الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

معتز حجازى يكتب.. فِقه الاستهبال في علوم الرجال

معتز حجازى
معتز حجازى

بحثت في معجمنا اللغوي عن معنى كلمة الاستهبال و إن كان لها أصل في اللغه أو وردت في تاريخنا العربي أم هي كلمه استُحدثت بمرور الأزمنه فظهرت كسائر المُستحدثات وكان قصد البحث ومفادُه ليس في وجود الكلمه من عَدمه وإنما بوجودها يصبح معلومًا بالضروره وجوبَ وجودِ الفعل أيضا وهو ما أردت الوصول اليه.

و الشاهد في الأمر بعد البحث أن الاستهبال في اللغه يعني التظاهر بالحمق و الغفله و إستهبل الشخص أي ادعى الجنون أو تظاهر بالحماقه و المقصد من إستخدام الفعل عادةً هو المراوغه أو الهروب من المسؤلية المُلقاة على الشخص .

وفي الحقيقه أن كمّا من الحماقه المُصطنعه و الإستهبال أصبح سمة العصر ، إنظر حولك و سترى دون الحاجه إلى التمعن كمًّا منه في كل نواحي الحياه وهذا لأن كل أفعالنا و أقوالنا و بيوتنا و مؤسساتنا قد مٌلئت بكمٍ من الإستهبال يندى له الجبين .

أفهم أن نرى هذه الصفه المذمومه في العامة من الناس مع رفض المبدأ من الأساس و لكن وجودها في مسئولين وضعت مقاليد و مُقدرات الأمور في أيديهم طامة كبرى الناتج منها عواقبُ وخيمه لن تعود بالضرر الظاهر فقط على الأوطان و إنما ستمتد عواقبها لسنوات و على أجيال لم يرى مستقبلهم النور حتى الآن.

لم أر في رسول الله و لا صحابته و لا التابعين على مر السيره هذه الصفه في قراءاتي حتى في أصعب المواقف التي قد يلجأ المرء فيها مُضطرا إلى المُراوغه بالقول أو الفعل مهما كان حجم الحُجه المقامة عليهم فقد كانوا رجالا يدركون حجم المسئولية الملقاه على كتفهم رغم انهم لم يرد في أذهانم حسب رؤيتي أن التاريخ سيسطر بحروف من نور أعمالهم و أقوالهم لتكون دروسا للأمم من بعدهم ، و اخترت من ضمن المئات من المواقف أسهلها سردا و أشهرها عند العامه ..

فترى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما قطعت حديثه إمرأه في خطبته و سكت برهةً و قال قولته الشهيره أصابت امرأه و أخطأ عمر ، لاحظ معي أن عمُرًا رضي الله عنه كان يستطيع أن يراوغ بحجه ظاهرها حق و باطنها باطل في إسكات المرأه مُستخدما حقه في توبيخها كونها قاطعت الخطيب أثناء خطبته وستكون فاصلة قاطعه مقنعةً لو صدر هذا اللوم من أمير المؤمنين و بذلك يكون قد سلك مسلك الاستهبال و لكنه آثر على نفسه ألا يقع في خطأ أكبر و إعترف بخطئه أمام العامه دون الحاجه الى الإلتفاف و إستخدام هذا المذهب المذموم في الخروج من الحرج و ليعطي للأمه درسًا عظيمًا و لكل قائد و مسؤول وكل راعٍ أن لا يتوارى أحدُ منا خلف هذا المسلك القبيح مهما كانت الحُجه المقامه عليه.

لو أعدنا النظر في السيره لوجدنا أنفسنا أقزاما أمام عمالقه كانوا على قدر الاحداث ، خافوا يومًا تجتمع فيه الخصوم عند بارئها فيقتص الخالق حقه و حق مخلوقاته وإجتهدوا و جاهدوا و ثابروا أملًا في ألا يلقى أحدُ فيهم ربه ظالمًا ولو بالتكاسل أو بالضعف أو بالاستهبال وإيمانًا منهم أن هذه الصفه لا تتماشى مع ثقل الأمانه و لا صفات الرجال .

وبعدما لاح لكل عاقل بأن الاستهبال لم يكن يوما من شيم الرجال فالحق أقول لكم إن كان في الاستهبال طوق نجاة لأحدكم فوالله إن أكرم لأحدكم أن تُسلبَ روحه علي أن يؤثر النجاة بالاستهبال.