الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وسام «المواطن العادي»!


المجتمعات المتحضرة تُقاس بدرجة احترام النظام السياسى للمواطن العادى، وكثيرا ما بدت حياة الألمان نموذجا جديرا بالاقتداء لما بها من مواصفات الجدية والذهن المرتب وتقديس بيئة العمل وثقافة الإنتاج .. وفى وقت الأزمات تتجلى نفاسة المعدن والقدرة على المواجهة وإدارة النفس .. وكنتُ على ثقة ثابتة بأن قيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ستعبر عاصفة "كورونا" التى اجتاحت أوروبا بشراسة، لأنها تتحرك بأسلوب يجمع بين الذكاء السياسى والحس الإنسانى ودوافعها فى النهاية مصلحة الإنسان الألمانى دون تمييز أو تفرقة طبقية!.

وما اتخذته ميركل منذ تفشى الوباء آواخر أيام حكمها ورغم ضمان خروجها من السلطة بسجل ناصع البياض ومرصع بالإنجازات والنجاحات الملموسة، كفيل بأن ينحت تمثالا لسيدة عشقت بلادها واحترمت دورها وواجبها تجاه شعبها حتى آخر لحظة قبل مغادرة منصبها .. حيث أعلنت فى شجاعة واقتدار خطة الإنقاذ من براثن "كورونا" وأغلقت أبواب الدولة على نفسها لتتولى المؤسسات الرسمية والأجهزة الحكومية مسئولية توفير الحماية الكافية والعاجلة لشرائح المجتمع الألمانى، فخرجت قرارات قاطعة بمظلات الحماية المالية والتعديلات القانونية، مرورا بحزمة مساعدات للشركات الصغيرة وأصحاب المهن الحرة مثل الفنانين والأفراد العاملين فى مجال الرعاية لمدة ٣ أشهر، وتم إنشاء صندوق لدعم الاستقرار مهمته الأولى دعم الشركات الكبيرة برؤوس أموال، منعا لتأثر العمال وأسرهم ماديا .. والتزمت الحكومة بقبول طلبات إعانات البطالة، وتسهيل حصول الآباء على منح دعم الأطفال .. وترددت أنباء شبه مؤكدة بتخصيص ٣٠٠ يورو لكل طفل تضرر نفسيا وصحيا من محنة الوباء، وتعويض عائلته عن الوضع الراهن وبما يعينها على متاعب مرحلة ما بعد "كورونا"!.


وتطبيقا لنظام وقواعد التأمين الصحى، حصلت المستشفيات فى ألمانيا على دعم يزيد عن ٣ مليارات يورو لتزويدها بالمعدات والأدوات الطبية اللازمة لخطة العلاج والوقاية مستقبلا وفتح غرف الرعاية أمام ملايين المصابين دون الرهان على العزل المنزلى أو كفاءة وخبرات الأسرة فى تحصين أفرادها وصغارها .. فصحة المواطن وحقه فى الحياة "فرمان دستورى" غير قابل للمساومة أو التعديل!.

ومثلما يقدر النظام قيمة المواطن، يحترم أيضا مبادئ الثقافة والفن والحضارة، وبالتالى وضعت الحكومة الألمانية ٤٥٠ مليون دولار لتمويل مشروعات ومبادرات خاصة فى مجالات الموسيقى الحية والمسرح والسينما، هدفها   أولا السماح للموظفين العاطلين جزئيًا بالعودة إلى العمل وممارسة مهامهم دون انقطاع أو تقصير وليد الأزمة .. وثانيا رفع الروح المعنوية داخل كل بيت ألمانى بتوصيل خدمات ثقافية وترفيهية تخفف من وطأة المحنة وتوفر بدائل لما يمكن أن يقدمه المبدعون والمثقفون وأهل القوة الناعمة من استراتيجية جديدة تتحدى أى مرض وتفيد الجميع!.

لقد قضت ميركل أكثر من ١٥ عاما داخل السلطة كمرأة فولاذية على القمة، وأبت أن تختم حياتها ومشوارها السياسى إلا وهى فائزة بأكبر وأهم وأعظم وسام على صدرها فى مباراة الاعتزال .. وسام "المواطن العادى" .. الألمانى الواعى .. الذى صنع بثقافته وسلوكه وفلسفته فى الحياة نظاما حريصا طوال الوقت على احترام حقوقه وعدم التردد أو التقاعس عن تلبية مطالبه وصيانة كرامته فى السلم والحرب .. وهذا الوسام يحمل فقط توقيع المواطن "سيد النظام" .. أى نظام!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط