ليس البرلمان المصري وحده.. غياب النواب عن الجلسات موضة داخل البرلمانات العربية

يبدو أن ظاهرة غياب النواب لم تقتصر على البرلمان المصري فقط، بل أصبحت "موضة" داخل البرلمانات العربية، حيث تعاني تونس والجزائر والعراق والمغرب وليبيا وغيرها من البلدان العربية من نفس الأزمة، على الرغم من كثرة تحذيرات رؤساء المجالس النيابية وتفننهم في وضع العديد من الحيل والوسائل لمنع غياب الأعضاء، إلا أن ذلك يذهب سدى دون أي جدوى.
ويرصد التقرير التالي أبرز حالات غياب النواب داخل الدول العربية ومحاولات البرلمانات لمواجهة هذه الظاهرة.
تونس
«التأخير والغياب» سمة العمل البرلماني في تونس، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى عرقلة إقرار العديد من التشريعات آخرها قانون الجماعات المحلية الذي سينظم عمل وطرق تسيير البلدية المنتخبة وسيضبط قواعد الحكم المحلي حال إقراره الذي تعثر كثيرا بسبب غياب النواب المتكرر حيث تم الانتهاء من 34% فقط من القانون على مدار 6 جلسات حتى الآن.
وسجلت الجلسة الأخيرة للبرلمان التونسي أكثر من ساعتين من موعد انطلاقها المعلن، كما تمّ إسقاط 9 بنود من قانون الجماعات المحلية نظرا لعدم توفر الأغلبية المطلوبة (109 أصوات) وتواتر ظاهرة الغياب، الذي يرجعه البعض إلى انعدام الإرادة السّياسية من قبل النواب للمصادقة على القانون قبل الانتخابات البلدية.
وفي محاولة للقضاء على هذه الأزمة، صرح محمد الناصر، رئيس البرلمان، بأنه تم تطبيق النظام الداخلي عبر نشر أسماء النواب المتغيبين على الموقع الرسمي وتفعيل آلية الاقتطاع والخصم من المنح البرلمانية عن كل يوم غياب، إلى جانب لفت انتباه رؤساء الكتل لحث زملائهم على أداء واجبهم البرلماني.
الجزائر
في سياق متصل، أقرت الجزائر تعديلات على القانون الداخلي لمجلس الأمة (البرلمان) تضمنت إجراءات تتعلق بالنواب المتغيبين، حيث نصّت المادة 116 من القانون على "اتخاذ إجراءات خاصة ضد المتغيبين بهدف "تشجيعهم على الحضور وتوعيتهم بروح المسئولية"، لكن تطبيق القرارات الجديدة لم يفعّل رغم صدورها بالجريدة الرسمية.
وأكد محمد ماني، رئيس لجنة الشئون القانونية والإدارية وحقوق الإنسان بمجلس الأمة الجزائري، أنه سيتم تطبيق الإجراءات "تدريجيا" عند غياب عضو مجلس الأمة عن أشغال اللجان الدائمة والجلسات العامة لثلاث مرات متتالية، مع إلزام ممثل الشعب في الجزائر تقديم وثيقة تبرر غيابه لرئيس اللجنة أو رئيس المجلس، وعند الغياب غير المبرر يتخذ المجلس تجاه النائب المعنى إجراءات خاصة تصل في البعض من الحالات إلى الخصم من الراتب.
يأتي ذلك ردا على تغيّب عدد كبير للنواب في الجلسة العامة التي خصّصت للمصادقة على برنامج الحكومة، الأمر الذي أثار استياءً كبيرا لدى الأوساط الجزائرية، خاصة السلطة، في ظل مناقشة الدورة البرلمانية الحالية لعدد من المشاريع المهمة وعلى رأسها قانون المالية للعام القادم، وتفعيل آليات الانضباط والقانون الداخلي لنواب المجلس الشعبي.
العراق
لم يكن البرلمان العراقي أحسن حالا من نظيره الجزائري، إذ أخفق هو الآخر في عقد جلسته الأخيرة قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لعدد الأعضاء، حيث بلغ عدد الحاضرين إلى قاعة البرلمان 120 نائبًا فقط، فيما ينص النظام الداخلي على حضور الأغلبية المطلقة (165 نائبًا) لعقد جلسات البرلمان.
ويرجع تغيب النواب إلى انشغالهم بالدعاية الانتخابية الخاصة بالانتخابات البرلمانية المرتقبة وزيارة المناطق النائية بالمحافظات والمدن، بهدف تقديم برامجهم الانتخابية للظفر بدورة جديدة عوضا عن حضور جلسة أخيرة تتضمن التصويت على عدد من القوانين إضافة إلى عرض نتائج استجواب عدد من الوزراء.
المغرب
في حيلة مبتكرة للحد من غياب النواب، طبق البرلمان المغربي نظام "البوانتاج" لإجبار الأعضاء على الحضور والمشاركة في الجلسات العامة، وهو عبارة عن نظام إلكتروني يسمح للنائب التصويت والمشاركة في الجلسة بواسطة بطاقة إلكترونية، تسجل حضور العضو ومن دونها يعد غائبا ويتعرض للعقوبة المتمثلة في الخصم من راتبه.
لم تقف هذه البطاقة حائلا أمام نواب المغرب الذين تحايلوا على النظام الإلكتروني بإعطاء بطاقاتهم الإلكترونية لزملائهم البرلمانيين لينوبوا عنهم في "البوانتاج" رغم غيابهم، وذلك تفاديا للاقتطاع، حتى تم اكتشاف الواقعة من قبل الحبيب المالكي، رئيس المجلس - خلال إحدى جلسات الأسئلة الشفوية - عندما وجد تباينا شاسعا بين العدد الموجود بالقاعة والعدد الذي سجله البوانتاج.
لم تمر الواقعة مرور الكرام، حيث أحال المالكي القضية إلى التحقيق، متوعدا النواب بالحد من هذا التلاعب عبر تثبيت الحضور بـ"البوانتاج" وكاميرا الوجه كما هو معمول به بالنسبة للموظفين.
ليبيا
يأس مجلس النواب الليبي من حضور نوابه، الأمر الذي اضطر رئاسة البرلمان إلى تعليق الجلسات منذ أشهر، حتى تتمكن من استئنافها في وقت لاحق وتتخذ القرارات ضمن جلسة رسمية حتى بدون توفر النصاب القانوني لعقد الجلسة، وهو أسلوب تنتهجه رئاسة البرلمان في الآونة الأخيرة نتيجة استمرار غياب النواب.
ودعت هيئة رئاسة المجلس، النواب المتغيبين إلى حضور جلسات المجلس، مؤكدة أنه لا توجد أي عوائق تمنع الأعضاء من الحضور، فالظروف السياسية مهيأة أكثر من أي وقت مضى لأداء مهامهم التشريعية وعملهم باللجان البرلمانية الدائمة.
وتعمل بعثة الأمم المتحدة على تطبيق خطة العمل الخاصة بليبيا والمدعومة من المجتمع الدولي والتي جرى الإعلان عنها في سبتمبر الماضي، وتهدف الخطة إلى تعديل الاتفاق السياسي وإجراء انتخابات عامة واعتماد دستور لليبيا لإنهاء المرحلة الانتقالية والانقسام السياسي والإداري ووضع حد للأزمة في البلاد.
ويتطلب إجراء الاستفتاء والانتخابات إجراءات قانونية وتشريعية على رأسها إصدار قانوني الانتخابات والاستفتاء، من قبل مجلس النواب، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن.
مصر
لم يسلم البرلمان المصري هو الآخر من ظاهرة غياب النواب التي عصفت به منذ دور الانعقاد ولا تزال مستمرة حتى الآن، حيث شهدت الجلسة العامة الأخيرة، أمس الأول، الثلاثاء، غياب عدد كبير من النواب، على الرغم من تحذيرات الدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس ومطالبته للأعضاء بضرورة الحضور لإقرار عدد من التشريعات المهمة، وعلى رأسها قانوني حماية المستهلك وتعديلات السلك الدبلوماسي.
وعلى الرغم من إقرار التشريعين السابقين خلال جلسة أمس إلا أن نسبة الحضور لم تكن مرضية لرئيس النواب، الأمر الذي دفعه إلى التهديد بنشر وإذاعة أسماء المتغيبين عن الجلسات ومعاقبتهم طبقا للائحة الداخلية للمجلس والتي تنص على حرمان العضو من المكافأة حال غيابه أكثر من ثلاثة أيام في الشهر دون إذن مسبق.