قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

حسن زايد يكتب: لــبـنـــــة مـصـــــر مــخـــطط للــفــــوضــــى والتــشــــــرذم


كنت أراهن دائما على قوة نسيج المجتمع المصري ومتانته، فقد تمت صناعة هذا النسيج على مدار التاريخ منذ أدركت البشرية أن لها تاريخا، وهو شعب عركته الحياة على مدار هذا التاريخ، ومن ثم يصعب القول بتسفخه وتشرذمه وتفكك عراه، فقد كانت مصر دائما عصية عــلى ذلك بحكم التاريخ والجغرافيا والواقع، سواء جاءتها دواعي ذلك وعلاته من الداخل نتيجــة أسـباب داخلية أو من الخارج نتيجة أطماع القوى الاستعمارية على مدار التاريخ.
وما زلت على هـذا الرهان قائما، إلا أن القلق بدأ يساورني في الآونة الأخيرة ليس تخوفا على مستقبل مصر وإنما
تخوفا من المصاعب التي سيعيشها هذا المواطن على مدى المستقبل المنظور، ويرجع السبب في ذلك إلى وجود أصوات تدفع بقوة إلى لبننة مصر، والدخول بها في أتون مخطط للتشرذم والفوضى.
هذه الأصوات الناعقة ـ للأسف ـ تمثل أضلاعا فاعلة في السلطة الحاكمة، وقد بدأت بافتعال الأزمات عن طريق إصدار قرارت من شأنها مصادمة أحلام الشباب الثوري الذي شعر بحق أن ثورته سرقت منه، وأنه يتم تحويل بوصلتها في اتجاه آخر غير ذلك الذي تفجرت من أجله "عيش – حرية - عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية".
ومنذ إصدار الإعلان غير الدستوري الذي كرس لولادة الفرعون الإله الذي يسلب إرادة الشعب ويسلب عقله وفكره ووجدانه ويهيمن على جوانب حياته بما يحيله إلى مسخ كريه بين شعوب الأرض، حيث لا يريه إلا ما يرى، ولا يهديه إلا سبيل الرشاد، منذ ذلك الوقت ثارت ثائرة الشباب مرة أخرى بقصد استعادة الثورة واسترجاع الوعي بها من جديد، ومنذ ذلك التاريخ أيضا ومحاولات شيطنة الثورة لا تكل ولا تمل، وما أدخل الشعب في أزمة وخرج منها، وإنما يزج به في أزمة أسود من سابقتها، والأزمات تترا.
ودخل الثوار في مواجهات مع شباب الجماعات في صراع غير متكافئ أفضى إلى نزيف من الدم لم يتوقف في صفوف الثوار، هذا بخلاف المواجهات مع رجال الشرطة الذين استخدموا الغازات المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش والذخيرة الحية والدهس بالمدرعات، وعمت مصر مظاهر الفوضى والعنف، وعصفت بها أزمات الحياة اليومية التي تمس عصب الحياة.
وبدلاً من قيام السلطة الحاكمة بتحمل مسئولياتها في حل تلك الأزمات سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، صوبت وجهها شطر الحل الأمني، ووضعت الشعب في مواجهة أبنائه من رجالات الداخلية، وهى أذن من طـين وأخـرى من عجين، فانفرط العقد وأعلن رجال الشرطة الانسحاب من المشهد، وأغلقت الأقسام ومديريات
الأمن وقطاعات الأمن المركزي في معظم محافظات مصر، ورفعوا مطالبهم في مواجهـة السلطة ومنها قصر العمل الشرطي على الشق الجنائي، والنأي به عن الانخراط في السياسة والكف عن أخونة الداخلية، وإقالة وزيرها، وإعادة النظر في تسليح أفرادها، وسن تشريع لحمايتهم أثناء أدائهم واجباتهم، فإذا بنا نسمع لفصائل من الجماعات الإسلامية تدعو إلى قيام كوادرها بتشكيل لجان شعبية للدفاع عن المؤسسات العامة والخاصة وحماية الشعب كبديل للداخلية، وإذا بالجماعة الحاكمة لا تمانع في ذلك من باب درء المفاسد وسد الذرائع.
وبدلاً من أن تمسك السلطة زمام الأمور في يدها من باب الحفاظ على شرعيتها ومشروعيتها فإذا بها تقدم مشروع قانون يسمح بإنشاء شركات الأمن الخاصة المسلحة، ثم يصرح النائب العام بأنه يجوز قانونا للمواطن العادي أن يقوم بالضبطية القضائية، أي يقوم بإلقاء القبض على مواطن آخر وتفتيشه وتسليمه للشرطة.
وبغض النظر عن التنظير القانوني لهذه المسألة إلا أنني أرى في ذلك شرعنة "للبلطجة"، ودعوة لتكوين ميليشيات مسلحة تؤدي إلى تمزيق عرى المجتمع وتفتيت نسيجه، وعندما يتواكب هذا التنظير القانوني من جانب النائب العام مع دعوة الجماعات الإسلامية لتكوين اللجان الشعبية فإن المشهد يكتمل، لأنه بذلك أعطاها الغطاء القانوني اللازم.
وحتى نصل إلي قمة التراجيديا السوداوية يخرج علينا السيد وزير الداخلية بتصريحه الغريب والعجيب في آن معا، إذ يقول مخاطبا شعب مصر بأنكم لو كنتم تريدون كسر الداخلية فاعتبروا الداخلية قد كسرت، وليأكل بعضكم بعضا. إذن ميليشيات الجماعات الإسلامية المدربة والتي خبرت العمل المسلح وتعمل من خلال هيكل تنظيمي صارم قائم على السمع والطاعة جاهزة لاستلام المهمة بعد أن أخلت الداخلية الساحة وأعلن وزيرها أنها خارج نطاق الخدمة، والنائب العام أعطى الغطاء القانوني اللازم لعمل هذه الميليشيات، والسلطة الحاكمة تلتزم الصمت المطبق حيال تصريحات أركانها، والصمت لدينا في مصر دليل الرضا والمباركة. إذن فهذا ليس له تفسير آخر بخلاف أنه توجه نحو لبننة مصر أو صومالتها في إطار مخطط للفوضى والتشرذم علي غرار الفوضي الخلاقة التي أطلقت دعوتها السيدة كوناليزا رايس.