الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تفعلها مشاريع مصر؟


أمم صعدت وأخرى اندثرت وانحسر سر الخلود في الابتكار، وعندما تركد المياه يسود الظلام والتخلف ويصبح المصير الاندثار، فلا خيار آخر أمام الأمم سوى الابتكار. فالأمة السوفيتية سقطت في فخ التحجر الفكري والمجتمعي وعندما تدارك جورباتشوف حجم الأزمة قدم للجمهوريات الخمس عشرة خطة البيريسترويكا والتي تعني بالروسية "إعادة الهيكلة" لقطاعات الاقتصاد السوفيتي عبر حقنها بقواعد الرأسمالية الغربية مثل الحرية والانفتاح أملًا في إفساح الساحة للابتكار لكن الوقت لم يكن حليفه!

اليوم.. تتبدى في الأفق رؤية ثاقبة لصانع القرار على مستوى عربي مفادها لا نهضة دون ابتكار ولا ابتكار دون مساحة حرية للفكر والابداع، ففي مصر، تدرك القيادة السياسية مدى أهمية "الابتكار" في تحقيق الرؤية الشاملة للإصلاح الاقتصادي.

ومنذ عقود، حملت الدولة المصرية على عاتقها مسئولية توظيف الشباب، وإن كانت الفترة الناصرية قد أرست ملامح دور الحكومة في مشكلة البطالة كطرف أساسي مسئول عن "التوظيف"، إلا أن العالم برمته بدأ في إدخال تغيير جذري في مسئولية الدولة في هذه القضية.

تصريحات عديدة للسيد رئيس الجمهورية والقيادات بالدولة ركزت على تضخم الجهاز الإداري الذي يصل لنحو 6 ملايين موظف، فالأمر لا ينحصر فقط في مشكلة "العدد" وما تتكبده الموازنة من أموال في بند "الأجور والمرتبات" وإنما تظل انتاجية الموظف ذاته محل تساؤل.

خطة حكومية مدروسة لخفض عدد موظفي الدولة وزيادة إنتاجية الباقي منهم، ففي 2015-2016 انخفض العدد لـ 5.7 مليون وهو رقم متقارب جدًا لما كان عليه قبل ثورة 25 يناير، ومع إحكام قواعد الالتحاق بالوظيفة الحكومية وزيادة عدد المتقاعدين، سينخفض العدد مجددًا بالمستقبل.

ولزيادة إنتاجية الموظفين الباقين، تعمل وزارة التخطيط على دراسة مؤهلات وامكانيات الشباب الطامحين منهم والباحثين عن فرص التمكين، ويعتبر "رواد 2030" بداية لخطط أوسع لصقل قدراتهم وإعدادهم ليكونوا قادة المستقبل، دماء جديدة تم ضخها في عروق الجهاز الإداري من الشباب حاملي الدكتوراه والماجستير وأوائل الخريجين ليكونوا نواة التغيير بالمستقبل، وفي منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، صعد على المنصة كوكبة من الشباب الذي كسر الصورة الروتينية للموظف الحكومي ليطرح أفكارا ناضجة لمشروعات حقيقية تخدم الاقتصاد الوطني، وهم في انتظار التمكين.

واليوم تتبلور رؤية أشد أهمية لدى الحكومة في قضية التوظيف والتشغيل للشباب ويتلخص فحواها في مزيد من الدعم لمشروعات الشباب الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وريادة الأعمال كبديل للوظيفة الحكومية وفتح الأفق لابتكار مشروعات وصناعات بأفكار جديدة وبأقل تكلفة مثل إعادة تدوير قشور الجمبري لتصنيع البلاستيك والأسمدة، توجه ليس جديدا ولكنه حصل في الفترة الأخيرة على اهتمام منقطع النظير عَكَس مدى تفاني الحكومة في وضع استراتيجية جديدة لإحداث طفرة وقودها الابتكار.

هل تفعلها مشاريع مصر وتدشن عصر النهضة؟

بلا شك، الابتكار يحتاج لمن يرعاه ويحتضنه حتى لا يذهب مع الريح، ففي أبريل 2017، وُلِد جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر "مشاريع مصر" ليحل محل الصندوق الاجتماعي للتنمية ومجلس التدريب الصناعي وذلك بقرار السيد رئيس الوزراء لتوفير خدمات مالية وغير مالية تتركز في خمسة محاور كبرى إتاحة التمويل، دعم ريادة الأعمال، تنمية الصادرات، توفير خدمات تنمية الأعمال، وتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية للمشروعات. 

والجدير بالذكر أن وزارة الشباب والرياضة تطلق بشكل دائم برامج تدريب وتأهيل لإطلاق مشروعات الشباب لكن تلك الجهود لم تصل للتمويل والذي يمثل أهم حلقة في إنجاح المشاريع، ورغم طرح فكرة انشاء "صندوق تمويل" على وزراء الشباب السابقين إلا أنها لم تلقَ ترحيبًا لأنها وزارة خدمية، ويحتمل طرحها مجددًا بالفترة القادمة.

"مشاريع مصر" تشكل قفزة في سياسة الدولة بلا شك لأن دورها لم يعد يقتصر على تأسيس الشركات الناشئة فحسب وإنما أصبحت الدولة مرافقا جادا للشاب منذ ميلاد فكرة مشروعه وحتى تسويق وبيع المنتج للمستهلكين وما بين نقطة البداية والنهاية توفر الدولة خدمة تأهيل وتدريب صاحب المشروع لعمل دراسة الجدوى والتأسيس القانوني والتمويل والدعم التسويقي والإداري والفني والمتابعة الميدانية وهو ما انعكس بقوة على نجاح المنظومة بالكامل.

خريطة الفرص الاستثمارية والتي طال انتظارها باتت اليوم متاحة على الموقع الالكتروني لمشاريع مصر ويمكن لأي شاب الوصول لأفضل مشروع يتناسب ومتطلبات الموقع الجغرافي المقيم به المشروع، وبإدارة متميزة وحضور اعلامي واسع قوي، نجح الجهاز في دمج البنوك ووكالات التنمية الدولية في منظومته بل اتسع نجاحه ليصل إلى بناء شراكات دولية مع جهات بالخارج، ولا يمكن نسيان نجاح كوريا الجنوبية انطلق من ذات النقطة وهي "المشاريع الصغيرة"، مشاريع مصر أنجحت نحو ربع مليون مشروع صغير ومتناهي في الصغر خلال العام الماضي، والمستقبل يحمل المزيد.

ابتكار وأفكار وشباب وإعمار ووطن في ازدهار.. هكذا تتحقق المعادلة الصعبة للإصلاح الاقتصادي، وفي عالم اشتدت به التنافسية الاقتصادية يصبح البقاء للمبتكر، مستقبل واعد واقتصاد صاعد بسواعد أبنائها المخلصين وعجلة انتاج تدور في كل شبر من أراضيها.

الابتكار أو الاندثار.. لا خيار ثالث!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط