الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عصر تغيير الشخصية بكبسولة


يسعى الإنسان منذ بدء الخليقة للبحث عن السعاده ويتحمل الألم والمشقة والشدة، وهناك من يسعى للراحة والسكينة، بل يبحث البعض عن النظرة التفاؤلية وعدم الخوف وتجنب القلق والتوتر المستمر ، يسعى الإنسان منذ الأزل عن أسباب الراحة النفسيه وإزالة متاعب الحياه ، يبحث عن المواد التى تبهج له لون الحياه وتهبط الفوران الذى يحدث فى مراكزه العصبيه من تشتت وحيرة وصراع ، تارة يبحث عن الملاذ فى مواد من الطبيعه تحدث له نوعا من فقدان الوعى او تحدث توقفا للتفكير وراحة للنفس ، وتارة اخرى يبحث عن تخليق مواد مصنعه تحدث تغييرا فى كيمياء المخ فيتقبل ما لا يتقبله ويرضى بالأمر الواقع لحين زوال تأثير المخدر عليه ، ومرة أخرى نجده يبحث عن عقاقير تبعده عن الواقع بغية العيش فى اللاواقع واللا معقول ليسبح فى عالم من الخيال يرسمه كما يحلو له وكما تحمله مكنونات نفسه.

 
ومع تطور الأبحاث والعلوم فى المجال الطبي النفسي ومجال العلوم العصبيه ، وعلم النفس الفسيولوجى ، نجد أن هناك تطورا هائلا فى اكتشاف غياهب العقل البشرى وما يحمله من اسرار وخبايا مازلنا نحاول اكتشاف بعض منها يوما بعد يوم وسنة وراء أخرى.


ونجد على مدار العشرين عاما الماضية وجدنا انه على الرغم من التطور فى شبكة العلاقات الاجتماعيه والانفتاح على العالم وإذابة الفوارق تدريجيا بين الذكور والإناث خاصة فى المجتمعات البدائية ودول الشرق الأوسط ، الا أننا فوجئنا أن الخوف الاجتماعى فى تزايد فى النسب وأن الشباب صغير السن وفى فترة المراهقه يزيد عن نسبة الفتيات فى مثل تلك المرحلة.

 
يمثل الخوف الاجتماعى اضطرابا من اضطرابات أسلوب الحياه ويلجأ الأفراد لعلاجه دوائيًا أو باستخدام التكنولوجيا الحديثه لتصوير المخ ، وعلى الرغم من وضع عدة علامات تشخيصية متعارف عليها عالميًا ، الا أن تحديد من يعانون من الخوف الاجتماعى ليس سهلا مثلما يبدو من الوهلة الأولى.

 
ففى الولايات المتحدة الأمريكية هناك إعلانات تتضمن عقاقير نوعية تستخدم فى علاج الخوف الاجتماعى موجهه للمستهلك مباشرة ، كما توحى هذه الاعلانات بأن الانبساطيين فقط هم الأسوياء ، والانبساطيون هم الأناس الأكثر انفتاحا وتقبلا وتوافقا مع المواقف والأحداث والأشخاص فى غالبية الوقت وباستدامة، كما تلمح الإعلانات ايضًا الى أنك إذا كنت تفضل أن تقرأ كتابا بدلًا من الذهاب الى حفل أو إذا كنت تفضل أن تتناول طعامك على انفراد او مع زوجتك عن أن تتناوله فى مطعم مزدحم وصاخب فأنت مدعو للنظر الى نفسك على أنك تعانى من اضطراب الخوف الاجتماعى.

 
أصبح هناك استسهال لدى البعض لتحويل سمات شخصية سوية الى مشكله طبية ، فنجد أحيانا شخصا يعبر عن مشاعره أو عن مزاجه بأنه على غير ما يرام أو انه حابب يجلس بمفرده ولا يرغب فى الخروج أو السفر أو الذهاب لحفل ما ، نجد أنه يصنف على أنه يعانى من اكتئاب ولابد من تناول حبوب لضحد الاكتئاب وعلاج التجهم وعلاج اضطراب المزاج الذى يعانى منه .


ونجد تحت ضغط الأطباء والأهل بشكل مباشر أو غير مباشر مع حيرة وتوهم الشخص يبدأ فى تناول الدواء وهناك بعض من هذه الأدويه تعمل على تغيير المود وتحسين المزاج ولكن لا تستطيع تغيير الواقع أو تعديله 
وقد توصلنا الى النقطه التى يمكن فيها لمواد كيميائية ذات تأثير قوى أن تحدث تغييرًا فى التفكير والسلوك ، ولكن مهما أوتى العلم والعلماء من معرفة لايمكن إحداث تغير فى المخ البشرى بالدواء الطبي وحده فقط لابد من التعديل والتغيير فى نمط التفكير وانعكاسه على الحاله الوجدانيه والسلوكيه للشخص.

 
فأبدا لم تحدث حبة دواء أن تخفى الظروف الاجتماعيه القاسيه لشخص ، ولم نستطع أن نضع فى حبة دواء ما يحس الإنسان بقيمة ذاته أو قدرته على الفعل والاراده والقدره على تغيير وتطور الأوضاع من حوله ، لم نستطع أن نخمد الوعى الانسانى عن ظروف القسوه أو الظلم أو عدم المساواه بين الإنسان وأخيه الانسان. أى عقاقير هذه التى تجعل الشخص يتحدى خوفه ويواجه أفكاره السلبيه دون تدخله وخلق روح التعديل والتغيير لديه وبإرادته هو ورغبته دون رغبة غيره .


نحن أصبحنا فى عصر السرعة نريد التخلص من متاعبنا بدون أى مجهود ، كما نتناول وجبات الطعام السريعة، نريد أن نهرب من الانفعالات ونتحكم فيها ونغير من طبيعتها نريد المهدئات لتساعدنا على النوم ولانريد أن نتبع الخطوات التى تحسن من اسلوب حياتنا لكى ننعم بالنوم الهادئ ، نريد تحسين مزاجنا والتخلص من الاكتئاب ولانريد أن نغير من نمط التفكير السلبي لدينا واسلوب ونمط الحياه غير الصحى ، نريد التخلص من الخوف والقلق ونتبع كل الخطوات التى تجلب لنا الخوف والقلق والبعد عن السكينه والتوافق والرضا.

 
كلامى هذا لا يعنى أننى أقلل من قيمة وأهمية العقاقير النفسيه فى علاج الكثير من الحالات والأمراض النفسية ولكن الأمر يتوقف على النوع والشدة والمده والحده لطبيعة المرض او الحالة النفسيه لدى الشخص فليس كل من يعانى من ألم نفسي من مرارة العيش أو أسلوب الحياه الخاطئ نوصف له حبة تغير له نظرته للواقع المعاش كمسكن لواقعه لبعض الوقت ، وليس كل من يعانى من اضطرابات شديده نهون ونستصغر الحدث للهروب من العقاقير الطبيه التى تساعد على تحسن حالته ، فالعلم والأبحاث العلميه كما لها كما عليها ،كل هذا يتوقف على الطبيب ورغبة المريض وإرادته ومساندة الأسره والمجتمع ،وللحديث بقية. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط