الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عند زيارة قبر النبي.. علي جمعة يوصى بقراءة هذه الآية ومخاطبته بها

قبر النبي صلى الله
قبر النبي صلى الله عليه وسلم

قال الدكتور على جمعة، مفتي الجهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن قول الله - سبحانه وتعالى-: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾، (سورة النساء، آية 64) آية مطلقة ليس لها مقيد نصي ولا عقلي، فليس هناك ما يقيد معناها بحياة النبي - صلى الله عليه وسلم- الدنيوية، فهي باقية إلى يوم القيامة.

وأضاف «جمعة» في منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك» أن العبرة بالقرآن دائمًا بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، ومن زعم تخصيص تلك الآية بحياته - صلى الله عليه وسلم- أو تخصيصها به فعليه أن يأتي بالدليل، فالإطلاق لا يحتاج إلى دليل؛ لأنه الأصل والتقييد هو الذي يحتاج للدليل. 

وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أن هذا ما فهمه المفسرون، بل أكثر المفسرين التزامًا بالأثر كالحافظ ابن كثير- رحمه الله-، فقد ذكر الآية وعقب عليها بقوله : «وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو النصر الصباغ في كتابه الشامل هذه القصة المشهورة عن العتبي قال: «كنت جالسًا عند روضة النبي - صلى الله عليه وسلم- فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول : ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾..

وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ثم أخذ يقول : يا خير من دفـنت بالقاع أعظمه  ** فطاب من طيبـهن القــاع والأكم .. نفسي الفــداء لقبر أنت ساكنـه  ** فيــه العفاف وفيه الجـود والكرم ، ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- في النوم فقال : يا عتبي الحق الأعرابي فبشره بأن الله قد غفر له، (تفسير ابن كثير) وروى القصة كذلك البيهقي(شعب الإيمان).


ونبه المفتي السابق أنه نستدل بذلك بعدم اعتراض الإمام ابن كثير على القصة التي ساقها في تعرضه لتفسير تلك الآية، وما ذكره من إقرار العتبي للأعرابي في فعله وعدم الإنكار عليه بطلب الاستغفار من النبي  بعد انتقاله الشريف - صلى الله عليه وسلم-، لافتًا: " وقد استدل بتلك الآية أغلب الفقهاء على استحباب زيارة مقام النبي - عليه الصلاة والسلام-، كما استحبوا قراءتها أثناء زيارة روضته الشريفة".

وتابع: فذهب الحنفية إلى استحباب قراءة الآية عند مقامه الشريف؛ ففي الفتاوى الهندية في آداب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- ما نصه : «ثم يقف عند رأسه ﷺ كالأول ويقول : اللهم إنك قلت وقولك الحق ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ ﴾، مشيرًا: "ومن مذهب المالكية يقول ابن الحاج العبدري : « من زاره ويلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيه عليه الصلاة والسلام من لم يزره، اللهم لا تحرمنا من شفاعته بحرمته عندك آمين يا رب العالمين". 

وأفاد أنه من اعتقد خلاف هذا فهو المحروم، متساءلًا: " ألم يسمع قول الله -عز وجل- : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾، فمن جاءه ووقف ببابه وتوسل به وجد الله توابا رحيما؛ لأن الله -عز وجل- منزه عن خلف الميعاد، وقد وعد -سبحانه وتعالى- بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه وسأله واستغفر ربه، فهذا لا يشك فيه ولا يرتاب إلا جاحد للدين معاند لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم- نعوذ بالله من الحرمان".

وأشار إلى قول إمام الشافعية الإمام النووي في بيانه لآداب زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم- : «ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويتوسل به في حق نفسه, ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى, ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب، وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال : «كنت جالسا عند قبر رسول الله ﷺ، فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾،  وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي...» (المجموع)، ثم ذكر القصة التي أوردها ابن كثير.


وواصل: وفي مذهب الحنابلة يرشد الإمام ابن قدامة إلى تلاوة تلك الآية ومخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم- بها وطلب الاستغفار منه - صلى الله عليه وسلم-في آداب زيارة قبره الشريف؛ حيث قال ما نصه : «ثم تأتي القبر فتولي ظهرك القبلة، وتستقبل وسطه، وتقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام عليك يا نبي الله, وخيرته من خلقه وعباده, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك, ونصحت لأمتك, ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة, وعبدت الله حتى أتاك اليقين, فصلى الله عليك كثيرًا, كما يحب ربنا ويرضى، اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، يغبطه به الأولون والآخرون..

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إنك قلت وقولك الحق : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾،وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي ، مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الآخرين والأولين، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم يدعو لوالديه ولإخوانه وللمسلمين أجمعين»(المغني).

ولفت الدكتور على جمعة إلى أن العلامة الرحيباني من الحنابلة صرح باستحباب قراءة الآية عند قبره الشريف أثناء الزيارة حيث قال في إرشاده لخير ما يقال أثناء الزيارة ما نصه: « اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد..

اللهم إنك قلت وقولك الحق : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته, اللهم اجعله أول الشافعين, وأنجح السائلين, وأكرم الأولين والآخرين برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم يدعو لوالديه وإخوانه وللمسلمين أجمعين»(مطالب أولي النهى).


واختتم المفتي السابق: مما سبق نعلم أن جميع المذاهب يستحبون قراءة تلك الآية عند الروضة الشريفة، ويعتقدون أنها باقية، وهو ما عليه أمة الإسلام سلفًا وخلفًا، ولا عبرة لمن شذ منها عن ذلك الفهم، فاستغفار النبي -  صلى الله عليه وسلم- بعد انتقاله لا يمنعه عقل ولا نقل، وقد صح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت لكم ».