يٌفرغها في عربات المترو، ويزدحم من جديد بأخرى، وفي كل مرة أحاول أن أستحضر من بين هذه الوجوه وجه امرأة لا ترحل أبدا من داخلي، لا أرى إلا صورتي المنعكسة على الزجاج في تتابع سريع كلما مر المترو.