الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر بدون تومية


لا أجدُ سببًا لانتفاضة أبناء وطني ضد دعاوى التضييق والرقابة على أموال السوريين وتعاملاتهم التجارية، سوى أننا ننظر لأهل الشام كجزء أصيلٍ من نسيج مجتمعنا، يُجاوروننا السكن، ويُزاملون أبنائنا في مقاعد الدراسة، ويرافقون لاعبينا في الفرق الرياضية، ونجومنا في الأعمال الفنية، والأهم أننا غدونا مدينين لهم بالأكلات الشهية، والحلوى الشرقية، والعطور الذكية، والحراير الدمشقية، حتى أصبحنا لا نتصورُ الفراغ الذي قد يسببه تفكيرهم في الارتحال إلى وطن آخر.. أو تحمُل مصر بدون تومية.

هاشتاج ( #السوريين_منورين_مصر ) الذي انفجر في منصات "السوشيال ميديا" لنُصرة الإخوة السوريين والتعبير عن مشاعر الود تجاههم، كان برأيي مُبالغًا فيه، فلم نُصادف مثيله مُنذ اشتعال الصراع في سوريا مارس ٢٠١١، إلا أنه على الوجه الآخر لم يكن مُستغربًا، حيثُ عكس حقيقة معدن المصريين، الذين أرادوا التعبير عن المشاعر الطيبة التي نُكنها للسوريين، ولكل من طرق أبواب بلادنا الطيبة طلبًا للأمن ولقمة العيش.

برأيي أنه لا يوجد تعارض بين مشاعر الأخوة التي تربطنا بالإخوة السوريين، أو واجب الضيافة الذي نُحيطهم به، وبين إتباع ما يلزم من إجراءاتٍ للاستيثاق من مصادر تدفقات أموالهم، وطرق دخولها لمصر، ومعرفة إلى أين يذهب ريع تجارتهم في بلادنا، باعتبار أن أي مُعاملات تجارية تتم على أرض مصر أمرًا يمُس الأمن القومي بصُورة مُباشرة، ولا يمكن مثلًا قبولُ ما يردده أصحاب الدعاوى المناهضة عن تدفق عائد استثمارات السوريين إلى إحدى الدول المعادية في منطقة الشرق الأوسط، الحاضنة للعديد من العناصر الإرهابية الهاربة.

لقد خرج أصحاب رؤوس الأموال السوريين من بلادهم وبحوزتهم نحو 23 مليار دولار ( وفقًا للمذكرة التي تقدم بها المحامي سمير صبري للنائب العام قبل أيام دفاعًا عن حقوق السوريين بمصر) وتم ضخ هذا المبلغ الهائل للاستثمار في البلدان التي استقروا بها، ومن بينها مصر، التي كان لها نصيب كبير من تلك الاستثمارات، نتيجة المناخ الاقتصادي المحفز والتيسيرات التي يتم تقديمها، ولعل ذلك ساهم في التوسع الأفقي والرأسي السريع والهائل في مشاريع السوريين في مصر، التي بدأت في الإنتشار، وتزايد الفروع، واجتذاب أعداد أكبر من العمالة بينهم مصريين، ولعل هذا النمط التجاري لاستثمارات السوريين يتطلب المتابعة والملاحظة، ولا أظنُ أن ذلك يعُد نقضًا لروابط الأخوة تجاههم، فهو إجراء مُتبع وضروري حتى مع الاستثمارات الوطنية.

كما أن مصر تفتح ذراعيها لكل لاجئ مسالم، فمن حقها أن توجد الضوابط اللازمة لمعيشتهم بيننا، وتفرض الشروط التي تحفظ أمن البلاد وأمانها، لعدم السماح بممارسات تجارية غير مشروعة كغسل الأموال وتهريبها، أو أي أعمال عدائية، فكُل من طرق أبواب بلادنا وجد الترحاب والأمن والخير، وكانت بلادنا دومًا برهانًا لقول الله عزوجل، "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" (يوسف: 99)، أو قوله تعالى "اهْبطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ" (البقرة: 61)، ولكن ما إذا ما قرر أحدهم الرحيل فليذهب مصحوبًا بالسلامة، فمصر لا تتمسك بأحد.

فبلادنا تحتضن نحو 5 ملايين لاجئ وفقًا للرقم الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته بمؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2019، والذي أعاد استخدامه قبل أيام ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر، جون جبور، للإشادة بالكشف على اللاجئين ضمن مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي "100 مليون صحة"، كما أن مصر لا تتلقى الدعم الكافي من المنظمات الإنسانية الراعية لحقوق اللاجئين، كما تفعل إحدى الدول شرق الأوسطية التي تحظى بنصيب غير ضئيل من اللاجئين السوريين، تستجدي من أجلهم المساعدات لتحصل من الإتحاد الأوروبي وحده على ما يُقارب 2.09 مليار يورو كتمويل إنساني لمساعدة اللاجئين، بينما نحن في مصر "نتقاسم" مع السوريين ومختلف ضيوف بلادنا الرغيف ولُقمة العيش، وفق الوصف الدقيق لهذه الكلمة.

ولعل العدد الكبير من اللاجئين الذي تستضيفه مصر يأتي كضريبة مستحقة لثقل بلادنا في الدائرة العربية والإقليمية، والقدرة على الاستقرار والتماسك وسط منطقة حافلة بالصراعات والفوضى، ذلك فضلًا عن المزايا الإيجابية الجاذبة التي يحظى بها اللاجئين بيننا والتي لا تتيحها دولة أخرى، حيثُ يعيشون كالمصريين، يندمجون داخل المجتمع، دون أي وجود لمُفردات يعهدها اللاجئون مثل معسكرات الإيواء أو الأحياء المنعزلة "جيتو"، وهذا ليس بشهادتنا نحن، ولكن بإقرار مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين (UNHCR)، من خلال تقاريرها الدورية، وتصريحات مفوضها السامي "يليبو جراندي" خلال لقاءه بالرئيس عبد الفتاح السيسي بالقاهرة في يناير 2019، والتي أفصحت جميعها عن تقدير المفوضية للجهود التي تقوم بها مصر لاستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين من جنسيات مختلفة وحرصها على معاملتهم كمواطنين.

السوريون منورين مصر، ولكن على المصريين أن يستوعبوا فكرة أن مواطني بلاد الشام ضيوفٌ على أرض بلادنا، وكما أن للضيف حقوق، فعليه واجبات، وإذا قرر السوريين يومًا العودة إلى بلادهم أو التفكير في العيش في بلدٍ آخر، فعلينا القبول بفكرة أن تعود مصر بدون "تومية".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط