ميسرة السيد تكتب: تجربتي مع سرطان الضمير(2)
فعقب ما حدث في منصقة ( أل ) توجهت إلى عدة مناطق أخرى بنطاق القاهرة الكبرى أملًا في العثور على مساعدة أو مساندة ترشدني إلى الجهة المنوطة فعليًا باسترجاع حق الوطن وشعبه لكن هيهات ثم هيهات، ففي النهاية رجعت مرة أخرى إلى مقر الوزارة بعد أن تحول الأمل إلى يأس وأغلقت كافة السبل أمامي حتى أن قدمي لم تستطع السير وأصيب جسدي بإعياء شديد فكنت أتوقف في الطريق من دقيقة لأخرى كي أسترجع أنفاسي، ورغم كل ذلك ظل فؤادي محافظًا على دقاته متمسكًا بآماله في نصرة الحق.
وصلت إلى نقطة ما قبل البداية، وقابلت موظف الاستقبال مرة أخرى فظهر عليه حالة تذمر شديد عقب عودتي وأعاد كلماته للمرة ثانية على مسامعي لكن تلك المرة لم أستمع إليه لأنني فقدتُ السيطرة على حواسي المنهكة من الأصوات الصاخبة المنتشرة بالمحافظة، وإبان حديثه المتكرر قاطعه أحد الأشخاص - صدقًا لا أعلم وظيفته - وأشار علي بالتوجه إلى أحد طوابق الوزارة حيث يمكنهم مساعدتي وقبيل الانتهاء من كلامه ثار عليه موظف الاستقبال وبدا عليه الغضب لا أعلم لماذا تعامل ذلك المواطن بتلك الطريقة حتى أنني أشرت عليه أن أقابل أحد مسؤولى الوزارة لكنه رفض وأبلغني أنهم ليسوا منوطين باستقبال شكاوى المواطنين، فبعد إصراري الشديد على عدم مغادرة المقر وضرورة مقابلة أي شخص من العاملين بالوزارة، تمكنت في النهاية من الصعود فعليًا وهناك أصيبنا جميعًا بالصدمة.
لقد حاول بعض الموظفين بالفعل مساعدتي بكل ما أتيح لهم من إمكانيات رغم ذهولهم بأحداث القصة لكنهم كانوا النقطة البيضاء في اليوم الأسود، فكانت المرة الأولى لنا عندما علمنا من مركز الشكاوى أن الوزارة تعلم بما يحدث من تلاعب لكنها لا تستطع حماية أموالها لأن الأوراق والأختام سليمة، نعم أيها السادة الأختام سليمة لكن التزوير في الضمائر ولم يكتشف بعد الدواء لاستئصال ذلك الخبيث من الجسد، ما زلت أتذكر تعبيرات وجوههم وتنكيس رؤوسهم عندما علموا بحقيقة الأمر مما دفعني للبكاء لكن دون جدوى، وقبيل المغادرة اقترحوا علي التوجه إلى مركز شكاوى أحد المؤسسات بميدان التحرير.
غادرت الوزارة متجهة إلى الميدان، وكان غريبًا بالنسبة لي أن حافلات النقل لا تتوقف كي يصعد المواطن بل أنها تهدأ سرعتها فيقفز المواطن بداخلها لا أعلم إذا كان هذا الأمر يحدث بصفة استمرارية أم أن ما حدث كان استكمالًا لأحداث اليوم المشؤوم، فالمهم أنني تمكنت من القفز بداخل الحافلة لكنني سقطت بداخله أمام المواطنين فبالطبع ضحك البعض والبعض الآخر أشفق علي ومع ذلك عاودت الوقوف مرة أخرى دون مساعدة من أحد ووصلت إلى التحرير، أتذكر أنها كانت الساعة 1:50مـ، لذا اتخذت قراري بالركض كي أتمكن من الوصول إلى مقر المؤسسة قبل أن تدق الساعة الثانية. استطعت الوصول في الوقت المحدد لكن قد انصرف العاملين منذ نصف ساعة بمناسبة الأجازة الصيفية، فتوقفت حينها حائرة باكية وأمام تصرفي الطفولي اقترح علي أحد مسؤولى الأمن بأن أكتب شكوتي ووعدني بأنه سيعطيها للموظف المنوط في اليوم التالي، كان ذلك المشهد آخر ما توصلت إليه لم أعلم بعدها ماذا يتوجب علي فعله، بالإضافة إلى أن النقود قد نفذت مني، فاضطررت السير على أقدامي من ميدان التحرير إلى حي الزمالك حتى وصلت إلى الفندق بعد تساؤلات عديدة طرحتها على قاطني القاهرة، ففي كل خطوة أسألهم عن الخطوة التالية حتى لمست يدي باب الغرفة.
لم يكن ذلك آخر ما حدث، ولكن عقب العودة إلى الإسكندرية توجهت إلى أحد الجهات المنوطة بمكافحة سرطان الضمير وكتبت إليهم شكوى أخرى، بعد مرور حوالي شهرين و5 أيام، فوجئت بمكالمة منهم أبلغوني فيها تحياتهم ، أثنوا علي فعلي ، وقالوا أنهم سيشكلوا لجان مختصة للنظر في الموضوع، في ذلك الحين لم أصدق ما حدث ومن الغبطة لم أستطع أن أقول لهم ما بداخلي، فإن طال وقت الحديث أكثر لكنت أبلغتهم أن سبب شكوتي الرئيسية يتمثل في خوفي على مستقبلي، فاليوم لا يوجد ما أخاف عليه من الزمن لكن غدًا سيوجد من أخاف عليه، سأحاول أن أحميه من غدر الأيام، لقد كانت مناضلتي يا سادة أملًا في المحافظة على مستقبل وحقوق أجيال قادمة، وحقي أن أخاف عليهم لأنني ساحاسب عليهم يومًا، فاليوم تحركني قيمي وأخلاقي لكن غدًا لا أعلم من سيحركه.
مازالت أحداث القصة مستمرة، فلازال الشر منتصرًا على الخير لكنني أعلم أن الخير سينتصر في النهاية، ولكن لا أتوقع أن شغفي سيظل كما هو، فما حدث وما يحدث علمني الصمت والصبر واعتزال حياة المجتمع حتى ينصلح حاله وإن لم ينصلح فيكفيني ذاتي.