الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمجد المصرى يكتب: الآخر ...!!

صدى البلد

وكأنما وضعتنا مأساة وفاة الممثل الشاب هيثم أحمد ذكى بهذا الشكل المحزن امام أنفسنا او امام المرآه للحظات كي نتسائل : هل حقًا مازلنا نعيش معًا أم أن الآخر بكل معانيه وأشكاله قد فقد كثيرًا من إهتمامنا وانحصرت دائرة عقولنا بل وقلوبنا على أنفسنا فقط .. أنها اشد سنوات الفقر الانسانى حين نتذكر بعضنا فقط بعد الوفاه ..!!

يُحكى فى الأثر أن أبناء هذا البلد كانوا أكثر ترابطًا والتحامًا مع الآخر مما نحن فيه اليوم حين كانت ابواب البيوت دائمًا مفتوحه امام الأهل والجيران .. حين كانت البنت أو المرأه تسير فى الحاره المصريه آمنه مطمئنه وهى تثق تمام الثقه أن " رجالة الحته الجدعان " سيوفرون لها الأمن والحمايه ضد أى تحرش او إعتداء .. عندما كانت موائدنا " عامره " ليس فقط بالوان الطعام الشهى ولكن بالحب والضحكات ولمة الأهل والأصحاب والجيران .

يُحكى أيضًا اننا قبل سنوات قريبه كانت حياتنا اكثر هدوءًا وأقل تعصبًا حتى بين الأنداد والمختلفين فى الفكر .. اتذكر انه قبل عشرين عامًا او أكثر قليلا كانت " شلة الجامعه " تضم اليسارى والإسلامى والليبرالى والماركسى وابن عامل النسيج وحفيد الباشا الأرستقراطى .. كنا نختلف فى الفكر والمستوى واسلوب الحياه لكن لا نسمح بأن يتحول الإختلاف الى خلاف فالكل إنسان يحق له أن يؤمن بما يشاء ويحيا كما يشاء ولكن فى أطار من الحب والقبول للآخر أو على الأقل فصل أختلاف الفكر والعقيده والمذهب والطبقه عن معانى التراحم والود والإنسانيه والصداقه .

يُحكى أن البر والتراحم لم يكن لهم فى بلادنا مواسم أو أعياد كما هى الآن ولكن كانت كل ايامنا موده وصلة ارحام . كنا نجلس بعد صلاة الجمعه مع الأب والأعمام نستمع للقاء الشيخ الشعراوى أو كنا نتجمع كبارًا وصغارًا امام مباريات كره القدم حتى لمن لا يفهم فيها أو يعشقها .. ليلة الخميس كان الكل معًا امام التليفزيون الصغير لمشاهدة مسرحيه لعادل امام او فيلم ليوسف شاهين .. كنا نفتقد من غاب ونبحث عنه ونتالم لمن يتألم ونفرح لنجاح الآخرين ونتقاسم الضحكات فى تناغم عفوى حتى نسقط من التعب عند مطلع الفجر فينام الجميع سعيدًا مرتاح البال .

يحكى ان أبناء هذا البلد الطيب علموا الدنيا معانى الشهامه والتراحم والتآخى وحسن الضيافه ونجدة المحتاج وأعانة الضعيف حتى صارت تلك المسميات لصيقه بنا حين نزور اي بلد عربي شقيق فيقولون ( مصري شهم ومصرى جدع ) أو (المصرى أبو الكرم والرجوله) فماذا حدث لنا وكيف تركنا هذا الشاب وامثاله يموتون بداء (كسرة القلب) .. كيف تركنا كبار السن رجالًا ونساءًا جالسين في الطرقات ليل نهار ينهشهم البرد وهم يتسولون لقمة عيش دون أن تهتز مشاعرنا .. كيف أختفت صلة الرحم بيننا فأصبحنا لا نجتمع إلا في سرادقات العزاء ..

يُحكى ان ويُحكى أن ولكن ماذا سنحكى نحن لأحفادنا بعد عشرات السنين .. عن أى اشياء سنحدثهم وكيف سنبرر لهم هذا الاختلاف الرهيب في قيم وصفات هذا الشعب خلال عقد او أثنين من الزمان .. أنها سنوات الفقر تنهش جذورنا وقيمنا وتراثنا الإنساني ونحن صامتون فإنتبهوا ايها الساده فالحياه لا تستحق كل هذا الإنفصال والإنغلاق علي الذات فاليوم نحن فوقها وغدًا لا نعلم أين سنكون .. رحم الله من عاش ومات وحيدًا يحسبهُ الجاهل في غنى وأكتفاء وقد كان إلي الناس أحوج ..!!!