الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البطل الثائر.. يوسف الصديق ابن بني سويف كلمة السر ومنقذ ثورة 1952

البكباشي يوسف صديق
البكباشي "يوسف صديق"

مع إقتراب الذكري الـ68 لثورة 23 يوليو 1952، يتذكر أهالي محافظة بني سويف، البكباشي "يوسف صديق" إبن قرية "زاوية المصلوب" التابعة لمركز الواسطي، شمال المحافظة الضابط الحُر الذي أنقذ الثورة من الفشل وحمى الضباط الأحرار من الإعدام شنقًا في ميدان عام.

الطفل يوسف الصديق، سار على خطى جده ووالده، فهو فلاح ابن فلاح، ضابط ابن ضابط، ولد في 1910 لأسرة ريفية في قرية زاوية المصلوب مركز الواسطي ببني سويف، الأب ضابط في الجيش يفيض حماسًا مصريًّا ضد تحكم الإنجليز في الجيش المصري، ويصطدم بالقادة الإنجليز الذين كانوا يتحكمون في فرقته العاملة في السودان، وبموت الأب ويوسف لم يزل في عامه الأول، ويكفله خاله اليوزباشي "محمد توفيق" وهو أيضًا ضابط ثائر على الإنجليز وانتهى به الأمر إلى أن ألقى باستقالته في وجه الجميع؛ ليبقى مزارعًا في زاوية المصلوب.

وفي 1930 أنهي الشاب  يوسف الصديق  دراسته الثانوية، وتذكر الثأر الكامن في أعماقه، ثأر أبيه، وثأر مصر، فيصر على الانضمام إلى المدرسة الحربية، وفي 1933 يصبح ضابطًا في الجيش، برتبة ملازمًا ثانيًا بالجيش المصري بالسلوم ثم بمرسي مطروح، ويتميز الضابط الشاب بحماسته وجديته وأيضًا بأنه شاعر القوة التي يخدم فيها. وعندما يصدر قرار ظالم بإحالة الأميرالاي سليمان عبد الواحد شبل إلى الاستيداع ينظم يوسف وزملاؤه حفل وداع، ويدهش الجميع عندما يشدو الضابط يوسف صديق بشعر ثوري شجاع، إلى أن تم تعيينه مدرسًا بالكلية الحربية متخصصًا في مادة التاريخ العسكري، والتحق بكلية أركان حرب، وتخرج فيها عام 1946.

وعندما اشتعلت حرب 1948 كان يوسف الصديق  في طليعة القوات التي دخلت فلسطين، وكانت كتيبته هي أكثر الوحدات المصرية توغلًا في الأراضي الفلسطينية، وتمكنت من الوصول إلى بلدة أشدود على مقربة من "تل أبيب"، واستطاعت الاحتفاظ بهذا الموقع حتى نهاية الحرب وانسحاب الجيش المصري إلى غزة.

ولأن ثورية يوسف الصديق لم تكن تخفى على أحد، عاقبه قادته بأن أخروا ترقيته، وحاول الحرس الحديدي للملك فاروق اغتياله؛ للتخلص منه إلى الأبد، ولكن  رفيق الدرب البكباشي جمال عبدالناصر عرف بتلك المحاولة، فحذره وعرض عليه الانضمام للضباط الأحرار عام 1951.

في أحد الأيام زاره الضابط وحيد رمضان الذي عرض عليه الانضمام للضباط الأحرار، وأطلعه على برامجهم، والتي كانت تدعو للتخلص من الفساد وإرساء حياة ديمقراطية سليمة، فوافق  "يوسف الصديق " وأسندت إليه من قبل تنظيم الثورة قيادة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة، وقبل الموعد المحدد بقليل ‏تحرك‏ ‏البكباشي‏ ‏يوسف‏ صديق ‏مع‏ ‏مقدمة‏ ‏كتيبته‏ مدافع الماكينة‏ ‏من ‏العريش‏ ‏إلى‏ ‏مقر الكتيبة الجديد في معسكر هايكستب قرب‏ ‏مدينة‏ ‏العبور‏ ‏ومعه‏ ‏معاونه‏ عبد‏ ‏المجيد‏ ‏شديد.

ومن سخرية القدر اجتمعت‏ ‏اللجنة‏ ‏القيادية‏ ‏للثورة،‏ ‏وقررت‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏ليلة‏ 22-23 ‏يوليو 1952 هي ليلة التحرك،‏ ‏وأعطيت‏ ‏الخطة‏ اسمًا‏ ‏كوديًّا "نصر"، وتحددت‏ ‏ساعة‏ ‏الصفر‏ ‏في‏ الثانية عشرة مساءً، إلا أن جمال عبد الناصر عاد وعدل هذ الموعد إلى ‏الواحدة صباحًا، وأبلغ جميع ضباط الحركة عدا يوسف صديق؛ لكون معسكره في الهايكستب؛ لبعده عن مدى تحركه ذلك اليوم، فآثر انتظاره بالطريق العام؛ ليقوم برده إلى الثكنات، وكان لهذا الخطأ البسيط على العكس أعظم ‏الأثر في نجاح الثورة.

لم‏ ‏يخف‏ يوسف ‏الموقف‏ ‏على ‏ضباطه‏ ‏و‏جنوده‏، ‏وخطب‏ ‏فيهم‏ ‏قبل‏ ‏التحرك‏ ‏وقال‏ ‏لهم‏ ‏إنهم مقدمون هذه الليلة على عمل من أجلِّ الأعمال في التاريخ المصري وأعظمها ، وسيظلون يفتخرون بما سيقومون به تلك الليلة.

‏وما إن خرجت القوة من المعسكر، حتى‏ ‏فوجئت‏ ‏باللواء‏ ‏عبد‏ ‏الرحمن‏ ‏مكي ‏قائد‏ ‏الفرقة‏ ‏يقترب‏ ‏من‏ ‏المعسكر‏، ‏فاعتقتله القوة بأوامر من يوسف الصديق،‏ وتم اقتياده بصحبة طابور القوة بسيارته، ‏وعند‏ ‏اقتراب القوة‏ ‏من‏ ‏مصر‏ ‏الجديدة،‏ صادفت‏ ‏أيضًا‏ ‏الأميرالاي‏ عبد‏ ‏الرءوف‏ ‏عابدين‏ ‏قائد‏ ‏ثاني‏ ‏الفرقة، فأمر يوسف الصديق أيضًا باعتقاله، وأركبه إلى جانب اللواء المعتقل من قبل بنفس سيارة اللواء، وساروا مع القوة ‏والمدافع‏ ‏موجهة‏ ‏عليهما‏ ‏من‏ ‏العربات‏ ‏الأخرى‏‏.‏
اقرأ أيضا :  

ولم‏ ‏تقف‏ ‏الاعتقالات‏ ‏عند‏ ‏هذا‏ ‏الحد‏، ‏فقد‏ ‏فوجئ ‏يوسف‏ الصديق ‏ببعض‏ جنوده ‏يلتفون‏ ‏حول‏ رجلين‏ ‏تبين‏ ‏أنهما‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏وعبد الحكيم عامر‏، ‏وكانا‏ ‏حسبما‏ ‏روي‏ ‏يوسف‏ ‏الصديق في‏ ‏ملابس‏ ‏مدنية‏، ‏ولما استفسر‏ ‏يوسف‏ ‏عن‏ ‏سر‏ ‏وجودهما‏، حدث جدل بين جمال عبد الناصر ويوسف صديق، حيث رأى جمال خطورة تحرك يوسف قبل الموعد المحدد ضمن الخطة الموضوعة سابقًا للثورة على أمن ضباط الحركة الأحرار وعلى إمكانية نجاح الثورة، ورأى رجوعه إلى الثكنات، لكن يوسف صرح له أنه لم يعد يستطيع العودة مرة أخري  دون إتمام الثورة وأنها قد بدأت بالفعل حينما قامت قوة يوسف بالقبض على قائده اللواء عبد الرحمن مكي ثم الأميرالاي عبد الرءوف عابدين قائده الثاني.

لم يكن أحد يعلم على وجه اليقين ما يتم ‏ ‏فـي‏ ‏رئاسة‏ ‏الجيش، حيث كان خبر الثورة قد تسرب إلى الملك فاروق  الذي أبلغ الأمر للقيادة لاتخاذ إجراء مضاد على وجه السرعة، وكانت قيادة الجيش - التابع للملك - مجتمعة في ساعته وتاريخه؛ تمهيدًا لسحق الثورة أو الانقلاب بقيادة الفريق حسين فريد قائد الجيش قبل الثورة، وقد حسم يوسف الصديق الجدل بينه وبين جمال عبدالناصر حينما أصر على مواصلة طريقه لاحتلال القيادة.

وعقب نجاح حركة الضباط الأحرار دعا يوسف الصديق مجلس قيادة الثورة إلى عودة الحياة النيابية، وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديمقراطية داخل مجلس قيادة الثورة.

وقال عنه اللواء محمد نجيب رئيس مصر الأسبق: "أنا صفر على الشمال بالنسبة له؛ لأنه هو الذي دخل القشلاق وقيادة الجيش وعمل كل اللي قلته له وعمل نفسه قائدا للدفاع عنهم، وكل اللي ييجي من برة بالإمدادات يشخط فيه ويوزعه: أنت روح عند التقاطع بتاع المترو"، وقال عنه إنه "راجل مقاتل.. مجلس الثورة كان يخشاه لأنه راجل شجاع وجدع".

ويقول يوسف الصديق عن تلك الخلافات في مذكراته: "كان طبيعيًّا أن أكون عضوًا في مجلس قيادة الثورة، وبقيت كذلك حتى أعلنت الثورة أنها ستجري الانتخابات في فبراير 1953، غير أن مجلس الثورة بدأ بعد ذلك يتجاهل هذه الأهداف، وتهكم عليه واحد من أعضاء مجلس الثورة، وكان جمال عبدالناصر قد أبلغهم أن يوسف صديق شيوعي، فقال له: "أنت عامل لي فيها "يوسف ستالين"؟!

ولم يجد يوسف أمامه سوى دواية الحبر، فقذفها في وجهه..وبدأ الصدام الحاد، فحاولت أكثر من مرة أن أترك المجلس وأعود للجيش فلم يسمح لي بذلك، حتى ثار فريق من الضباط الأحرار على مجلس قيادة الثورة يتزعمه اليوزباشي محسن عبد الخالق، وقام المجلس باعتقال هؤلاء الثائرين ومحاكمتهم، فاتصلت بالبكباشي جمال عبد الناصر وأخبرته أنني لا يمكنني  أن أبقى عضوًا في مجلس الثورة، وطلبت منه أن يعتبرني مستقيلًا، فاستدعاني للقاهرة، ونصحني بالسفر للعلاج في سويسرا في مارس1953".

وعندما وقعت أزمة فبراير ومارس عام1954، طالب يوسف الصديق في مقالاته ورسائله إلي محمد نجيب بضرورة دعوة البرلمان المنحل ليمارس حقوقه الشرعية، وتأليف وزارة ائتلافية من قِبَل التيارات السياسية المختلفة من الوفد والإخوان المسلمين والاشتراكيين والشيوعيين، وعلى أثر ذلك اعتقل هو وأسرته، وأودع في السجن الحربي في أبريل، وسجنت زوجته" علية" عام  1954، ثم أفرج عنه في مايو 1955، وحددت إقامته بقريته زاوية المصلوب مركز الواسطي شمال بني سويف  بقية عمره إلى أن توفي في 31 مارس 1975.