الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإرهاب البائس.. وسلاح الفن


يُفرقنا الدين والسياسة، ويُوحدنا الفن والثقافة.. التاريخُ الإنساني يؤكد ذلك، وكذلك الحاضر.. ومن يجدُ حديثي صادمًا، فليتم القراءة ليعي مقصدي، أو ليطرق رأسه في الجدار الذي يختار.

قد أبدو مدافعًا عن نفسي، حتى قبل أن أكتب حرفا واحدًا.. ولكن "السياسة" و"الدين"، كلاهُما حقل ألغام.. يكفي أن تطأ بقدمك فيه، لتنغرس في جسدك مئة شظية، وتوصم بألف صفة.

الطائفية ببعديها السياسي والديني، هي الآفة التي ضربت بجذورها في المنطقة العربية، والدائرة الشرق أوسطية كلها، بكل ما تحمله من معاني الفرقة وتشظي الوطن إلى عدد من الطوائف والجماعات، كقطع الفسيفساء، والتي يضع كل منها أهداف الجماعة فوق مصلحة الوطن العليا.. فنتيجة لها سقطت العراق ووراءها سوريا، وأصبح السودان بلدين، وبسببها يعيش أبناء اليمن اليوم مأساة إنسانية كاملة، كما لم يعد يعلم الليبيون أي مستقبل ينتظرون.. والواقع أن مصر كانت على شفا جرفٍ من هذا المصير، حيث عاش وطننا منذ 2011 موجات متتابعة من محاولات التأثير على الداخل المصري من منطلق الطائفية السياسية والدينية، والتي أخفقت جميعها لأسباب عدة على رأسها دور الثقافة والفن حينها في اشعال يقظة الشارع المصري لهذه المحاولات، بما دفعه إلى الانتفاض مرتين في أقل من 5 سنوات، وهو معدل غير مسبوق في الحراك الشعبي على مدار التاريخ السياسي، فضلًا عن الدور الوطني للمؤسسة العسكرية التي استجابت لنداء الشعب في عامي 2011 و2013 لتجنب الوطن إحدى سيناريوهين لا ثالث لهما: حرب أهلية، أو احتلال عسكري.

رغم صمود مصر في وجه محاولات اقحامها في دائرة الطائفية السياسية والدينية، إلا أن الأيدي العابثة في الظلام لا تكفُ عن ذلك، وآخرها الجمعة الماضية، فالعناصر الإرهابية التي اقتنصت فرحة زوار دير الأنبا صموئيل بالمنيا، كانت تهدفُ لأن يصل دوي هذا الحادث الغادر، إلى مسامع ضيوف مصر من مختلف الدول في النسخة الثانية من مؤتمر شباب العالم بمدينة شرم الشيخ، عسى أن تفقد رسالة السلام التي يحملها المؤتمر معناها.. هكذا يفكرُ خفافيش الظلام.. الذين اختاروا لتنفيذ هذا الحادث ذي الهدف "السياسي"، ركبًا قبطيًا في رحلة مقدسة إلى دار عبادة، لكونهم يعلمون أن "الدين" وترٌ يُصدر العزفُ عليه ضجيجًا لن ينحصر في حدود الوطن بل سيتجاوز طنين ذلك بكثير.

وكما اعتادت مصر، فقد قررت الدولة المصرية أن تواجه هذه المحاولة العابثة الجديدة، بسلاح الثقافة والفن، الأكثر تأثيرًا من أسلحتهم الخائبة، فكان افتتاحُ "مسرح شباب العالم" بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي تم تدشينه كتجربة فريدة، تمثلُ ساحة إبداعية لعرض قضايا البلدان من خلال مواهب أبنائها من الشباب بمختلف ثقافاتهم وأفكارهم، كما تضمُ ورش إبداع تحتضن مواهب الشباب المصري وشباب العالم، تحت اشراف المخرج الملهم خالد جلال، لتمارس مصر دورها المعتاد في رعاية الفنون والثقافة، ثم جاء مؤتمر شباب العالم بكل ما شمله من مناقشات، وما أسفر عنه من توصيات، لا تتعلق بقضايا الداخل المصري أو الدائرة العربية فحسب، بل تمتد إلى هموم شعوب الأرض، لتغدو "مصر في قلب العالم"، بما تعنيه هذه العبارة من معنى.

لستُ أتمنى أكثر من أن يُخبئ الله لهذا الوطن مستقبلًا، يُجنب أبناءه داء التطلع إلى الوراء، لاستلهام أمجاد قديمة، أو التمسح بحجارة الهرم والمعبد، أو رؤية حضارة مصر كما كنا نتمنى أن نحياها.. لنكون كما تدعو لي جدتي دومًا: ربنا يجعل الخير قدامك.. هكذا أتمنى لمصر.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط