الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفوضى الخلاقة "نظرية اجتماعية أم استراتيجية حربية"؟


للوهلة الأولى من يسمع أو يقرأ عن "نظرية الفوضى الخلاقة".. يتخيل أن المسمى يصف حالة بلد أو الوضع الذى تقع فيه المجتمعات أو حتى المناطق الاستراتيجية أو حتى أشكال الصراع.. وفى هذا فإن الكثيرين تصوروا أن الفوضى ربما تخلق حلولًا .. أو أن الفوضى أحد أشكال أو حلقات التطور الاجتماعي، أو على الأقل أنها تنتج حلولا في النهاية. 

لكن التصور الحقيقي أن هذه نظرية حربية وليست اجتماعية ..إذ أن الأمريكيين عندما وضعوا اسم النظرية، قصدوا أن الفوضى تخلق الحلول للمُخطط الأمريكي عندما يصعب عليه حل المعضلة .. أو عندما تصبح المعادلة في غير صالحه.

من هذه الزاوية .. يمكن استيعاب أن الفوضى الخلاقة .. ليس تنظيره اجتماعية علمية .. وإنما هي ببساطة خطة حرب على مشهد أو موقع استراتيجي بكل مكوناته .. لهذا لن تجد أن هناك صراعًا من طرف ضد طرف آخر وإنما هي عملية مبرمجة لتفجير كل الأطراف معًا، وفى وقت واحد. 

إذ ليس هناك سياق طبيعي وانساني علمي يقول إن الفوضى جزء من النشأة أو التطور الاجتماعي ..أو أن التحولات الكبرى تقوم على الفوضى لخلق الحلول .. أو على طريقة " يللا نهدها علشان نبنيها".

حتى بعض من مُنظرى الصراع الطبقي أو غيرها من التنظيرات القائمة على الصراع .. أسسوا تحولاتهم الاجتماعية على تشكيل مركز ثقل قوى اجتماعي وسياسي لإدارة أي حالة .. وبالتالي فإن الطبيعة الحضارية والإنسانية وحتى الفيزيائية .. تقول إن لكل حركة مركز ثقل .. من النواة في الذرة وحتى الدولة بالنسبة للمجتمعات وصولًا الى النجوم في المجموعات الشمسية والمجرات .

من هنا يمكن فهم عدة حقائق .. أن لكل مجتمع مركز حركة .. ومركز حركة أي مجتمع هو الدولة.. وأن التنظيرات الأناركية حول اللاسلطوية .. هي في جوهرها .. ليست إلا تأسيسا لمركز ثقل آخر و سلطة أخرى..وربما يكون مركز الثقل الآخر يقف وراءه من يريد حل خلاق لمعضلة لا يمكن له حلها .. فاختار الفوضويون بكل اشكالهم الدينية والمذهبية وحتى الايديولوجية ..مثل الاناريكية بوجهيها اليساري والنيوليبرالي.
 
ولهذا يمكن القول إن جنود الفوضى هم جزء من الحالة أو الحرب التي تستخدم تكتيكات الفوضى لتخلق حلولا لمشكلات استراتيجية . 

تقول كونداليزا رايس إن "الفوضى الخلاقة" نظرية ترى أن وصول المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى، يخلق إمكانية إعادة بنائه بهوية جديدة" .. ولعلنا هنا نتحدث عن شيء يتم تنفيذه عبر تقنيات الصدمة والترويع .. لأن الصدمة والترويع هما وسائل إحداث واستدامة الفوضى نفسيًا وشل قدرة الأطراف الأخرى على الخروج من الدائرة.. وبالمناسبة الصدمة والترويع .. هو اسم العملية العسكرية الأمريكية في العراق .. أثناء عملية الاحتلال العسكري.

الخلاصة أن الفوضى الخلاقة وسيلة وليست طبيعة .. وأن الجزء الرئيسي فيها .. هو استخدام كل اطراف المعادلة .. الخصوم والحلفاء، ومن هنا يمكن فهم كل ما يجري على مستوى العالم الآن .. ليس على مناطق الفوضى الأمنية فقط أو على مستوى القبائل والميليشيات.. وإنما حتى مستوى إدارة علاقات الدول.

لهذا من الطبيعي أن تجد أمريكا تتحرك راقصة بين الخصوم والحلفاء .. فبنية الفوضى الديبلوماسية وتأزيم المواقف وصناعة التوترات .. هي جزء لا يتجزأ من منطق " الإدارة بالفوضى" .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط