محمد فوزي يكتب: قراءة في أزمة الشائعات

بالرغم من أن التاريخ البشري لم يخل عمومًا في أي حقبة زمنية من التدافع بين الحقائق والأكاذيب ، إلا أنه يوجد إجماع في الفترات الأخيرة علي وجود خلل في علاقة الأفراد بالحقيقة ، وهو ما يمكن إرجاعه لرفض مرجعية العلم والخبرة والتخصص في تقييم مصداقية المعلومات ، بالإضافة إلي تمسك الأفراد بقناعاتهم ورؤاهم حول الواقع بغض النظر عن مدي صحة هذه الرؤي ، جاء ذلك بالتزامن مع انتشار الإعلام البديل ومنصاته والتي أتاحت للأفراد فرص كبيرة للتأثير علي قناعات الآخرين من خلال التعبير عن آرائهم وامتلاك وسائل ومهارات الترويج لها والدفاع عنها .
ولا يوجد خلاف علي أن الشائعات بشكل عام تشكل أحد وسائل تخريب المجتمعات وتفتيتها من خلال المساعدة في بث روح الفرقة ، وتمزيق أواصر الثقة بين مكونات المجتمع المختلفة ، واستهداف المباديء الوطنية الأساسية وخلق حالة من عدم الإيمان لدي الشعوب بثوابتها ، وجدير بالذكر أن العديد من الدراسات تناولت وتحدثت عن فكرة تدمير المجتمعات من الداخل باستخدام أنماط سيكولوجية ونفسية يتمثل أهمها في : الميديا الموجهة لغسيل الأدمغة ، وهو الأسلوب الذي يعتمد علي حالة الإحباط واليأس التي تمر بها المجتمعات الهشة الضعيفة الغارقة في الأزمات خاصةً علي الصعيد الداخلي .
وفِي السنوات الأخيرة نتيجة للظروف والتداعيات السابقة سيطر علي المجتمع " الخطاب العاطفي " والتمسك بـ " الحقائق البديلة " وهو ما وصفه باحثون بـ " ظاهرة ما بعد الحقيقة " .
ولا يمكننا في هذا الصدد إغفال أن انتشار الشائعات واتساع نطاق تداولها في أي مجتمع يعكس حالة من اليأس والاختناق المجتمعي بالإضافة إلي الفساد المتشفي كما أشار العديد من الباحثين ، ولكن تظل الإشكالية الرئيسيّة فيما يتعلق بالشائعات هي فقدان الثقة وتآكل العلاقة بين الكيانات المختلفة .
ولا يجدر بنا عند قراءة أزمة الشائعات والبحث في وسائل وآليات إنتاجها وانتشارها أن نقوم بقصر ذلك علي جماعات وأفراد بعينهم بهدف تحقيق مصالح معينة ، فعلي مدار التاريخ كان هنالك العديد من الدول والأنظمة التي قامت علي أساس خلق حواجز ونشر شائعات ينتج عنها فرقة وانقسام حاد داخل المجتمع بهدف إنتاج واقع " ميكافيللي " يخدم مصالحها ، ويذكرنا التاريخ بأن هذه الأنظمة تعتمد دومًا علي فكرة صناعة العدو بما يضمن تحقيق مصالحها من خلال إبقاء الأوضاع علي ما هي عليه .
هذا بالإضافة إلي أنه في بعض الأوقات يمكن أن تشكل الإشاعات وسيلة للقمع وإعادة تشكيل الرأي العام بشأن موضوع معين ( بالمعني الميكافيللي )، كما أنها تشير إلي علاقات القوة علي أرض الواقع وكيف يتم تشكيلها من جديد بواسطة من يملك القوة لنشر الكلمة وبيعها وترسيخها في الأذهان علي أنها الحقيقة والواقع .
ووفق دراسات يمكن الخلاص إلي أن أهم سبل التغلب علي هذه الأزمة تتمثل في الآتي :
١- إظهار الحقائق بشكل واضح وموضوعي وشفاف يحترم عقول المواطنين ، مع إعادة النظر في العلاقة بين مكونات المجتمع المختلفة والثقة التي تتآكل شيئًا فشيئًا بين المواطن ومؤسسات الدولة .
٢- دعم الحقائق التي ترد بها المؤسسات الرسمية علي الشائعات بأسلحة تمكنها من ربح المعركة في إطار من الشفافية والمصداقية ، وفِي هذا الإطار يجب الإشادة بمركز معلومات الدعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء ووحدة الإنذار المبكر التابعة له ودورهم في الفترات الماضية في مواجهة الشائعات والمعلومات المغلوطة ، وإرسال رسائل إنذار مبكر للجهات والهيئات المعنية لإتخاذ القرار .
٣- خلق آليات وعمل مراجعات بهدف مواجهة حالة الفرقة والتمزق والإنقسام الشديد داخل المجتمع ، وهي الحالة التي تعزز من انتشار الشائعات .
٤- ترسيخ الفكر النقدي لدي المواطنين والأجيال الجديدة ، مما يحول دون قبولهم أي فكرة أو معلومة دون مراجعتها والبحث في أصلها وتقييم مدي مصداقيتها والنظر في تداعياتها وأبعادها المختلفة .
٥- البحث في العوامل النفسية التي تجعل البشر عُرضةً للخداع وأكثر قابليةً لتصديق أشباه المعلومات والأخبار المغلوطة بل وتفضيلها علي الحقائق ، فكما ذهب العديد من علماء النفس فإن لكل شائعة جمهورها ، فحيثما كان هنالك شائعة تم خلقها من قبل أحد الأطراف سيكون هنالك شريحة من المجتمع تريد تصديقها وتحويلها إلي جزء من الحقيقة ، وبالتالي يجب البحث في هذا البعد النفسي وخلق آليات لمواجهته .