قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

القسمة على اثنين ‏!!‏


بالتأكيد أن أحدا منهم لم يتخيل قبل أن يغادر موقعه ليصعد إلى السماء، ويصبح من بين هؤلاء الذين باتوا أحياء عند ربهم يرزقون، أن البعض يسعى سواء بقصد أو بحسن نية ودون أن يدري، إلى إجهاض حلمه بوطن ومستقبل أفضل‏.. ويحاول أن يخضع مصر الثورة بدون أي منطق لعملية قسمة على اثنين.. التحرير.. والعباسية!!
بالقطع لم تتخيل أم مينا، وهى تمسح دمعة سالت من عينيها بعد أن توقد شمعة أمام تمثال العذراء، وترسم بيدها اليمنى صليب عيسى على صدرها، متيقنة أن ابنها يرقد في سلام على رجاء القيامة بين القديسين والشهداء.. ولم يتصور ذلك الحاج وهو يلملم سجادة الصلاة بعد أن أدى فريضة الفجر، ورفع كفيه للسميع العليم أن يتقبل ابنه بين الشهداء، أن ابنيهما قد دفعا حياتهما ـ ضمن مئات من شباب ثار من أجل كرامة أمة ـ أن البعض قد استهدف تلك الثورة التي سددوا فاتورة حسابها من دمائهم التي سالت في ميادين وشوارع مدن وطن يرقد بين خطوط الطول والعرض على وجه الكرة الأرضية ويختصر اسمه في ثلاثة حروف "مصر"!!
لم يتخيل الملايين عندما خرجوا في ثورة بيضاء سلمية.. سلمية وأسقطوا رموز نظام لم يصمد أكثر من18 يوما وبدأوا تحديد ملامح خريطة طريق لتحقيق الحرية والعدالة والعيش الكريم والمشاركة في صياغة قرارات تحدد مستقبل وطن، أن هناك من يسعى لتحقيق نبوءة المخلوع أنا أو الفوضى.. وأن هناك من يحاول أن يهدر دماء مئات من الأبرار أغرقت مشروع التوريث ليبدل اسمه باسم الوريث الذي كان قادما!!
لم تسلم الثورة فور أن بدت في الأفق ملامح نجاحها من محاولات إحداث الردة وشغل الجميع بقضايا ربما تدفع الثورة إلى أن تحيد عن خريطة طريقها.. تغييب الأمن بفعل فاعل وصياغة تلك الفوضى.. الدستور أولا أم الانتخابات.. انتخابات بالقائمة الحزبية أم انتخابات فردية.. انتخابات رئاسية أم صياغة الدستور.. عودة القوات المسلحة ـ تلك المؤسسة الوطنية التي راهن أفرادها على حياتهم بالانحياز منذ اللحظة الأولى لمطالب الشعب ـ إلى ثكناتها وتسليم السلطة فورا أم إكمال مهمتها الوطنية إلى أن تطمئن علي سلامة مؤسسات وطنية قادرة على أن تحمل أمانة شعب وتثق في قدرتها على تحملها!!
ولأن للمؤامرة قواعد تقضي بتقسيم الأدوار، فقد حاول البعض رفع راية الطائفية وإشعال حرائق التطرف والعنف، وسط هذا الزخم من القضايا البيزنطية التي ربما تشغل الثورة وتنسيها أهدافها.. وللحق أقول إن معظمنا قد اكتفى وسط كل هذا إما بمقعد المتفرج وإما بترديد عبارات روتينية على غرار بالروح بالدم نفديك دون أن يسعى بالفعل إلى حماية ثورته!!.. أما البعض الآخر فقد بدأ طريقه بمحاولة إقصاء من فرضت عليه طقوس دينه أن يرسم بيده اليمنى صليبا على صدره وأصبح يعامله على أنه مواطن من الدرجة الثانية.. أو محاولة إبعاد من يبدي رأيا مخالفا أو على الأقل رشقه بعبارات الخيانة والعمالة.. بينما تفرغ فريق ثالث لإبعاد من لا يمتثل لمظاهر ـ نعم مظاهر ـ التدين!!
وفي كل الأحوال، فإن الجميع أفسحوا مساحة لكل من يستهدف هدم الدولة أو إسقاط الوطن.. من يشعل النيران في جسد الانتماء بزجاجات مولوتوف.. من يرشق التاريخ بحجارة التطرف.. من يشرع أسلحة بيضاء في وجه التسامح والمحبة والسلام.. غير أنهم في النهاية ليسوا مواطنين.. وليسوا مصريين.. ليسوا منا.. ونحن لسنا منهم..!!
وإذا لم ننتبه جميعا فإن مصر قد تصبح مصرين إن صح التعبير.. مصر التي عاشت في خاطرنا جميعا.. ومصر التي في خاطرهم ويستهدفون تحقيقها.. مصر الوحدة.. ومصر الانقسام.. مصر المدنية.. وتلك الطائفية.. مصر المحبة والسلام.. والأخرى مصر الفرقة والكراهية.. مصر العدل والمساواة والرحمة.. والأخرى مصر الانقسام والتمييز والتفتيش في الضمائر.. مصر الأمن والأمان.. والثانية مصر الفوضي والخراب.. مصر التي اعتدناها ونريدها.. والثانية مصر التي يريدون فرضها علينا.. غير أنه في النهاية لا يدركون أن مصر واحد صحيح ولا تقبل القسمة على اثنين!!