الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بين نار الألم وجحيم العدوى.. كيف يعيش أصحاب الأمراض المزمنة في زمن كورونا؟

الأمراض المزمنة في
الأمراض المزمنة في زمن مكافحة فيروس كورونا

أصبحت القلوب تمتلئ بالرعب، وتملك الخوف والحيرة من الجميع، مع ارتفاع حالات الإصابة بـ فيروس كورونا في مصر ومرور أكثر من 3 أشهر على اجتياحه العالم، فبات عدد لا بأس به يلتزم المنزل وينفذ إجراءات التباعد الاجتماعي، خشية التعرض لأي عدوى، فالكل يحرص على ذلك خاصة أصحاب الأمراض المزمنة الذين طالهم هذا الوضع الصعب، وغير مسار حياتهم وجعلهم محاصرين داخل بيوتهم، بين وباءين أحدهما اجتاحه بالفعل، والآخر يهدد حياته.

فمع بداية الجائحة، سيطرا الحيرة والتوتر على منزل الحاج "ح.هـ" المصاب بسرطان الرئة والمستقيم، ما دفع أسرته للتفكير في كيفية التعامل مع الموقف بشكل جدي، خاصة مع تزايد حالات الإصابة والاشتباه داخل المستشفيات، ما جعلهم يضطرون لمحو فكرة الذهاب إلى التأمين الصحي في هذا الوقت، لبحث الحالة وموقف تجديد العلاج الكيماوي أو أخذ جلسات بديلة "فوارد يكون فيه حد مصاب ومحدش يعرف".

وبرغم أن مصابهم يحتاج إلى الذهاب ضروريا خاصة مع توقفه عن تناول العلاج لمدة شهر بعد إجرائه المسح الذري لحين البت في الأمر، إلا أن الإجراءات التي تأخذ وقتًا طويلًا داخل التأمين وضرورة حضور المريض في كل مرة حتى يتم الانتهاء منها، قد يشكل خطرًا عليه، ما جعل الرجل الستيني يلجأ إلى المسكنات فور شعوره بالألم لوقفه مؤقتا.

ومع طول التوقيت وعدم ظهور أي إشارة على انحسار كورونا في العالم، بدأت الأسرة تتساءل "ماذا لو الوضع استمر أكثر من ذلك.. ماذا سنفعل؟"، وهنا فكروا في الذهاب إلى الطبيب المعالج في عيادته الخاصة بعد شم النسيم للكشف عليه وتحديد موعد واحد فقط للتأمين الصحي ما يقلل فرص العدوى.


وللسبب نفسه، خشيت «ر.م»، الفتاة العشرينية التي يعاني والدها من السرطان، الذهاب به إلى المستشفى الحكومي الذي يتابع فيه لصرف العلاج، واتجهت هي إليه في محاولة للحصول عليه، لكن كان الأمر بلا فائدة.

من المعروف أن فيروس كورونا يدمر الجهاز المناعي للمصاب بالسرطان، ومع ظهور فيروس كورونا الذي يقضي عليه أيضا، التزمت "ر" بالتعليمات اللازمة وإجراءات التباعد الاجتماعي خلال تعاملها مع والدها، فجهزت غرفة كاملة له للجلوس بها وتعقيمها بالكحول والماء المطهر باستمرار، وعدم استقبال أي زائرين حرصًا على صحته.

كل هذه الترتيبات لعدم تعرض والدها لأي عدوى أو خطر، ما دفع "ر" للذهاب إلى المستشفى بدلا منه للحصول على العلاج المقرر له، وبعد الوصول وأخذ دورها في طابور الانتظار لساعات، صعقت الفتاة بعد سماعها من المسؤول عن صرف العلاج: "هاتي المريض نفسه.. عشان نتأكد أنه عايش"، لتوجه سؤالا له: "إزاي أجيبه للمستشفى وسط الظروف دي وهو بيعاني من ضعف المناعة، ومن الممكن أن يلقط أي عدوى بسهولة"، ليرد: "لازم المريض".


أما بالنسبة لـ إبراهيم. ي الذي يعاني من سرطان النخاع والطحال، فكان فيروس كورونا ضربة قاصمة له، وذلك بعد أن قرر هو وأسرته تأجيل جلسات الكيماوي، بسبب الظروف المادية في المقام الأول.


إبراهيم صاحب الـ 32 عاما، داهمه السرطان في أوائل عام 2019، خبر صادم نزل كالصاعقة على مسامع أسرته، إذ أصابه في عز شبابه وألمّ بالنخاع والطحال ما أثر على عظامه ودمه، فاستدعت حالته الحرجة لجوءهم على الفور إلى العلاج بأحد المستشفيات الخاصة.


مبالغ طائلة يدفعها إبراهيم لعلاجه من السرطان الذي أفقده القدرة على الحركة وحمل ابنتيه، لكنه نظرًا لأنه يعمل محاميًا استطاع اقتسام جزء من المصروفات التي يحتاجها لجلسات الكيماوي والأدوية مع النقابة، فضلا عن دفع الشركة الخاصة التي يعمل بها جزءًا، ومساعدات أهله وأصدقائه.


لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فمع ظهور فيروس كورونا والذي تسبب في ركود بعض الأعمال وضرب الاقتصاد في العالم، أصبح هناك عبء كبير على إبراهيم وأسرته لتوفير الأموال التي يستطيع من خلالها العلاج.


نحو 20 ألف جنيه يحتاجها إبراهيم للعلاج، ولكن ما باليد حيلة "اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع"، فالإنفاق على أسرته الأهم حاليا، خاصة مع انتهاء جزء الأموال المحددة من النقابة وتعليق العمل في شركته، ما جعله يتخذ قرارًا كان صعبًا على الجميع وهو التوقف عن الذهاب إلى جلسات الكيماوي وأخذ المسكنات التي تضره بشكل أكبر، ضاربًا بعرض الحائط في سبيل وجود لقمة طعام داخل منزله.

أما سيد "اسم مستعار" الذي أصيب بفشل كلوي منذ 12 عامًا، وجعله يخرج على المعاش المبكر من وظيفته الحكومية، وبدأ رحلة الغسيل داخل مستشفى الشبراويشي بالدقي فلم يتبدل الحال بشأن جلساته.


يذهب سيد 4 مرات في الأسبوع للغسيل الكلوي وفقًا للمواعيد التي تحددها وحدة الكلى بالمستشفى، لكن مع ظهور كورونا وتطبيق إجراءات الحظر التي اتخذتها الحكومة في إطار الحد من تفشي فيروس كورونا، تغيرت التوقيتات فبدأ يذهب نفس الأيام لكن مبكرًا من الساعة 10 صباحًا ويعود إلى منزله الساعة 6 مساء، قبل بدء الحظر.

إجراءات مشددة يتبعها سيد قبل الذهاب إلى وحدة الكلى وبعدها، خشية أي عدوى من الممكن أن تنتقل له وينقلها لأسرته، فالمعقمات والكحول والكمامة لا يتخلى عنها خلال رحلته للغسيل برغم سعرها الغالي، كما يقوم المركز أيضا بإجراءات التعقيم ومنع دخول أي شخص خلال عملية الغسيل.


الميزانية لا تسمح لركوب سيد تاكسي خلال مشواره اليومي إلى وحدة الغسيل لحماية نفسه من أي عدوى، فبعد خروجه على المعاش أصبح يأخذ 1200 جنيه يعيش بها مع أسرته المكونة من زوجة لا تعمل و3 بنات، ما يجعله يستقل توك توك من منزله حتى يصل إلى المترو ويركبه للوصول إلى المستشفى ونفس الحال خلال عودته.


على جانب آخر، الوضع السيئ بالنسبة لمرضى أنيميا البحر المتوسط جراء قلة التبرع بالدم لهم، جعل الدكتور محمود فريد أخصائي ورئيس قسم التبرع السابق ببنك الدم الإقليمي بالمنصورة، يستغيث عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لإنقاذهم من خطر الموت المعرضين له كل لحظة.


400 حالة مصابة بمرض "الثلاسيميا" أو أنيميا البحر المتوسط بالدقهلية، أصبحوا يعانون من نقص نقل الدم شهريًا الذي يحتاجونه على مدار حياتهم، للعيش بدون خطر، وذلك منذ بداية أزمة فيروس كورونا، فتوقف أهل الخير عن التبرع خشية أي عدوى.
وتعد أنيميا البحر المتوسط مرضا وراثيا يؤثر في صنع الدم، فتكون مادة الهيموجلوبين في كرات الدم الحمراء غير قادرة على القيام بوظيفته وتوصيل الأكسجين للخلايا والرئتين، ما يسبب فقر الدم الوراثي وهو يصيب الأطفال فى مراحل عمرهم المبكر، ما يجعلهم في احتياج إلى كيس دم أو كيسين شهريا، وفقًا لما قاله الطبيب الذي يعمل في البنك منذ 2010.


ومع تفشي فيروس كورونا وما أتبعه من حظر تجوال جزئي أدى إلى إحجام الناس عن عملية التبرع بالدم وبالتالي عجز شديد في توافره داخل البنك لهؤلاء المرضى، الذين يعودون لبيوتهم لا يعلمون مصيرهم بعد تأجيل نقل الدم لهم، خاصة إذا وصلت نسبة الهيموجلوبين إلى 5 أو 4 ما يعرض حياتهم للخطر.


الشعور بالألم النفسي يوميًا والعجز عن فعل أي شيء لهذه الحالات، أصبح يلازم الدكتور محمود وزملاءه في الوحدة، خاصة مع استغاثة المرضى لكي ينقذوهم، ما جعله يكتب منشورًا على صفحته يدعو فيه مواطني الدقهلية إلى التبرع بالدم، مؤكدا لهم أنه لا ينقل أي عدوى.