الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أبحاث الوهم .. والخداع!


قد أكون مؤمنا بأهمية التعليم الإلكترونى القصوى لمواكبة العصر وتطوير أدوات التحصيل العلمى للطالب، رغم غرامى الشديد بأسلوب الاتصال المباشر بين  المدرس وتلميذه وعشقى الدائم لطباشير السبورة وحصة الفصل المقدسة .. ولكنها سنة الحياة الطبيعية أن تتفاعل العقول مع متطلبات كل مرحلة أو حقبة زمنية .. ولازلت واحدا من جمهور المشجعين  لسياسة الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم ومساندا صادقا لرغبته فى الارتقاء بأحوال مدارسنا ومنظومة بناء الصغار فى بلد نامٍ  كبلدنا.
واستقبلتُ استراتيجيته فى الاعتماد على وسيلة "التابلت" فى تسهيل الامتحانات وتوفير أسئلة إبداعية تحفز الطالب على التفكير والابتكار بصدر رحب وذهن مفتوح، إلى أن وصلنا إلى محك "الأبحاث" الذى أفرزه ظرف "كورونا" الطارئ .. وأصبح الاختبار ليس قاصرا على الفتى أو الفتاة فى المنزل وأمام شاشة الكمبيوتر أو اللاب توب ليكشف عن مهاراته وقدرته على الاستيعاب والفهم، وإنما دخل أولياء الأمور فى دائرة نفس الاختبار والتحدى لإثبات صدق النية والتصرف لحماية مستقبل الأبناء!.
وما هو البحث؟! .. إنه طريق الطالب نحو المعرفة وبناء المعلومة واستقرارها فى ذهنه بعد فهمها وهضمها .. ومن خلال خطوات هذا البحث يتشكل وعى التلميذ فى أى مرحلة على ضرورة تجميع المعلومات الكافية عن محور الموضوع وتتبع تفاصيل هذه المعلومات والربط بينها لإبراز قيمة موضوع البحث والرسالة الكامنة وراءه .. إنها فلسفة عميقة فى جوهر التربية والتعليم، ويمكن منها إرشاد أى طالب وأسرته إلى التفكير المنظم والتخطيط السليم ليظل سلوكا ثابتا وثقافة حياة .. ولكن ترجمة الهدف لها شروط وأصول!.
إن أى عملية تعليمية مستحدثة تحتاج إلى تدرج فى التلقين والتطبيق، وما وقع فيه أولياء الأمور وحفنة من المدرسين المنتفعين نظير المقابل المادى يكشف ثقوب تجربة "الأبحاث" التى أخطأت الوزارة فى تمريرها دون مقدمات أو تمهيد .. وحتى هذه اللحظة لا يستطيع البيت المصرى تفهم أبجديات "اختبار البحث" ويتقبل تعليمات أو فرمانات المسئولين والأب والأم وأبناؤهما يجهلون كيفية صياغة هذا البحث ولم يتلقوا التدريب الكافى على إجراءاته .. ومن ثم من البديهى أن يجيب الآباء نيابة عن الأبناء ويستعينوا بخبرتهم ومعارفهم فى كتابة هذه الأبحاث التى لا تحمل سوى اسم الطالب أو الطالبة .. وهنا يعيش التلاميذ أكبر وهم عندما يخرجون من التجربة بلا استفادة أو ثمار مطلوبة، فضلا عن أنهم صاروا جزءا من مؤامرة "الخداع" التى خطط لها أولياء الأمور وشارك فيها مدرسون فاسدون للالتفاف حول أهداف الأبحاث المشروعة والمعروفة!.
كان الأحرى بالوزارة إلغاء الترم الثانى من أساسه وتصعيد الطلبة فى كل المراحل للصف التالى واستثمار فترة الحظر الطويلة والمتوقع أن تستمر طوال شهور الصيف فى تنشيط ذاكرة أبنائنا بما تلقوه فى الترم الأول لتثبيت المعلومة وإعدادهم للعام الجديد بسلسلة تجارب مدروسة عن الأبحاث المقترحة وكيفية صياغتها وبناء عناصرها على أن يعقب ذلك اختبار نهائى قبل بدء الدراسة لتقييم المستوى والوقوف عند قدراتهم ومنحنى ذكائهم .. ولضمان حدوث المراد يقتضى المشهد تنسيقا رفيعا ومكثفا بين وزارتى التعليم والاتصالات لتوفير كفاءة الإنترنت وتقوية شبكاته لكى يتسنى التواصل عن بعد وبما يخدم الفكرة بأسرع وقت وبأقل جهد .. ويُسأل فى ذلك كبار المتخصصين والعباقرة داخل أجهزتنا الحكومية فى مجال التكنولوجيا وتقنية المعلومات!.
إن الجميع يسخر الآن من نغمة "الأبحاث" الكاذبة وصوتها المشروخ لافتقادها إلى المنهجية ولأن العازفين هواة وليسوا محترفين .. وأتصور أن الحل الأمثل هو تجاهل نتائج هذه الأبحاث والقفز على ضعفها وتضليلها، وتكليف المدارس بكل مستوياتها بتصميم خطة تدريبية متكاملة خلال العطلة الصيفية يتلقى المدرسون ضمن بنودها التمرين اللازم على تدريس موضوعات الأبحاث للطلبة والتفاعل الإيجابى معهم لضمان تحرير بحث كل طالب وفقا لمجهوده الشخصى وملكاته الذاتية وحدها .. ومع بداية العام الدراسى تستعين الوزارة بهذه الأبحاث كـ "نواة" لتطوير الرؤية التعليمية وباعتبارها جسرا يعبر منه الطالب للسنة الجديدة ويستعد لتحصيل المزيد من المعلومات والخبرات!.
- عفا الله عما سلف .. يمكننا أن نطوى الصفحة ونعيد التفكير وترتيب الأوراق .. وفى صيف "كورونا" العظة والعبرة وسرعة الأداء والعمل .. فلا داعى لإهدار الوقت وإضاعة الفرصة وأبناؤنا فريسة كبت الحظر وفضاء السوشيال ميديا "المُخدِّر"، ويجب حماية عقولهم من الفراغ قبل أن ينفرط العقد وتخرج الأمور عن السيطرة .. وعندئذ لن تفيدنا فى شئ "أبحاث" الوهم .. والخداع!!.



المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط