الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المرأة ودوها المؤثرفى الثورات المصرية


انتشرت فى الآونة الأخيرة بعض العبارات المنتقدة للمرأة المصرية ونزولها إلى الشارع وانضمامها إلى الاحتجاجات على خلفية صورة المرأة المعتدى عليها فى واقعة " مجلس الوزراء " .
بينما كانت المرأة أشد ثباتا على موقفها وأكثر إصرارا على المطالبة بحقها فى المشاركة السياسية ورفض كل ما يعتريها من سخرية أو قمع أو يلحق بها من ضرر ينكس قدسيتها كأم للشهيد أو كنصف فاعل فى المجتمع.
الجمعة الماضية شهدت مليونية مشرفة للمرأة المصرية أكدت من خلالها إنها قوة عددية وفكرية لا يستهان بها ، وليس ذلك بمليونية الأمس القريب فقط بل تواجدت فى كل المليونيان المطالبة بالتغيير والإصلاح وحتى الاحتجاجات التى سبقت الثورة.
تقول د. نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية إن من ينتقدون نزول المرأة فى المظاهرات عليهم ألا يختزلوا ذلك فى أشخاصهم هم وزويهم ولا يفرضوا رأيهم على المجتمع ، وقالت أن شخصيات عامة كثيرة تضامنت مع المرأة فى مليونيتها مثل الشيخ مظهر شاهين مؤكدة على وجوب التضامن مع المرأة ( لا التعاطف ) فالمرأة المصرية غير مستحقة للشفقة ، وطالبت بفتح تحقيق عاجل وجاد لمعرفة المذنب فى حادثة سحل فتاة " مجلس الوزراء " مشيدة بدور القضاء المصري العادل وتتعبه للمذنب حتى ينال العقاب المستحق .
من جانبها قالت الأستاذة منى عزت – عضو الهيئة العليا للحزب الاشتراكي - أن هذه الانتقادات مرفوضة جملة وتفصيلا لان المشاركة السياسية حق أصيل للمرأة كفله لها الدستور والمواثيق الدولية ولا يستطيع احد أن ينكر دور المرأة على كافة مستويات الحياة السياسية والاجتماعية وغيرها ، وعن صورة المرأة المسحولة أمام مجلس الوزراء قالت " أن شرف المرأة لم يهدر ولكن الشرف المهدر هو من انتهك عرض هذه المرأة وقللت من قيمة الاعتذار للمرأة مطالبة بفتح تحقيق ومعاقبة المذنب فى ذلك اياً كان ، أما عن مشاركة المرأة فى الحياة السياسية فقالت - منى عزت – أن المرأة كان لها دور أصيل ومشاركة فعالة فى الانتخابات غير أن النتيجة النهائية والتى تمخضت عن فوز 2 فقط هي نتيجة غير مستساغة للمرأة وتمنت أن تكون ممثلة بشكل أكبر فى السنوات القادمة ، وانتقدت بدورها ندرة اختيارات القيادات العليا للمرأة فى مواقع صنع القرار مثل المجلس الاستشاري وغيره من اللجان السياسية المنعقدة مؤخرا .
وقد يظن البعض أن المرأة كانت ضيف شرف فى ثورة 25 يناير. بل رأيناها تشارك منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة أن لم تكن هي السبب الأكبر فى دب روح الحماسة لدى المصريين للمشاركة فى الثورة والتغيير ، رأيناها تداوي الجرحى فى المستشفيات الميدانية وتجوب فى وسط الميدان توزع الطعام والشراب على المتظاهرين وتقود المسيرات والهتافات فى الشوارع .
لم يكن هذا غريبا أو جديدا على المرأة المصرية ، فالتاريخ المصري يحفل بالوات وأشكال من النضال الأنثوي منذ عُرفت الثورات وابتدأت التدخلات الأجنبية و سياسات القمع ، ولعل صورة المرأة المصرية فى ثورة 1919 نموذجا فريدا ومثلا يحتذي به عبر العصور .
ولم تكن ثورة 1919 هي ؤول مشهد للمرأة المصرية فى النضال ، فقد عرفت الثورة العرابية دورا مهما للمرأة فى مواجهة النفوذ الشركسي بالجيش وسيطرة الأتراك على المواقع القيادية بمصر ، ولعل شهادة المحامي البريطاني ( بروولي ) الذي تولى الدفاع عن عرابي هي توثيق لدور المرأة فى النضال والمشاركة الفعالة فى الثورة العرابية ، فقد كتب ( بروولي ) في احد كتبه " ما من بلد فى الشرق يبدو فيه نفوذ المرأة واضحاً وجلياً كما يبدو فى مصر , ولقد وجد عرابى فى الحريم وبين سيدات مصر تأييداً للقضية الوطنية ومبادىء عرابى منذ اللحظة الأولى , ولقد ظللن ثابتات على حماسهن وتأييدهن حتى اللحظة الأخيرة حينما انطفأ الخيط الأخير من الأمل "
وفي معركة كفر الدوار عقب ضرب الإسكندرية هبت كل فتيات مصر وقمن بحملة لجمع التبرعات وشراء الأدوية والضمادات واللوازم الجراحية وإرسالها الى الأطباء الذين كانو يعملون فى الخطوط الأمامية من المعركة ولعل صورة مشاركة المصريات فى الثورة العرابية هو ضد لكل المشككين فى شعبية الثورة العرابية وأنها كانت ثورة شعبية مصرية شاملة ولمت تكن مجرد هوجة فحسب .
أما الفخر الحقيقى للمرأة والمشهد الذى لا ينسى هو ذلك المشهد الذى اسر انتباه العالم وكشف النقاب عن حقيقة المرأة الثورية الأبية الرافضة للخنوع ، فعندما قام الشعب بثورته فى عام 1919 اشتركت النساء مع الرجال فى الريف يقطعن أسلاك التليفونات , وخطوط السكك الحديدية , وفى الهجمات التى نظمت على أماكن حجز المعتقلين فى السجون , وتقاسمت النساء مع الرجال آلام حملات الإرهاب والإبادة بالجملة التى مارستها قوات الاحتلال والتى شملت قرى بأسرها كانوا يضربونها جواً .
أما فى المدينة فقد عقدت النساء فى مارس 1919 إجتماعاً فى الكنيسة المرقصية وانتخبت اللجنة التنفيذية للنساء الوفديات برئاسة هدى شعراوى ونظمن مظاهرة صاخبة وتعرضن لرصاص المستعمرين وسقطت أول مصرية وهى "شفيقة محمد"صريعة برصاص الإنجليز , وأعلنت هدى شعراوى أن شهيدات الثورة هن " شفيقة محمد , فهيمة رياض , عائشة عمر , حميدة خليل , هذا عدا أخريات مجهولات " .
وبدأ ظهور المرأة الفعلي يوم 16 مارس عام 1919 عندما انطلقت كثيرات من بنات العائلات تجبن شوارع القاهرة هاتفات بالحرية والاستقلال والناس من حولهن يصفقون ويهتفون لهن والنساء يزغردن من النوافذ فى مشهد أخاذ للقلوب ومحفز للهمم ، ولم يكن ذلك ليمر مرور الكرام على السلطات الانجليزية فضربن طوقا حولهن وسددوا اليهن أفواه البنادق ولكن هيهات أن ترهب امرأة مصرية فوهة بندقية ، فتقدمت إحداهن الى جندي صوب إليها بندقيته وقالت له بالانجليزية " ( أطلق بندقيتك فى صدرى لتجعلوا فى مصر مس كافيه ثانية) فخجل الجندى وتنحى للسيدات عن الطريق بعد أن لبثن فى وهج الشمس أكثر من ساعتين .
وقد كتب أحد المستعمرين واصفا دور المرأة المصرية فى هذه الثورة " كان النساء فى الريف لم يتأثرن بإجراءات السلطة وقد اشتركن مع الرجال فى نزع خطوط السكك الحديدية وتحطيم أعمدة التلغراف , وكذلك الحوادث التى حدثت فى داخل البلاد , كما اشتركن فى المظاهرات الصاخبة ضد لجنة ملنر حيث كن يركبن عربات الترام بلا أجر وهن يصحن "يسقط ملنر" ملوحات بأعلامهن فى وجوه الأجانب .
وفي عام 1920 خرجت المرأة بمظاهرة فى العاصمة تأييدا للوفد المصري وتنديدا للاحتلال ولجنة ملنر وقد وصف ذلك عبد الرحمن فهمي فكتب فى تقريره للوفد " :" قامت بعض السيدات المصريات بعد ظهر أمس بمظاهرة لطيفة قامت من ميدان المحطة إلى لوكاندة شيبرد , وهناك هتفن لسنيوت حنا بك المقيم بها وللوفد المصرى ورئيسه وللاستقلال التام ولجريدة مصر , ولما علا هتافهن خرج كل من كان باللوكاندة ووقفوا على التراس , ولما وقع نظر السيدات على بعض الضباط الإنجليز الذين كانوا يتقدمهم أحد الجنود أخرجن كل واحدة من تحت إزارها علما مصرياً صغيراً (لا علم الحماية) وصحن بأعلى أصواتهن "لتحيا مصر حرة مستقلة , ليحيا الاستقلال التام , ليحيا الوفد المصرى , ليحيا سعد باشا زغلول , ليسقط ملنر , ليخسف الأرض بملنر" , وكل هذا النداء كان باللغة الإنجليزية ثم استمرت المظاهرة فى سيرها نحو نادى رمسيس وهتفن للسيدات باللغة العربية للاتحاد بين عنصرى الأمة وهناك أتى البوليس الإنجليزى ومعه نفر من البوليس وفرقهن إلى منازلهن وكانت المظاهرة سيراً على الأقدام .
ومنذ هذا الحين لم تغب المرأة المصرية عن المشهد السياسي او الثوري الرافض للقمع والاستبداد وتوجت جهود المرأة بالتكليل والنجاح حتى أصبحت تتقلد أرقى المناصب فى مصر منذ عام 1962 عندما عينت ( د . حكمت أبو زيد ) وزيرة للشئون الاجتماعية كأول وزيرة فى مصر وفى هذا العام نفسه فى 17 نوفمبر 1962أوصى القانون الخاص بتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومى للقوى الشعبية بأن تمثل المرأة بنسبة 5% بين أعضاء المؤتمر البالغ عددهم 1500 عضواً .
وهكذا ظل الوضع السياسى شاهدا على مشاركات فعلية للمرأة على كافة المستويات الى هذا اليوم عندما انتفضت بالتحرير منتصرة للحق وثائرة لتلك المصرية التى سحلتها قوات الجيش حتى أجبرت المجلس العسكري على الاعتذار لهن وقد صدق من قال عنها " بميت راجل ".