الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الصين لديها إخفاقات أيضًا!


نجاح تعقبه خطوة وخطوة تعقبها طفرة، هكذا تدشن الصين بداية صعودها على الساحة الدولية كقوة عظمى تسير كتفًا إلى كتف الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح الزعامة الصينية في مرمى البصر.

وبجوار الأرقام المتداولة للنجاح الاقتصادي المبهر، هناك نجاح أخر يلوح في الأفق ويتجسد في العلم إذ أنفقت الصين نحو 21% مما ينفقه العالم على البحث والتطوير أي نحو 2 تريليون دولار عام 2015 وهو معدل في تزايد مما سيجعلها قوة علمية عظمى غدًا، كما أنها نجحت في الهبوط على الجانب المظلم من القمر في 3 يناير الماضي وهي بذلك أول دولة تخطو تلك الخطوة!

لكن في الجانب الأخر.. للصين إخفاقات أيضًا قد لا يعرفها الكثيرون وتأتي "المدن الخالية"في المقدمة، التوسع الاقتصادي يشمل بلا شك تشييد ضواحي ومدن عمرانية حديثة تستوعب حجم التوسعات الاقتصادية الضخمة التي تتناسب والقوة الديموغرافية المليارية للصين حيث اعتمدت حكومة بكين ميزانية ضخمة لتشييد مدن جديدة تكون نواة التنمية بالأقاليم لكن حتى اليوم أخفق بعضها في جذب العدد المستهدف من السكان، وتعتبر مدينة "أوردوس" في إقليم منغوليا الداخلية مثالًا، ورغم محاولة الإعلام الغربي استغلال تلك المشكلة وتوظيفها لتصوير اقتصاد الصين أجوفًا إلا إن بكين تبذل أقصى ما لديها لإيجاد حلول، كما أن نمو الكتلة الديموغرافية قد يجبر الصينيين على ملأ تلك المدن بالمستقبل.

وخارج الصين، يأتي إخفاق أخر وأكثر إحراجًا لها ولطموحها العالمي ألا وهو فسخ عقود بمليارات الدولارات وقعتها الشركات الصينية مع دول أخرى مما يعني بلا شك تكبد خسائر حيوية، وعندما يحدث ذلك في بلدان تقع بالحزام المتاخم لحدودها وتأثيرها الإقليمي مثل ماليزيا فإنها خسارة اقتصادية واستراتيجية في آن واحد، ففي 26 يناير الماضي أعلن أزمين علي وزير الاقتصاد الماليزي فسخ تعاقد مع شركة الصين للمقاولات والاتصالات قيمته 20 مليار دولار لتشييد خط سكة حديد بسبب تكلفته العالية جدًا وقد سبق ذلك أيضًا فسخ التعاقد مع شركة صينية أخرى في أغسطس الماضي لعمل خط غاز في ولاية "صباح" شرق ماليزيا.

وقد يراها البعض إعادة دراسة الجدوى الاقتصادية والتكلفة لهذه التعاقدات مع الصين بسبب تزايد الديون الماليزية الخارجية كمحاولة تقشفية من كوالالمبور إلا أن هناك طرح أخر وراء ذلك القرار حيث تحوم الشبهات حول تورط رجال أعمال صينيين في رشاوى قُدِمت لمسئولين بارزين في حكومة رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق والذي خسر الانتخابات الأخيرة وسط فضيحة مالية مدوية دفعت الشعب الماليزي لإعادة مهاتير محمد مرة أخرى لسدة الحكم هناك وقد أوشك على بلوغ 100 عام من عمره،كما قام بفتح التحقيقات في ملفات الفساد وبالأحرى الصفقات الغير عادلة "على حد وصفه" مع الشريك التجاري الأهم "الصين".

ولا يمكن نسيان الواقعة الشهيرة التي حدثت في بنجلاديش في يناير 2018 عندما أعلن وزير المالية فسخ التعاقد مع شركة الصين لهندسة الموانئ لبناء طريق سريع من العاصمة حتى مدينة سيلهيت شمال شرق البلاد، جاء هذا الفسخ عقب ضبط رشوي قدرها 60 ألف دولار قدمتها الشركة الصينية لمسئول رفيع بالحكومة كما قامت الحكومة بوضع تلك الشركة الصينية في القائمة السوداء المحظور التعامل معها بالمستقبل بالبنجلاديش.

وفي أفريقيا، أعلنت سيراليون بأكتوبر الماضي فسخ عقد تم ابرامه مع شركة صينية بقيمة 400 مليار دولار لبناء مطار ماماماه غرب البلاد والذي خطط له أن يكتمل عام 2022، لكن حكومة فري تاون فضلت عدم الإفصاح عما يحدث خلف الكواليس واكتفت بقول أن المطار الجديد غير مجدى اقتصاديًارغم توقيعها عليه مسبقًا من أجل تبرير إلغاء التعاقد.

والجدير بالذكر أن الصين استثمرت مليارات الدولارات لتنفيذ مبادرة الطريق والحزام من أجل ربط موانئها ومصانعها بغرب أوروبا مرورًا بوسط وجنوب أسيا وشمال أفريقيا ذلك الأمر الذي سيخلق أرضية مثالية لتدويل شركاتها ولكن الملاحظ أن أغلب تلك المشاريع التي وقعتها الصين في إطار تلك المبادرة مبنى بالأساس على استدانة تلك الدول وهو أمر خطير للغاية سيكلف حكوماتها أعباء اقتصادية غير مسبوقة، وسيضر سمعة السياسة الاقتصادية للصين خارج حدودها.

كما تعتمد الصين على دبلوماسية "الاستدانة من أجل التنمية" في الكثير من أقطار العالم مما يشكل خطورة على استقرارهم الاقتصادي، وتعتبر سريلانكا مثالًا حينما نشطت الشركات الصينية في إعادة تعمير سريلانكا عقب نهاية حربها الأهلية عام 2009 من خلال بناء طرق وموانئ ومطارات دولية مكلفة للغاية وحتى اليوم تضطر حكومة سريلانكا لدفع نحو 80% من دخلها كديون للصين!

ليست يوتوبيا بل واقع مارسته الكثير من القوى الدولية مسبقًا لا سيما الاستعمارية منها خلال القرنين الماضيين، وتظل الصين مرابطة على مسار التقدم اقتصاديًا وسياسيًا بين نجاحات وإخفاقات... هل ستفطن بكين للإخفاقاتوتعدل المسار،والأهم هل ستنجح الدول الأخرى في الاستفادة بمساحة الحرية والحركية بين بكين وواشنطن بالمستقبل في جذب الاستثمارات أو صفقات التسليح وتشييد تحالفات استراتيجية حقيقية؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط