الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحرب التجارية العميقة


ما يجري في عالمنا اليوم هو حقيقي.. نحن امام إعادة ترسيم حدود النفوذ الجيوسياسي والأمني للقرن الحادي والعشرين .. ولذلك فإن الجاري الآن في بورصات العالم وفى اروقة البنوك والشركات العالمية هو انعكاس طبيعي لفجوات امنية وصدام في شكل وجوهر النظام الدولي ..لم يجد له منفذًا إلا في الاقتصاد .
 
الشكوك حول العولمة تتعاظم يومًا بعد يوم .. نحن نعيش اليوم حربا تجاريه لن تنتهى قريبًا .. والأمر لن يتوقف مع تمديد او عدم تمديد ولاية الرئيس الأمريكي ترامب .

الأمر لن يتوقف عند معركة هواوي .. لأن المشكلة هنا ليست في قوانين الحمائية أو في الميزان التجاري .. وانما إدراك طرف أنه إما المواجهة الآن أو لا مواجهة والتكيف مع عالم جديد سيكون له مفاهيم مختلفه وحدود جديدة أيضًا .

لكن التصور القائم على أن الحرب التجارية ستنتهى بنهاية اقتصادية أو اتفاق تجاري مشكوك فيه الى حد كبير .. لأن ما نراه اليوم اشبه بفك ارتباط وليس إعادة التفاوض حول شروط البقاء الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة .

هذا الارتباط لن يتفكك بعيدًا عن تأثيرات على شكل وحركة الاقتصاد العالمي واتجاهات النمو .. فوسط هذه الحالة لن يكتفى العالم بسوق ابتكار واحد .. او عولمة التكنولوجيا ذاتها ..فالاجراءات الحمائية لن تتوقف عند الرسوم .

إذ على المدى الطويل .. سيسعى كل طرف الى صناعة حدودًا جديدًا للأسواق قائمة على صناعة هويات تكنولوجية .. تلك الهويات التكنولوجية ستسعى الى صناعة أشكال مختلفة ومتنافسة من التكنولوجيات وطرق الإنتاج واشكال المنتجات. 

لن تجد بسهولة منتجا يصلح تجميع مكوناته من أسواق متعددة .. بالأحرى ستكون الهوية التكنولوجية حائل أمام عولمة المنتجات .. فنحن مقبلون بأكثر من أي وقت مضى على احتكار للتكنولوجيا وأنظمة التشغيل والإنتاج.

المشكلة هنا تكمن في الأسواق الناشئة .. التي ستعانى صراع الهويات التكنولوجية مستقبلًا .. خاصة مع سعى هذه الأسواق الى تعميق تكنولوجيا التصنيع والإنتاج .. فالاقتصادات النامية ستجد صعوبة في المزج بين تكنولوجيات التصنيع مستقبلا وأسواق التصدير .

وفى اقتصاد يعتمد بالأساس على أنظمة التشغيل الالكتروني .. ستصبح تكنولوجيا الإنتاج والاستخدام أسيرة لطريقة عمل أنظمة التشغيل التي ستنتجها مستقبلًا الدول صاحبة الهويات التكنولوجية المتنافسة .

إن مصطلح الهويات التكنولوجية لن يعنى مستقبلًا تنافس سيارتين كهربائيتين .. أو جهازى محمول .. وإنما أنظمة تحكم وتشغيل الصناعة والاستخدام .. وهذا فعليًا ما سيتطلب من المستخدم اعلان استخدامه لهوية تكنولوجية مختلفة حسب أفضلياته في الاستهلاك .

صراع الهويات التكنولوجية ستصنع اشكال انتاج واستهلاك مختلفة .. وربما تصنع الحدود المستقبلية للنمو الاقتصادي .. ستجد أسواقا ذات هوية تكنولوجية صينية وأخرى أمريكية واخرين يتبعون الهوية التكنولوجية الأوروبية .

وربما تصنع هويات التكنولوجية ثلاثة أسواق دولية مفتوحة على المدى البعيد أو اتجاهات للنمو الاقتصادي جديده.. القطاع الأول هو الصين واتجاهه طريق الحرير وصولا الى شرق افريقيا وشرق أوروبا.. والقطاع الثاني أمريكي واتجاهه من والى أمريكا الجنوبية وكندا وبريطانيا .. والسوق الثالث الاقتصاد الأوروبي واتجاهاته من والى روسيا وجنوب المتوسط وشمال افريقيا وغربها .

ولكل سوق منها لغة تكنولوجية مختلفة وعُملة مختلفة وهيكل اقتصادي وأنظمة طاقة متعدده .. وهذا لا يعنى بالضرورة أننا سنكون في عالم الاقتصاديات المنعزلة ..وإنما الى تكتلات اقتصادية يتحرك الاقتصاد داخله بحرية وديناميكية .. ولها علاقات اقتصادية وتجارية بموارد الخام والطاقة من خارجها .. والتي بالمناسبة سيكون بعضها موجود في مناطق اقتصاد ذي هوية تكنولوجية مختلفة .

وهنا لابد على الدول التي تقع عند نقاط التماس بين الأسواق الجديدة .. أن تدرك أن الحل يكمن في تعميق صناعة التكنولوجيا والبنية التحتية المتنوعة لتكنولوجيا الإنتاج .. وأن تمتلك مرونة الاستخدامات المتعددة لأنماط واشكال الإدارة والتشغيل والاستخدام .. وأن لا تقتصر أسواقها على هوية تكنولوجية بعينها .

إن الحرب التجارية الحالية .. ليست بأسباب كلها اقتصادية ..وإنما صراع جيوسياسي .. تتخلله حروب الكترونية .. ستصنع في المستقبل سعى محموم الى تغيير وتنويع أنماط التكنولوجيا واستخداماتها .. ومن الان فعلى الدول الذكية ان تسعى الى تنويع تكنولوجيات قطاعات اقتصادها الحيوية .. مع سعيها لصناعة هوية تكنولوجية ذاتية لحماية نقاطها الحرجة .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط