الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«المهرجانات» الراقية!


الكل لا حديث له إلا عن أغانى المهرجانات والموجة الهابطة التى ضربت الذوق العام وهددت وعى ووجدان أجيال.. وظهر فريقان أحدهما يطالب بوقف هذا الزحف المتوحش حرصًا على قيمة الفن وجمال الطرب، وآخر يُدافع عن حرية الإبداع وينصف هذا اللون الغنائى رفضا للمصادرة وكبت أى طاقة.. ولكل رأى وجاهته وتقديره، ومن كلا الطريقين يكمن الحل ويتسنى لنا تعديل الميزان!.

وجميعنا نذهب إلى قاعات الأفراح أو نتردد على الحفلات الراقصة أو الفقرات الترفيهية على شواطئ القرى السياحية وخلال حفلات السمر الليلية فى العطلات والمواسم .. وتغزو الأصوات الرديئة الأذن بكلمات متواضعة وألحان "بدون عنوان" .. وياله من تيار كفيل بغسل عقول الشباب ويتغلغل إلى سلوكياتهم وإشاراتهم وإيماءاتهم وتدريجيا يقتل كالسم البطيء البراءة والفكرة النقية عن الفن والغناء.. 

وكان لابد من تدخل عاجل وقرار شجاع من شخصية ذات وزن وتاريخ مثل الفنان هانى شاكر نقيب الموسيقيين لمنع تداول هذه الأقراص المخدرة للوعى والتذوق، والمنع لايعنى حجب هذا اللون المستحدث نهائيا، وإنما إقرار شروط وضوابط لتمرير مثل هذه الأغانى وانتقاء الأفضل منها وما يصلح لنشره وإذاعته .. ولنا مع النوع الشعبى أجمل الذكريات وأعظم الحالات، واستطاع أن يفرض نموذجه على أيدى سيد درويش وعبد المطلب ورشدى وقنديل باعتماده على كلمات عذبة ومنعشة بقلم الخال الأبنودى، وجمل موسيقية رائعة الخيال والتوزيع من صنع العبقرى بليغ حمدى .. ومن نفس القماشة الغنية خرج عشرات الشعراء والملحنين يزرعون بإبداعهم أصواتا وحناجر متفردة فى هذا الاتجاه، لتنتشر الأغانى اللطيفة وتدخل البيوت وتملأ أجواء التجمعات والحفلات بهجة ومرحا .. ورقيا!.

وما أصدره نقيب الموسيقيين من "فرمان" ضد مهازل ومساخر "المهرجانات" يستدعى بالضرورة اللون الشعبى الأصيل من الذاكرة حتى ولو تطلب قدرا من التطوير لمواكبة العصر .. والقرار يستهدف العينة الفاسدة واستبدالها بعينة تحتوى على الكلمة واللحن والقيمة وحلاوة الصوت .. ومن هنا يتحرك دور الرقابة على المصنفات الفنية وتشكيل لجنة عليا متخصصة من كبار ورواد الغناء لتقييم أى أغنية جديدة وتصحيح بوصلة "المهرجانات" .. فالمراد هو تنقية هذه الأجواء لا إلغاؤها .. ولمحاربة الابتذال يبدأ الإصلاح بغرس البذرة الصالحة  وفتح الباب فقط لمن يتقن الفن بأصوله ومبادئه ورسالته الأخلاقية!.

وهل نكتفى بذلك؟! .. فمن العبث توقع القضاء على هذه "الموجة الحارة" بقرارات فردية مهما بلغت شجاعتها ونبلها، ولذلك يحين دور "البديل"، وقد طرحته فى ذكاء مؤسسة الأهرام العريقة بحسها الصحفى والثقافى الرفيع بمبادرة تكريم فرسان الموسيقى والأغنية القدماء، فاستضافت الموسيقار البارع عمر خيرت داخل جدرانها وسلطت الضوء مجددا على تاريخه وأنعشت ذاكرة المصريين بألحانه وبصماته .. ومن تلك النقطة أناشد مؤسستنا الكبرى - ومن يرغب فى الاقتداء بها - باستدعاء جواهر أخرى ضمن نفس المبادرة من طراز ياسر عبد الرحمن وراجح داوود ومحمود طلعت وهانى مهنا وغيرهم ممن شكلوا وجداننا بفلسفة الأغنية وجوهر الجملة الموسيقية .. وإذا كنا مازلنا نملك هذه الخبرات والأصابع الذهبية، فكيف نتقاعس عن استغلالها مع حناجر متميزة لإثراء الحياة الفنية وحماية الوسط الغنائى من "طوفان" السوق الأعمى؟!!.

- لقد بدأت الخطوة الأولى من نقيب الموسيقيين .. والخطوات الأهم تتوقف على جدية التعاون بين "أمير الغناء العربى" وكتيبة الملحنين العظماء وشرفاء الكلمة الجدد لوضع آلية علمية ومدروسة لبناء الهرم الرابع وتجديد "عرش" الغناء .. فلابد من تكثيف حفلات الأوبرا والأماكن الثقافية الراقية وتغذيتها بأوركسترا يعزف موسيقى فصيلة الموهوبين .. وتشجيع المدارس والجامعات على إرسال الطلبة إلى هذه الحفلات للاستمتاع بفن الغناء والطرب وتربية عقولهم على إنتاج جيل احترم الكلمة واللحن واكتشف الصوت، وصولا إلى تنشيط حفلات المسرح المدرسى واكتشاف البراعم الصغيرة وتدريبها على أسس وقواعد سليمة .. وبعد إفساح المجال لعباقرة الماضى وتلاميذهم فى الحاضر سيدرك الجمهور بمختلف طبقاته ودرجات تعليمه وثقافته أهمية وقيمة "المهرجانات" الراقية التى يمكن أن يُشيِّدها رجال "العِز الغنائى" .. وعندئذ سيتذوق الشباب جمال "منتجات" الكبار ويقبلون على متابعتها وشرائها، وسيرقصون عليها فى أى مناسبة كيفما يشاءون ويصفقون معها وسط أهاليهم دون خجل، وفى نشوة واحترام .. ثم ينصرفون عن "طفيليات" حمو بيكا وشاكوش الرديئة والمغشوشة، حتى ولو كانت "سكر محلى محطوط على كريمة"!!  
                   

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط